الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا لمن؟

سوريا لمن؟

14.05.2013
اوكتافيا نصر

النهار
الثلاثاء 14/5/2013
فيما كان الجنرال يائير غولان، قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، يمارس رياضة الهرولة مع جنوده، وجّه ما يُفترَض أنها رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد: "لن تهبّ رياح الحرب".
لا تنسوا هذا المشهد أبداً، وتذكّروا أنه قبل أيام وأشهر وسنوات، انتهكت إسرائيل المجال الجوي السوري، وشنّت هجمات على أهداف اعتبرت أنها تهدّد أمنها. في حين لم تتبنَّ إسرائيل أياً من الهجمات التي تعود إلى ما قبل 2009، كما أن سوريا لم تعترض عليها. نُفِّذ الهجوم الأخير علناً واستهدف مستودعات عسكرية تحتوي على ما تقول إسرائيل إنه أسلحة أرسلتها إيران ومعدّة للنقل إلى "حزب الله". تشير التقارير والمعلومات إلى أن عشرات من المواقع استُهدِفت في الهجمات الأخيرة، مما أسفر عن مقتل نحو ثلاثمئة جندي سوري.
أعلنت سوريا أنها "تحتفظ بحق الرد". ويلتزم "حزب الله" الصمت الآن، فقد سبق له أن أطلق تهديداته قبل الهجمات، في إطار الخطاب المعهود الذي يهدف إلى اللعب بالنار. أما إيران فقد أرسلت وفداً إلى جزر هرمز المتنازع عليها لتذكير الإمارات العربية المتحدة وسواها من دول الخليج بالعواقب التي يمكن أن تترتّب عليها إذا سمحت للغرب باستعمال أراضيها منصّة لانطلاق عمل عسكري في سوريا.
لنعد إلى الجنرال الإسرائيلي المهرول وقوله "لن تهب رياح الحرب". بحسب آلة البروباغندا الإسرائيلية، يهدف هذا التصريح إلى جانب تصريحات أخرى أدلى بها مسؤولون إسرائيليون عبر وسائل إعلام عدّة، إلى إبلاغ الرئيس السوري أن الغارتَين الأخيرتين لا تهدفان إلى إضعافه أو إضعاف نظامه بأية طريقة من الطرق. كما أنهما لا ترميان إلى دعم الثوّار الذين يحاربون لإطاحته من السلطة. فهدف الهجومَين، وفقاً لتلك التصريحات، هو توجيه رسالة إلى "حزب الله". إذا صدّقنا وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية، فقد وُجِّهت الرسالة ذاتها إلى الأسد من طريق "القنوات الديبلوماسية".
قبل سنتين فقط، عند قراءة عناوين الصحف العالمية أو التجوال في سوريا، كنت لتشعر بأن البلاد ملكٌ لآل الأسد ونظامهم البعثي. أما اليوم، فيريد كثرٌ وضع اليد على سوريا؛ فالأشخاص الذين كانوا يجهلون موقع البلاد على الخريطة قبل سنتين يتحدّثون الآن "بلهجة جازمة" عما يجب أن يحصل هناك في رأيهم. تنتهك إسرائيل علناً المجال الجوي السوري وتهاجم المنشآت، من غير أن تعتذر عن الدمار أو الضحايا التي تسقط نتيجة غاراتها الجوية.
يُرسَل مقاتلو "حزب الله" إلى سوريا للقتال حتى الموت إلى جانب نظام الأسد. ويصل مقاتلون آخرون من أماكن بعيدة مثل أفغانستان، كي يحاربوا ويموتوا إلى جانب المتمرّدين الذين تربطهم صلات بتنظيم "القاعدة". يحصل "الجيش السوري الحر" على السلاح من تركيا والولايات المتحدة بصورة منتظمة. وتحاول وكالات الإغاثة المساعدة قدر الإمكان، مع العلم بأن لكل منها أجندته الخاصة.
والمواطنون السوريون يموتون بعشرات الآلاف، أو يهربون بالملايين. ويجد السوريون الأبرياء، الذين يمكثون في البلاد، أنفسهم أسرى الفصائل المتناحرة، حيث ينتظرون المجزرة التالية أو الهجوم المقبل، محاولين التمسّك بما تبقّى من كرامتهم البشرية ووطنهم.
يا له من مستنقع، ويا لها من فوضى موجعة، الامر الذي يدفعنا إلى التساؤل "سوريا لمن؟"
