الرئيسة \  تقارير  \  سوريا: لجنة التحقيق الدولية توثق انتهاكات وتتهم القوات الروسية بصراحة لأول مرة

سوريا: لجنة التحقيق الدولية توثق انتهاكات وتتهم القوات الروسية بصراحة لأول مرة

19.09.2022
منهل باريش


منهل باريش
القدس العربي
الاحد 18/9/2022
الجهات الدولية لا تنفك تحذر من أن سوريا ليست بلداً آمناً لعودة اللاجئين، وخاصة مناطق سيطرة النظام، وهذا ما أكد عليه التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا.
أشار تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا إلى أن الأوضاع في مناطق سيطرة النظام لا تزال تشكل “عقبات أمام عودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين”. وحذرت اللجنة الدولية المستقلة المعنية بسوريا والتابعة للأمم المتحدة، من احتمالية تصعيد عسكري جديد في سوريا، معتبرة أنه سيزيد من معاناة السوريين خلال الحرب التي تجاوزت العقد من الزمن. ونشر الموقع الرسمي للأمم المتحدة بيانا للجنة الصادر الأربعاء الماضي، تحذيرات من صعوبة الوضع الذي وصفته بأنه “لا يطاق” والذي يعاني خلاله ملايين السوريين و”يموت بعضهم في مخيمات النزوح مترافقا مع قلة الموارد وتراجع دعم المانحين الدوليين”.
وأصدرت اللجنة تقريرا يحتوي على 50 صفحة، ترصد واقع حقوق الإنسان في سوريا خلال الفترة الممتدة بين الأول من كانون الثاني (يناير) ونهاية شهر حزيران (يوينو) من العام الجاري، وحذر رئيس اللجنة، باولو بينيرو من “التعبئة القتالية بين القوات التركية وحلفائها، تقابلها حشود للقوات الكردية وحلفائها في الشمال السوري لا تزال مستمرة”. واتهم التقرير قوات النظام بقتل وإصابة 92 مدنيا وتدمير المنازل والمدارس والمساجد والمنشآت الطبية في قصفها الذي طال غرب وشمال سوريا.
في حين، ما زال التحقيق جاريا بآخر قصف على مدينة الباب في شهر آب (أغسطس) الفائت والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيا، بينهم خمسة أطفال، و36 جريحا.
كذلك، اعتبرت عضو لجنة التحقيق، المفوضة لين ولشمان أن عمليات الاستهداف المستمرة من طرف إسرائيل في سوريا قد أوقفت المساعدات لما يقارب أسبوعين في شهر حزيران (يونيو) الماضي بسبب القصف على مطار دمشق الدولي.
من جانبه، ثمن رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة واعتبر أنه من الطبيعي أن يكرس القسم الأكبر من التقرير لانتهاكات النظام “كونه يستمر بالممارسات الأمنية والعسكرية خصوصا في درعا، والتي أسفرت عن مقتل العشرات من المنشقين والمعارضين السابقين” وأضاف عبد الغني في اتصال مع “القدس العربي” أن النظام السوري هو الجهة الرسمية المصادقة على الاتفاقيات الدولية ويشغل عضوية الأمم المتحدة.
وفي تعليقه على صغر حجم الانتهاكات المخصصة بمنطقة سيطرة هيئة “تحرير الشام” في شمال غرب سوريا الواردة في التقرير، أكد عبد الغني على “صعوبة عمل المنظمات الحقوقية في إدلب بسبب القبضة الأمنية للهيئة” إلا أنه وصف التقرير بـ “المتوازن” من حيث تسجيل الانتهاكات التي قامت بها “قسد” و”تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” المعارض.
ولفت إلى أهمية “اعتبار اللجنة أن سوريا بلد غير آمن ولا يمكن عودة اللاجئين إليه. حيث يعرض ذلك حيواتهم للخطر، وهو ما يخالف المحاولات الروسية لترويج مسألة ضمان سلامة العائدين وتشجيع بلدان الجوار على إعادة اللاجئين”.
ويحاول نظام الأسد استغلال أجواء الحديث عن إعادة اللاجئين ويبدي في كل مناسبة ترحيبه بالفكرة طامعًا بتدفق المساعدات الدولية بحجة إعادة تأهيل مناطق المهجرين، إضافة إلى الانفتاح السياسي الدولي المبني على خطة إعادة توطين النازحين والمهجرين، ولاقتران فكرة إعادة الإعمار بعودة اللاجئين، غير أن العديد من الجهات الدولية لا تنفك تحذر من أن سوريا ليست بلداً آمناً لعودة اللاجئين، وخاصة مناطق سيطرة نظام الأسد، وهذا ما أكد عليه بشكل واضح التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا.
وفي هذا السياق، وجهت منظمات، “العفو” الدولية و”هيومن رايتس ووتش” ومراقبة حماية اللاجئين، رسالة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مفادها أن سوريا غير آمنة للعودة، ودعت الرسالة الأمم المتحدة إلى وقف كافة البرامج التي من شأنها تحفيز العودة المبكرة وغير الآمنة.
