الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "سوريا ليست آمنة": محاولة جديدة لمنع ترحيل اللاجئين من ألمانيا 

"سوريا ليست آمنة": محاولة جديدة لمنع ترحيل اللاجئين من ألمانيا 

29.10.2020
عديّ المعصراني



نون بوست 
الاربعاء 28/10/2020 
استيقظ السوريون في ألمانيا الأسبوع الماضي على خبر اعتقال لاجئ سوري ذي خلفية إسلامية متشددة، كان قد طعن شخصين في مدينة دريسدن في الرابع من الشهر الحاليّ، وعلى خلفية الحادثة انهالت التصريحات السياسية تستنكر الحادثة وتدعو إلى فتح ملف ترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا، وسط تخوف الناشطين الذين يحاولون منذ عدة سنوات منع حدوث أمر كهذا. 
في كل عام، وتحديدًا في شهري يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول، يُعقد اجتماع لوزراء داخلية ألمانيا لبحث إمكانية رفع حظر الترحيل إلى سوريا، وهو ما يشكل بالنسبة للاجئين رعبًا حقيقيًا. الأمر الذي دفع نهايةً بمجموعة من الناشطين والحقوقيين السوريين وبدعم من ناشطين ألمان في مدن ألمانيا عدة لإطلاق حملة تسمى "سوريا ليست آمنة" للحديث عن الوضع القائم في سوريا وتوجيه الرأي العام قدر المستطاع، بالإضافة إلى توعية السوريين بالأمر وخلق قنوات اتصال مع أصحاب القرار. 
مع بدء موجة اللجوء الكبرى بين عامي 2016/2015 إلى ألمانيا وارتفاع عدد طالبي اللجوء من السوريين فيها إلى نحو نصف مليون، بدأت البلاد تشهد مناكفات وتجاذبات سياسية تدور حول موضوع اللجوء وازدياد أعداد اللاجئين وعن أهمية ترحيل من يجب ترحيله، فبدأ حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بالتحريض والسعي للدفع باتجاه اتخاذ القرار النهائي، بعد إثباتهم أن الأوضاع الإنسانية والأمنية في سوريا تسمح بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وذلك من خلال زيارة رموز فاعلة في الحزب للنظام السوري ولقائهم بعدد من المسؤولين أبرزهم وزير المصالحة السابق لدى النظام السوري علي حيدر ومفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون. 
ما يجري خلال الاجتماعات الدورية التي تقيمها الحكومة لدراسة القرار، تتضمن نقاشات حادة نظرًا لعدم اتفاق الجميع على قرار الترحيل، ما أبقى ملف حظر الترحيل معلقًا ويتم الخوض فيه باستمرار لأسباب مختلفة أبرزها حسب تصريح وزير داخلية ولاية شليسفيغ هولشتاين (Schleswig-Holstein) السابق هانز يواخيم غروتيه، في ديسمبر/كانون الأول 2019: "ألمانيا حاليًا لا تملك جهة اتصال في سوريا لتتواصل معها بخصوص ترحيل اللاجئين، لكن النية هي ترحيل المجرمين الخطيرين إلى هناك". 
إلا أن جريمة طعن رجلين في مدينة دريسدن الألمانية التي تبين لاحقًا أن مرتكبها سوري الجنسية، زادت من حدة النقاش حيث صرح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، بأنه "سيطالب بإعادة فحص إمكانية الترحيل إلى المناطق الآمنة في سوريا"، أما وزير داخلية مقاطعة بايرن، يواخيم هيرمان، كان أكثر تشددًا في موقفه مظهرًا نيته باتخاذ قرارٍ حاسم هذه المرة حسب قوله لصحيفة البيلد: "لن أقبل ولا بأي حال بحظر ترحيلٍ شامل إلى سوريا"، قاصدًا أن الترحيل يجب أن يقتصر على المجرمين الخطرين والمتطرفين. 
في المقابل كانت أصوات الأحزاب اليسارية تعارض ما يقوله وزراء ومسؤولو حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وأخيه الأصغر في مقاطعة بايرن، حزب الاتحادي المسيحي الاجتماعي، حيث علقت المتحدثة باسم السياسة الداخلية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أوتي فوغت، لصحيفة فيلت الألمانية قائلةً: "الوضع في سوريا غير آمن وخطير، بناءً على ذلك فإن الترحيل إلى هناك غير مقبول"، ساندتها في الرأي المتحدثة باسم السياسة الداخلية لحزب اليسار الألماني، أولا يلبكي، بأن "سوريا ليست آمنة، وحتى لمرتكبي الجرائم ليست آمنة". 