ثمة أمر أكيد: لم تعد سوريا ملكية حصرية للأسد وزمرته. لا يهم حجم الدعم الشفوي والعسكري الذي يقدّمه "حزب الله" للنظام. كما أن الحصانة الروسية وكل التملّق الكلامي الإيراني لن ينفعا ديكتاتورية الأسد المحتضِرة. فالحقيقة هي أن الأسد لم يعد رئيساً شرعياً. لقد اهتزّت سلطته وتلطّخت، أولاً نتيجة ارتكاباته في حق شعبه، وثانياً نتيجة الفوضى التي تشهدها البلاد، وأخيراً نتيجة دولة عدوّة مجاورة تنتهك المجال الجوي السوري ساعة تشاء، وعندما يصرخ العالم "إنها الحرب"، يتابع رئيس وزرائها زيارته المقرّرة للصين، ويَترك لجنرال مهرول أن "يطمئن" الأسد والعالم الى أن إسرائيل لا تنوي خوض حرب.
====================
"جنيف 2"  يولد ميتا
امين قمورية
النهار
الثلاثاء 14/5/2013
 لا شك في ان الولايات المتحدة وروسيا ترغبان في أن تكون لهما الكلمة الفصل في إدارة الأزمة السورية وإيجاد تسوية سياسية لها تضمن مصالحهما فيها خصوصا وفي دول الاقليم عموما . لكن الرغبة شيء والقدرة على تحقيق هذه الرغبة شيء آخر. فلو كانت ايدي واشنطن وموسكو مطلقة في هذا المجال لانتفت الحاجة الى المؤتمر الدولي الذي توافقتا عليه اخيرا. كان يكفيهما تفاهم ثنائي لفرض التسوية التي تريدان.
 الواقع يوحي بخلاف ما تريده موسكو وواشنطن تماماً. فقبل الحديث عن الدور الأساس للقوى السورية المتصارعة والدور المتعاظم للقوى الإقليمية، يكفي النظر إلى تخبط كل من الأميركيين والروس في مواقفهم غداة الاتفاق على المؤتمر الدولي من حيث رؤيتهم للحكومة الانتقالية، ودور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، ولائحة الدول والقوى التي ستدعى إلى "جنيف 2"، ودور الجيش والمؤسسات الأمنية ومستقبلها...
الرغبة شيء والواقع على الأرض شيء آخر. موسكو، على رغم الصخب الكبير الناتج من دورها في الازمة السورية، لم تخرج بعد سنتين من عمر هذه الازمة الا بـ"انتصارين": فرض وزير خارجيتها سيرغي لافروف نفسه لاعبا دوليا رئيسيا على الساحة الديبلوماسية الدولية بعد غياب طويل عنها، واستخدام بوتين سوريا لتعزيز سلطته داخل روسيا. يمزح من يعتقد ان الروس يمسكون بكل اوراق النظام أو انهم قادرون على اقناع الرئيس الاسد والحلقة المحيطة به  بالبقاء بعيدا من الحكومة الانتقالية، وخصوصاً بعد "الانتصارات" في ريف حمص وفي "حرب الاوتوسترادات" والشريط الحدودي مع الاردن.
  في المقابل، واهم من يعتقد ان لدى الاميركيين قدرة على دفع المعارضة إلى الحوار مع النظام. الارجح ان قلة فقط من المعارضين السوريين باتت تثق بواشنطن بعدما صنفت فصيلهم الاقوى والافعل على الارض "جبهة النصرة" منظمة ارهابية، وحرمت "الجيش السوري الحر"  حاجته الماسة الى سلاح دفاعي يحمي به افراده ومناطقه "المحررة"، وعمدت الى تقليص سطوة "الاخوان" على ائتلاف "الثورة" ومجالسها . 
المعارضة مشتتة والنظام لا يسمع لاحد. والحضور الاقليمي على الساحة السورية يبدو افعل من الحضور الدولي. للكل حساباته. من إيران إلى إسرائيل، ومن العراق إلى تركيا ولبنان والأردن، والسعودية وقطر ومصر. باتت هذه الدول مكونا اساسيا من مكونات الخريطة السورية الجديدة. لكل منها اجندتها ومصالحها الاستراتيجية. هذه الدول تعلمت من الدروس الايرانية في العراق بعد الغزو الاميركي ان الجغرافيا اقوى من السياسة والعسكر احيانا، وان في امكان الدول الصغرى ان تصنع سياساتها الخاصة بمعزل عن مصالح الدول الكبرى وبالتعارض معها احيانا. والحال هذه، قد يولد المؤتمر الدولي ميتاً بينما الدوامة السورية تستمر.