الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. لماذا الجوع والخوف.. وأين حقوق الإنسان؟!

سوريا.. لماذا الجوع والخوف.. وأين حقوق الإنسان؟!

30.12.2014
د. خالد حسن هنداوي



الشرق القطرية
الاثنين 29-12-2014
في هذا الشتاء القارس الذي يمر هذه الأشهر في بعض البلاد الباردة كأوروبا وسواها، نجد من يحترسون منه بالمدافئ والألبسة الصوفية والجلدية الثقيلة للحماية من شدة البرد وحتى يزاولوا أعمالهم بطاقة ولياقة مناسبة، بل حتى يناموا هانئين وقد قالت العرب قديما: "منع البرد البرد"، أي منع البرد الذي هو ضد الحرارة النوم، لأن من أسمائه البرد، ولذا قال الله سبحانه وتعالى عن جهنم: "لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا"، سورة النبأ:24. أي لا نوما ولا شرابا.
في هذه الأحوال القاسية المرة على النفس يعيش إخواننا وأخواتنا وأبناؤهم في معظم سوريا حياة الزمهرير الذي يرجف الجسم معه، خصوصا مع تساقط الثلوج على السفوح والهضاب، بل والسهول، سواء في داخل البلاد أو في أماكن اللجوء والمهجر لدى البلدان المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق وتمنع حتى بعض الجهات الرسمية في الأمم المتحدة عنهم الأغطية والأغذية ويقرع الضحايا أسنانهم من شدة البرد ولا يجدون ما يسد جوعتهم ولو لأرماق من الغذائيات والدوائيات، حيث تفشي العلل والأمراض أكثر، وخاصة للأطفال الذين رأيناهم يبتلون بسرعة الإسهال، حيث أصبحت مياه السماء تغمر ربع مخيماتهم والريح تقلب العديد من الخيام على أصحابها فيصابون بالذعر والخوف والقلق والكآبة دون مسعف سريع للغذاء والدواء والحماية من الطقس الطبيعي..... تذكرت ونحن نعيش في الرغد والسعة والترف والكماليات وسيما الذين كتب الله لهم الرزق في بلاد الخليج العربي بل وأوروبا.. وكيف يجب أن نتقشف وندخر مما أعطانا المولى من أجلهم حتى نشعر بأننا مع لوازم ومقتضيات الإيمان نبرهن على صدقه بالبذل والعطاء للمعوزين المحاويج وأننا في هذا العالم المختلف المتغير لسنا مطمئنين كاملا وربما تدور الأيام فنصبح مثلهم، فإذا أضفنا إلى ذلك أو معه كيف تهوي عليهم البراميل المتفجرة والقصف الشديد بقنابل "النابالم" الحارقة كالتي رميت على دوما وأطرافها في ريف دمشق أمس وكذلك على درعا وريفها وإدلب وريفها وحلب القديمة المحررة وريفها.. عرفنا كيف أن إخوتنا في الإيمان يعانون من الأمرين الجوع والخوف اللذين ذكرهما الله تعالى وهو يمتن على قريش كيف خلصهم منهما، بقوله: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، قريش: 4.
أي رزقهم الطعام بعد جوع كان يصيبهم في رحلتي الشتاء والصيف إلى الشام واليمن وسخر لهم الأمن فأصبحوا لا يخافون من سلبهم ونهبهم، لا في سفرهم خارج مكة ولا في وجودهم فيها وبيَّنَ لهم أن هذا بسبب دعاء إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) البقرة: 126.
كما رواه ابن عباس وأخرجه القرطبي في الأحكام 20/209 ونقل أيضا أن الله ألقى في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاما في السفن فخافت قريش منهم الحرب، فكانوا يخرجون إلى جدة بالإبل والحمر، فيشترون الطعام، وقد أمنوا الخوف منهم.
وكذلك أمنهم الله من مرض الجذام لا يصيبهم في بلدهم. قال القرطبي: واللفظ في الآية يعم: أي أنه ولو نزل في شأن قريش وإكرام البيت الحرام، إلا أنه يعم كل من آمن وتوكل على الله يقينا ولم يتواكل، إذ يقول الأصوليون: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال النسفي في مدارك التأويل 4/378 وإنما جاء التنكير في كلمتي جوع وخوف لشدتهما، أي رزقهم الطعام بعد جوع شديد وأمنهم بعد خوف عظيم من أصحاب الفيل وغير ذلك. وقد قيل: إنه أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، كما أكل أهل الغوطتين في ريف دمشق لحم القطط والكلاب وأكل الناس في ريف حلب وإدلب وحماة ورق الشجر وتخبأوا من مطر السماء تحت شجر الزيتون رأيتهم بعيني أي والله ورآهم معي أحد دكاترة الشريعة من جامعة في هولندا وكان يدعو على الأسد وشبيحته.