تستند الحملة في نقاطها العشرة إلى تقارير رسمية صادرة عن هيومان رايتس ووتش ووزارة الخارجية الألمانية والأمم المتحدة 
حتى هذا اليوم ما زال غير معروف من الذين يهددهم قرار الترحيل ومن الذين سيشملهم. وفي هذا الخصوص حاور "نون بوست" ماريانا كركوتلي، مديرة برامج لدى منظمة تبنى ثورة، ومستشارة قانونية في قضايا جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية لدى مركز العدالة والمحاسبة، وحدثتنا عن الوضع قائلة: 
"لا نعلم بالتحديد من ستكون الفئة المستهدفة في حال تم فتح باب الترحيل إلى سوريا، لكن الحكومة الألمانية منذ عدة سنوات بدأت بمنح غالبية السوريين ما يسمى بإقامة "الحماية المؤقتة" ومن ثم بدأت تطالبهم بتجديد جوازات سفرهم لدى القنصلية السورية في برلين، ما يعني أنهم دفعتهم للتواصل مع النظام السوري، وهذا ما قد يلعب دورًا في حال تم الاتفاق على فتح باب الترحيل لاحقًا".  
وذلك لأن حاملي "الحماية المؤقتة" يصنفون هاربين من الحرب فقط لا غير، ولا يملكون أي مشكلة مع النظام السوري أو غيره، وفي حال توقفت الحرب وأعلنت سوريا دولة آمنة، سيكون ترحيل هؤلاء أسهل نسبيًا مقارنةً بحملة الإقامات من نوع "اللجوء الإنساني الكامل أو اللجوء السياسي". 
سوريا ليست آمنة تحت حكم الأسد 
"سوريا دولة تعذيب: يُحكِم النظام السوري سيطرته على البلاد من قبل الثورة في عام 2011 بكثير عن طريق القمع، التجسس، الاعتقال التعسفي، والتعذيب والقتل الممنهج". هذه النقطة الأولى من أصل عشر نقاط كتبها الناشطون على موقع حملة "سوريا ليست آمنة" الرسمي، وأسموها "عشرة حقائق عن سوريا". 
وتهدف إلى "إقناع المسؤولين ووزراء الداخلية الألمان بأنه لا يجب أصلًا البحث في أمر ترحيل السوريين كل 6 أشهر، ببساطة، سوريا ليست آمنة ما دام نظام الأسد والدولة الأمنية يحكمان البلد، والترحيل إلى سوريا يعني التنسيق مع الأجهزة الأمنية هناك، وبالتالي التطبيع والتعاون مع مجرمي حرب يوجد منهم من يحاكم الآن في المحاكم الألمانية"، حسب كركوتلي. 
تستند الحملة في نقاطها العشرة إلى تقارير رسمية صادرة عن هيومان رايتس ووتش ووزارة الخارجية الألمانية والأمم المتحدة وغيرهم من المنظمات المحايدة، فالنقاط تحمّل النظام السوري بشكل مباشر مسؤولية ما آل إليه الوضع في سوريا، ومسؤوليته عن إخفاء عشرات آلاف المعتقلين والمعتقلات وعدم الإعلان عن مصيرهم وقتلهم في المعتقلات بشكل ممنهج، أيضًا هجمات الكيماوي ضد المدنيين، وإجبار الرجال على القتال في صفوفه. 
وتتحدث إحدى النقاط أيضًا عن "المصالحات" أو "التسويات"، حيث وصفتها بأنها إما الإجبار على الرضوخ لحكم ديكتاتوري وإما تهجير المدنيين من منازلهم وأراضيهم. 
أما عن نشاطات الحملة في الميدان فهي مقسمة إلى عدة أقسام، منها توزيع المنشورات على المارة والتظاهر أمام مقرات اجتماع وزراء داخلية الولايات الألمانية. 
علمًا أن المظاهرات بدأت في مدينة كيل الألمانية، في يونيو/حزيران 2019 حين احتشد مجموعة من النشطاء والناشطات من عدة منظمات غير حكومية في ساحة مقر اجتماع وزراء الداخلية، ونصبوا قفصًا وضعوا فيه صورة للرئيس بشار الأسد ولافتة فوقه كتب عليها "الواصلون من ألمانيا" في إشارة لمصير من سيتم ترحيلهم في حال تم الاتفاق على ذلك. 
