الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: صمت العار أم تدخّل خارجي كالنار؟

سوريا: صمت العار أم تدخّل خارجي كالنار؟

28.08.2013
باتر محمد علي وردم



الدستور
الثلاثاء 27/8/2013
لا أعتقد أنه قد مرّت في تاريخ العرب الحديث، او حتى في تاريخ كافة الأمم معضلة أخلاقية مثل التي تواجه المنطقة والعالم حاليا حول سوريا. الدولة والمجتمع السوري دخلا في السنتين الأخيرتين في دوامة من القتل والعنف والدمار تجاوزت أقصى ما يمكن للعقل البشري أن يتخيله من وحشية. العنف والجرائم بدأت من قبل النظام وارتفعت في مستواها في الوحشية في كل يوم إلى أن تمكنت بعض قوى المعارضة أيضا من منافسة النظام في انتهاك حركة الحياة البشرية وقيمتها.
ما حدث في غوطة دمشق صباح الأربعاء الماضي حدث لا يمكن للضمير الإنساني أن يتجاهله، ولكن ما حدث في سنتين واكثر من قتل 100 ألف شخص تقريبا هو أمر مروع بنفس الحجم أن لم يكن أكثر. الوضع في سوريا حاليا معقد إلى درجة مذهلة ولا يوجد اي سيناريو مثالي يمكن تخيله سيتمكن من إنقاذ الدولة والمجتمع في سوريا وإعادتهما إلى مسار الدول الطبيعية.
باستثناء أنصار النظام السوري وشبيحته، فإن كل شخص له ضمير يتمنى نهاية سريعة للمأساة تتمثل في سقوط النظام الذي لا يمكن أن يستمر بعد الجرائم التي ارتكبها، ولكن ضمن ظروف عسكرية وسياسية وأمنية تسمح بإقامة دولة سورية موحدة وتتسع للجميع دون أحقاد وطائفية. للأسف يبدو هذا الخيار شبه مستحيل الآن، فحتى لو اختفى النظام غدا بطريقة ما فإن الجماعات المتصارعة في ساحات المعارك والتي تحمل حقدا رهيبا تجاه بعضها البعض ورغبة شديدة في الانتقام سوف تستغل الفوضى لتصفية حساباتها. المعضلة الحقيقية هي أن غياب قوة الدولة في اي وقت يجب أن يعقبه وجود قوة بديلة قادرة على ضبط النظام وإلا انتشرت نيران الانتقام في كل مكان. المثال العراقي منذ 2003 موجود ولا أحد عاقل يريد له أن يتكرر في سوريا. 
التدخل العسكري الخارجي هو أمر في غاية الصعوبة لأن أي من الدول المحيطة بسوريا لن تسمح باستخدام أراضيها معبرا لهجوم خارجي. دعكم من خطابات أردوجان لأن تركيا أكثر من استضافة بضعة آلاف من اللاجئين وتقديم شعارات إنسانية، والعراق لن يتدخل ولبنان المتأثر بقوة حزب الله العسكرية سيحاول عدم جر نفسه للمعركة وبالنسبة للأردن فإن تحولها لمنصة لهجوم خارجي هو أمر في غاية الخطورة ويندرج ضمن الأخطاء الاستراتيجية التي لا يمكن أن يرتكبها نظام ذكي تمكن من اتخاذ القرارات السليمة طوال ستين سنة من الصراعات الدامية في المنطقة.
  في المحصلة لا يمكن التفكير واقعيا بأكثر من بضعة صواريخ توماهوك تنطلق من البوارج الأميركية وتستهدف بعضة مواقع سياسية وامنية وعسكرية تضعف النظام السوري وتجبره على التفاوض مع مجموعة من المعارضة تمثل جزءا مقبولا من العالم الخارجي والشعب السوري، هذا طبعا وسط صراخ المتباكين على قلعة العروبة النابضة من المؤامرات الصهيونية-الأميركية-التركية-الخليجية-الرجعية!
مقدار الضرر والدمار الذي أحدثه النظام السوري ضد شعبه وممتلكات أبنائه واستقرار دولته اشد بكثير من أي ضرر يمكن أن تحدثه قوة معادية لسوريا من الخارج. المعادلة الأخلاقية حول السماح بالهجوم على النظام السوري من قبل الناتو أو الولايات المتحدة مع تحالف عسكري غربي تبدو جدالا نظريا بلا قيمة ما بين المعسكر المؤيد للنظام والآخر المناهض له في العالم العربي. إمكانيات التدخل العسكري قليلة جدا في حال إصرار روسيا والصين على حماية النظام السوري حتى النهاية وبالطبع تربص إيران الدائم لأية خطوة تسمح لها بالمزيد من التدخل في الشأن السوري واللبناني والعمل على إشعال فتيل معارك موازية في البحرين وبعض دول الخليج. 
طبول الحرب تقرع ولكن بهدوء، والصخب الصادر عن المدافعين عن النظام والمطالبين باسقاطه أكبر بكثير، ولكن الصورة الأقسى هي الدم والموت العبثي الذي يحدث منذ سنتين ومن دون طائل في صراع صفري من الناحية العسكرية يستنزف كافة مقومات الدولة السورية لمصلحة عدة أطراف في المنطقة والعالم.
بالنسبة لنا في الأردن، المهم أن نبقى بعيدين ما أمكن عن هذه اللعبة السياسية القذرة، وأن نحاول الاستمرار في الدعم الإنساني للإخوة السوريين حسب الإمكانات المتوفرة لنا وهذا هو الخيار الأخلاقي الأفضل.