وفي سياق منفصل، وتعليقا على الضغوط الروسية على اللجنة ومحاولات إيقاف عملها، قال رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي السوري أنور البني “إن اللجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان ولا يوجد صلاحية لروسيا أو أي دولة لإيقافها”. مشيرا إلى أن مجلس حقوق الإنسان “يعرض تقاريره أمام مجلس الأمن ويرفع توصياته فقط وهي ليست ملزمة بطبيعة الحال. إلا أن التقارير هي عبارة عن إدانة معنوية تفضح جرائم المنتهكين لكنها لا تملك تأثيرا مباشرا، ولكنها في نفس الوقت تساهم بتشكيل رأي عام وتحشيد دولي مناصر للقضية السورية” وعن إدانة القوات الروسية بشكل صريح رجح البني في تصريح لـ “القدس العربي” أن “الإجرام الروسي في أوكرانيا شجع لجنة التحقيق على الإشارة إلى الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها في سوريا”.
وفي الجزء المخصص لشمال سوريا، وتحديدًا في فقرة “سير الأعمال العدائية” وحول القصف الممنهج لمدينة الباب ومقتل مدنيين يومي الثاني من شباط (فبراير) و16 نيسان (أبريل) حملت اللجنة قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” المسؤولية لأن مصادر القصف الصاروخي من مناطق سيطرة مشتركة بين الطرفين، وأشار إلى أن الصواريخ أطلقت إما “من قاعدة الرادار في قرية الشعالة غرب مدينة الباب” بريف حلب الشرقي الخاضعة لسيطرة قوات النظام أو “من قرية النيربية المجاورة” والتي تخضع لسيطرة “قسد”.
ولم يغفل التقرير دور القوات الروسية في عدة أماكن تشهد فلتانا أمنيا كما في جنوب سوريا وشمالها، حيث أشار التقرير إلى مقتل ثلاثة مدنيين يوم 27 شباط (فبراير) بنيران مصدرها مناطق انتشار النظام والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية. ورغم عدم اتهام الطيران الحربي الروسي بقتل المدنيين إلا ان التقرير أشار إلى وجود الطائرات المسيرة الروسية لحظة القصف على منازل المدنيين، واعتمد التقرير على معلومات المراصد المحلية التي تراقب حركة الطيران الجوية.
وتضمن تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة حملة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وقوات الأمن الداخلي التابعة لها “أسايش” في مخيم الهول في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، واصفا الوضع الأمني في المخيم بانه يزداد سوءا، اذ سُجلت 34 جريمة قتل بين 1 من كانون الثاني (يناير) و31 من آب (أغسطس) الماضيين داخل المخيم، إضافة إلى عدة اشتباكات دامية بين قوى الأمن الداخلي “أسايش” وسكان المخيم.
وفي ردود الفعل على التقرير، قال كبير المفاوضين السابق في وفد الهيئة العليا للمفاوضات، المحامي محمد صبرة في جنيف لـ “القدس العربي”: “التقرير جاء متوازنا وفق معايير مجلس حقوق الإنسان وإن كنا نتمنى عليه التركيز على السبب الأساسي في المأساة السورية وهي قضية حق السوريين في تقرير مصيرهم وفي بناء نظام سياسي ديمقراطي يحلمون به وناضلوا وضحوا من أجله بمئات آلاف الشهداء” وعلق على النقطة التي تتحدث عن الإتجار بالمخدرات بمناطق سيطرة النظام “هذه النقطة على غاية من الأهمية لأنها عمليا تنسف كل رواية بشار الأسد ولا سيما أن ذكر سيطرة الميليشيات في منطقة يدعي أن ما يسمى بالحكومة، هي التي تسيطر عليها، تفقده أي أساس قانوني وموضوعي لمفهوم نظام الحكم وبالتالي لا يمكن اعتبار بشار سوى ميليشيا تسيطر على جزء من الجغرافية السورية بالتحالف مع ميليشيات أخرى”.
وكشف تقرير اللجنة عن مقتل أكثر من 350 ألفا بسبب الحرب في سوريا منذ بدء الانتفاضة في آذار (مارس) 2011 وحتى آذار 2021 وأشارت إلى ان 14 مليونا و600 ألف شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. وفي الناحية المعاشية، قال التقرير أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 800 في المئة في أسعار المواد الغذائية منذ عام 2020.
وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 اعتقل قسم “الأمن الجنائي” في درعا نحو 150 شخصاً، أغلبهم أجرى “مصالحة” مع النظام منذ فرض القوات الروسية التسوية على فصائل الجبهة الجنوبية عام 2018.
وفصل تقرير اللجنة استمرار عمليات التعذيب الممنهج وسوء المعاملة والاعتقالات التعسفية التي تمارسها قوات النظام العسكرية وأجهزته الأمنية في مناطق سيطرتها في عموم البلاد، ووثقت اللجنة عمليات اعتقال شعبة المخابرات (العسكرية) لمواطنين سوريين وسوء معاملة.
ولم يفت اللجنة التذكير بمجزرة التضامن التي جرت في عام 2013 والتي ارتكبها عناصر وضباط يتبعون لنفس الشعبة، أعدموا خلالها 41 مدنيا معصوبي الأعين. وانتقدت اللجنة الدولية في تقريرها عدم مسائلة من ارتكب “الانتهاكات الجسمية وجرائم الحرب” من كل الأطراف وفي مقدمتها قوات النظام.