الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ـ اوكرانيا: سنوات الرعب العظيم

سوريا ـ اوكرانيا: سنوات الرعب العظيم

01.02.2014
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الجمعة 31/1/2014
في كتاب التاريخ الأوكراني لا يعلم كثيرون من العرب او المسلمين وجود صفحات كثيرة تحكي حكاية اضطهاد تاريخي روسي طويل ورهيب لسكان شبه جزيرة القرم في اوكرانيا، وهم قبائل تركية كانت قد سيطرت على روسيا في القرن الثالث عشر الميلادي وأجبرت دوقية موسكو على دفع الجزية، وهو ما عرّض التتار المسلمين، بعد انقلاب الأطوار التاريخية، الى انتقام مديد ومذابح قتل فيها مئات الآلاف، وحين قرر ستالين عام 1928 انشاء كيان يهودي هناك ثار عليه سكان المنطقة فأعدم 3500 منهم، بينهم رئيس الجمهورية ولي ابراهيم وأعضاء حكومته ونفى 40 ألفاً الى سيبيريا، أما عددهم فهبط خلال قرن من 9 ملايين الى أقل من مليون نسمة.
تعود جذور الصراع الكبير الحالي في اوكرانيا، كما في أغلب المشرق العربي، الى الحرب العالمية الأولى، فخلال تلك الحرب كانت اوكرانيا مقسومة بين الامبراطوريتين الروسية والنمساوية، واضطر الأوكرانيون الى الصراع على طرفي المعارك والخنادق والولاءات، الأمر الذي استمرّ لاحقاً إلى أن تم استلحاق المناطق الباقية لأوكرانيا تحت سيطرة الروس والبولنديين. أدت الثورة الروسية ومفاعيلها في اوكرانيا الى تدمير البلاد مخلّفة اكثر من 5،1 مليون قتيل ومئات الآلاف بلا مأوى، ثم استكملت حرب ستالين ضد الفلاحين، عصب الأمة الأوكرانية، الملحمة بخلق مجاعة ضربت 10 ملايين شخص خلال عامي 1937 و1938، وهو ما برّره ستالين وقيادته بكونه ‘صراعاً طبقياً’، أما الأوكرانيون فسمّوه ‘سنوات الرعب العظيم’.
ومع غزو الروس لبولندا عام 1939 اتحد الأوكرانيون من جديد ولكنهم دفعوا ثمناً باهظاً خلال الحرب العالمية الثانية يقدر بخمسة الى ثمانية ملايين روح بشرية. استقلّت اوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي عام 1990 ولكن الإستقلال لم يخرج اوكرانيا من الإرث الثقيل للحقبة السوفييتية، بما في ذلك الفوارق بين المناطق التي خضعت لروسيا أولاً والأخرى التي كانت منبعاً للتمرّد عليها، كما استمرّت مظاهر الفساد والجريمة والظلّ الثقيل لروسيا، وأدى تزوير الانتخابات عام 2004 وفوز فيكتور يانكوفيتش (الحاكم حالياً في اوكرانيا) الى غضبة شعبية عارمة تطورت الى ما سمّي ‘الثورة البرتقالية’ التي أزاحت يانكوفيتش عن السلطة لكنه عاد لاحقا ليصبح رئيساً عام 2010.
بين ‘ثورة البرتقال’ الأوكرانية عام 2004 وثورات الربيع العربي 7 أعوام فحسب، فيما تبدو الانتفاضة الأوكرانية الحالية استكمالاً للثورة الأولى التي واجهت ثورة مضادة و’فلولاً’ أقوياء بغطاء سياسي وماليّ روسيّ، وتشبه تفاصيلها وتكتيكاتها ما تقوم به الثورات العربية، كما تشبه تكتيكات وأساليب السلطة الأوكرانية الحالية ما تقوم به أنظمة عربية عديدة لوأد الثورات فيها، من عرض المناصب على المعارضة، وصولاً إلى إطلاق النار وقتل المتظاهرين، إضافة الى كون العرّاب العالمي لمناهضة الثورات واحداً في الحالتين: روسيا.
لمواجهة الرغبة العارمة للشعب الأوكراني بالحرية والديمقراطية قدّمت روسيا معونة بـ11 مليار دولار، وهو يذكّر، مع الفوارق المضحكة، بزيادات الرواتب وخفض الأسعار التي استصدرها النظام السوري عام 2011 وبشّرت بها مستشارة الرئيس آنذاك فرد عليها المتظاهرون: ‘يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مش جوعان’.
من الممارسات القمعية التي تستخدمها قوّات الأمن الأوكرانية ضد المتظاهرين التعامل معهم على أساس مناطقهم، فينصبّ الغضب على من يتحدّرون من غرب اوكرانيا مثلاً، وهم أحفاد من ثاروا على روسيا في خلال الحربين العالميتين وما بعدهما، وهو أمر يشبه ما فعله النظام السوري مع مدن ومناطق سورية كثيرة ثارت عليه، ولديها تاريخ من الأحقاد التاريخية ضده تراكمت مع عقود القمع المديدة.
تكسر التشابهات والتفاعلات بين اوكرانيا والثورات العربية، وخصوصاً منها السورية، التنميطات الثقافية والألعاب السياسية التي تريد حبس الثورات في حروب الأديان والطوائف وهي ليست غير رغبة انفتاح على فضاء الحرية الواسع والشراكة الإنسانية في رفض أحلاف الفساد والجريمة والاستبداد في العالم.