الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: حرب البقاء أم الفناء!

سوريا: حرب البقاء أم الفناء!

28.06.2013
د. عبدالله العوضي

الاتحاد
الجمعة 28-6-2013
الدولة الوحيدة المطمئنة على نفسها عما يجري في سوريا هي إسرائيل التي ترى أنها تعيش في أعز فترات أمنها القومي، لأنها مدركة أن النظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحدة تجاهها طوال نصف قرن مضى فهي اليوم أبعد عن ذلك. والسبب الرئيسي لهذا الاطمئنان الأمني هو انشغال النظام كله في «حرب البقاء» ضد «حرب الفناء»، فلا يوجد لديه المزيد من الوقت لفتح جبهة أخرى ضد إسرائيل، فما يدور في الداخل حري بالتفرغ التام له.
منذ حكم نظام «البعث» سوريا، وشعار الصمود والتصدي والمقاومة مشهر أمام أي محاولة لاختراقه، وعندما انتفض الشعب عليه باسم الحرية والعدالة والكرامة، كشر النظام عن أنيابه وغرزها في قلوب أفراد الشعب الثائر، وكسر الدنيا على رأس الشعب المسكين لأن النظام مصر على كسب معركة بقائه ولو بفناء دولته وشعبه.
وهذا الطرح من جانب إسرائيل المدركة تماماً لما يحدث من حولها من تغييرات لا يزال البعض السادر غافلاً عن مجرياته، فضلاً عن لعب أي دور إيجابي لوقف هذا النزيف الدامي في سوريا. ففي 2013/5/22، اعتبرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها أنه بالرغم من تصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة بين إسرائيل وسوريا، إلا أنه من المستبعد أن تصل الأمور إلى درجة «الانفجار»، وأضافت الصحيفة، أن بشار الأسد «منشغل بحرب البقاء» وليست له مصلحة بفتح جبهات أخرى.
والذي يطمئن إسرائيل أكثر ليس انشغال النظام بقتل الشعب فقط، بل أيضاً انشغال حلفاء النظام، «حزب الله» وإيران، وهما العدوان الظاهران لها، بالتخلص من الشعب السوري بأسرع وقت من أجل الوقوف ضد فناء وانهيار النظام السوري.
إن هذه الحرب القذرة ستبين على السطح معادن بعض الدول والأحزاب والتيارات التي قادت العالم العربي لعقود نحو الهاوية، ولم تضف إلى رصيدها طوباً ولا حصيراً، فضلاً عن النماء والبناء والتنمية في أي صورة، ولقد لجأ النظام في الفترة الأخيرة إلى استخدام ليس الكيماوي فقط، بل ما هو أخطر منه بدرجات، بل ما يذهب بسوريا إلى دركات الطائفية العفنة في ظاهرها وباطنها، لأنها لا تبقي للالتقاء تحت أي مظلة سياسية، أو طاولة مفاوضات إلا بعد غلبة الطائفية على مكونات الدولة المدنية، الحاضنة الرئيسة لكل فسيفساء الوطن الواحد.
فمهما أدعى العالم المتقدم أن السلاح الكيماوي هو الخط الأحمر الذي لا يطاق ولا يحتمل المزيد من الصبر على هذا النظام الغارق في الدموية والوحشية، فإن ما ستفعله الطائفية أشد وأنكى من السلاح الكيماوي مهما قتل أو أباد إلا أنه لن يبيد المكونات الوطنية اللازمة التي يراد إفناؤها باسم الطائفية البغيضة.
إن وقوف روسيا والصين، وإيران و«حزب الله» في خندق النظام السوري يسرّع من إفناء ذلك النظام ذاته، قبل أن يفنى الشعب، لأن معادلة إفناء الشعوب أمام بقاء أي نظام سلطوي متجبر رهان لم تقم له قائمة على مدار التاريخ، هذا لمن يجعل التاريخ بين عينيه وليس خلف ظهره، كما يفعل النظام في سوريا.
وليس على النظام السوري الذهاب إلى العصور الغابرة في التاريخ حتى يدرك هذه الحقيقة، لأن الأنظمة تفنى والشعوب تبقى، فمثال البوسنة والهرسك خير دليل على ما نذهب إليه، فالبوسنيون كانوا عرقاً وأصبحوا اليوم دولة بسبب بقاء العالم المتحضر في صف الشعب، وليس النظام الصربي الذي تقدم رؤوسه يوماً بعد يوم قرابين في ساحة العدالة الدولية.
فهل ينتظر النظام في سوريا هذا المصير غير المستبعد كما استبعدت إسرائيل رصاص النظام عنها، وإذا كان فعلاً النظام مستعداً للدخول في حرب البقاء أو الفناء إلى هذه المرحلة، فإن للتاريخ الحاضر وليس الغابر كلمة الفصل.