قال سيد في الظلال 6/3983: وإن هذا تذكير يثير الخجل في القلوب، أي: ليرجع الناس إلى إيمانهم ويترجموه وقد قال عبد المطلب يومها: (أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه)، دون استنجاد بصنم أو وثن مما يعبدون.
ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند حد معقول: أقول كما هو في زماننا هذا عند الأكثرين. أما الأقلون فقد فازوا في الدنيا والآخرة. وهم يمشون كما سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع حلف الفضول لإنصاف المظلومين قبل بعثته وهؤلاء لا يهمهم أن يعينوا لدرء الجوع أو الخوف، فكل شديد وحسب كل بلد وربما كان في سوريا درء الخوف أولى ثم الجوع أو مع بعضهما، ولذا قال الله في آية أخرى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
والحديث الشريف عنه، صلى الله عليه وسلم، كما للبخاري في "الأدب المفرد": "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، ولعل من هؤلاء القليلين في دولة قطر أحد الإخوة المحسنين، حيث أقام مخيما من خمسين خيمة بكل الحاجات وينوي إكمالها إلى المائة، قلت له: والله التكاليف كبيرة بعد الإنشاء، كذا أو كذا، فأجاب: والله عندما أقرأ قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) الأنفال: 72 والأخرى: (وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال: 74، أستحيي من نفسي ومن تقصيرها، وهو الذي ذهبت زوجته إلى المفرق بالأردن وحملت بسيارات أخرى مع بعض المحسنين الثياب وسواها فيا طوباهم جميعا.
والله إن صور العجائز والشيوخ والنساء والأطفال مع انهمار المطر في المخيمات أو دونها، ليبكي القلب قبل العين دوما لكل ذي إيمان وضمير. وطبعا أنتم تعرفون أنه يراد من ذلك تهجير أهل السنة، كما في العراق تماما، فالحرب أيديولوجية لمن لم يعد يعرف طبيعتها ولكن إخوانكم صابرون محتسبون يتضرعون إلى المولى - سبحانه - ويسألونه الفرج ويد عون للمحسنين على الدوام. أتدرون لماذا؟ لأنهم عرفوا أنه حتى الأنبياء لم يسلموا من الابتلاء ولا حتى سيد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، فاتجهوا إلى السماء، لأن أكثر أهل الأرض خذلوهم، بل تآمروا عليهم، في حين أن اللانظام السوري ومن معه يرتب لهم كل شيء ولا ينقص عن الأسد حتى الاسكريم السويسري ولا أندر المشتهيات، فالمؤامرة الكونية من العالم علينا وما الأسد إلا منفذا أمينا، لتبقى إسرائيل بترفها وأمنها ولتبقى مصالح الروس والمجوس وأمريكا غير منقوصة وهاكم أخ تركي في وسط البلاد يملك إحدى وعشرين صيدلية، لما سمع الحديث عن مأساة القرن. قال: إنني أتبرع وأوقف أرباح ثلاث صيدليات شهريا لشعبنا السوري، فهم المهاجرون ونحن الأنصار، وفعل جزاه الله خيرا. وحتى أردوغان وداوود أوغلو قالاها ويعملان قدر الإمكان على سد الجوع ونرجو أن يعملا أكثر وأكثر على سد الخوف أيضا من هؤلاء - أكابر المجرمين.
وكم يهم الدعم بتجهيز الثوار والتربية والتعليم والتدريب للخبرات كما كان عبد القادر الجيلاني – رحمه الله – يجهز الشاردين من خوف التتار والصليبيين ويدربهم ليلحقوا بالثوار من جديد ويختار أصحاب الخبرة والسياسة والحكمة ليفيد في حربه مع الأعداء.. وهكذا فما زالت الحاضنة الشعبية في الداخل والمهجر مع الثورة والثوار بأكثرها والحمد لله، وهم دوما يستهزئون بأرباب حقوق الإنسان الذين ليس منهم إلا الكلام الفارغ والتصاريح الجوفاء الحمقاء بعدم إدانة اللانظام من روسيا مثلا أو غيرها. ولذلك يقول أرنولد "توينبي" في كتابه (مختصر تاريخ الحضارة) 4/ 196: إن ميثاق الأمم المتحدة الشهير سخيف، لأنه تضمن حق النقض الفيتو الذي تستعمله الدول الخمس الكبرى لإجهاض أي قرار لنصرة المظلوم. فتبينوا يا إخوتي وأعينوا، والله تعالى والأحرار معكم، ولن يتركم أعمالكم.