تكررت المظاهرات والخطابات في الساحات العامة أيضًا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 بمدينة لوبيك ومن ثم في يونيو/حزيران 2020 بمدينة إيرفورت، ورغم إجراءات وباء كورونا المعقدة، فإن الناشطين عمدوا للتظاهر أمام مقر الاجتماعات هناك ورفعوا لوحات تصور وحشية التعذيب داخل معتقلات النظام السوري. 
جهود مستمرة وثمار تقطف 
تقول كركوتلي عن جدوى التظاهرات هذه وما إن كانت حقًا تصنع تغييرًا: "تمكننا في السنة الماضية من الوصول إلى أصحاب القرار بعدما أرسلنا باسم تبنى ثورة، 15 بريدًا إلى وزراء داخلية الولايات الألمانية، تضمنوا عدة نقاط من دراسات وتقارير تثبت أن سوريا بلد ليس آمنًا، لم يتجاهل رسائلنا أحد منهم، بل على العكس من ذلك، تلقينا ردودًا مفادها بأنهم يتفهمون موقفنا ويدركون كم أن الوضع حساس، وأنهم إلى الآن لم يقرروا أن سوريا بلد آمن أم لا، وأن لديهم لجنة مختصة تقيم الوضع بشكل خاص وتضع تقريرًا واضحًا كل 6 أشهر". 
كما علمنا أيضًا من كركوتلي أن النشطاء في الحملة وبحضور المحامي السوري أنور البني التقوا في يونيو/حزيران الماضي خلال المظاهرة في إيرفورت بعدد من وزراء داخلية الولايات الألمانية وشرحوا لهم بشكل شخصي لمَ سوريا بلد غير آمن، ولماذا لا يمكن عودة السوريين قبل محاسبة مجرمي الحرب أو على الأقل إخراجهم من حسابات المستقبل السوري. 
وتم توضيح وضع المعتقلين والتعذيب والقتل الممنهجين، والمطالبة بدعم المحاسبة وملاحقة المجرمين المقيمين في ألمانيا، وبوقف الطلب من السوريين مراجعة سفارة النظام السوري ودفع الأموال لتجديد جوازات سفرهم لأن ذلك يدعم المجرمين والإجرام، وتم تسليمهم رسالة بتوقيع سبعة آلاف وخمسمئة سوري وألماني يتبنون هذه الحملة. 
سيعقد الاجتماع القادم لوزراء الداخلية في الـ9 من شهر ديسمبر/كانون الأول القادم في مدينة فايمر، في ظل بركان من التعليقات السياسية الحادة والمطالبات الكثيفة من سياسيين في حزب الاتحاد المسيحي الاشتراكي الحاكم لإقرار إمكانية الترحيل إلى سوريا، ومعارضة شديدة من الأحزاب اليسارية، فيما تستمر تحضيرات الناشطين مشركين هذه المرة السوريين أنفسهم، فحسب ما قالته كركوتلي: 
"بالإضافة لاستهدافنا الرأي العام الألماني والسياسيين الألمان، إننا هذه المرة نعمل على إشراك السوريين في ألمانيا، عن طريق ترجمة كل ما يكتب بشأن القرار بلغات عدة كالإنجليزية والألمانية إلى العربية ليبقوا على اطلاع بمجريات الأحداث". 
يذكر أن ألمانيا استقبلت حتى اليوم ما يقارب 800 ألف لاجئ سوري، نجح منهم ما يقارب 120 ألف في الدخول إلى سوق العمل، والآلاف منهم يشاركون في برامج التدريب المهني، بينما يأتي ترتيب الطلاب السوريين الحاصلين على مقاعد جامعية في ألمانيا في المرتبة الثالثة ضمن الجنسيات الأجنبية وغير الأوروبية. 
لكن على ما يبدو أنه كتب على السوريين ألا ينعموا بالاستقرار أينما رسى بهم مركب اللجوء، فكابوس صعود اليمين المتطرف يلاحقهم منذ عدة سنوات في عدة دول أوروبية، حيث أصبحت ورقة اللاجئين من أكثر الأوراق المؤثرة للكسب سياسيًا، أما ما يجب على الباحثين عن الأمان والاستقرار فعله اليوم، فهو السعي للاندماج في المجتمعات المضيفة عن طريق العمل والدراسة وغيرها، ليضمنوا بقاءهم بعيدًا عن فك الترحيل.