الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ليست فلسطين... اللاجئون منها سيعودون حتماً المخيمات قد لا تكون حلاً ولا منطق "مناطقنا" أيضاً

سوريا ليست فلسطين... اللاجئون منها سيعودون حتماً المخيمات قد لا تكون حلاً ولا منطق "مناطقنا" أيضاً

06.08.2013
ايلي الحاج

النهار
الثلاثاء 6/8/2013
"هناك جهات رسمية تشجعهم وتحضّر لهم كي يبنوا مخيمات على أرضنا. هذه التجربة التي عشناها سابقاً لسنا مضطرين أن نعيشها مرة جديدة، على الأقل في مناطقنا. لن نسمح بأن يحصل فيها أي من هذه المشاريع".
هذا الكلام قاله في مناسبة بترونية قبل أيام الوزير جبران باسيل، والمقصودون هم اللاجئون السوريون. ليس لأنه صادر عن باسيل تحديداً يستحق توقفاً عنده، فقد كان يمكن أن يقوله مسؤول آخر في حزب "القوات اللبنانية" أو حزب الكتائب أو "المردة" وإن بصيغ مختلفة، لأنه يعبّر عن مزاج عام حيال قضية يُهمل المتصدون لها من هذه البيئة أنها إنسانية في الدرجة الأولى. يعالجونها غالباً بالإهمال والتحاشي. لعلّ فضل باسيل أنه يلقي عليها الضوء، وإن من زاوية الإثارة الشعبية السائدة تياره وسائر الأحزاب. لا يتحمل موقف الوزير البتروني كثير نقد، فهو يخاطب عواطف وذكريات سيئة لواجفين متخوفين تاريخيين على نمط حياتهم وحرياتهم. والسياسي، أيا يكن في هذه البيئة، تغريه المقارنة بين اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. ولكن مهلاً. يُدرك الوزير كما يُدرك خصومه أن سوريا ليست فلسطين. سيأتي يوم. لا بد من أن يأتي يوم يعود فيه السوريون إلى سوريا، وقريباً على ما يقول المنطق. وحتى إذا طالت أزمة بلادهم افتراضاً سنوات إضافية، هل هذه الطريقة الفضلى للتعامل معهم؟ بمنطق "مناطقنا"؟ لو لم تكن تتردد هذه الكلمة في الصالونات ومجالس المواطنين العاديين لكان خطأ باسيل مضاعفاً. لكنه لم يقل سوى ما يقول الناس. أفصح في العلن عما يُتداول في الخفاء.
يُهمل وزير الطاقة كما سائر السياسيين المسيحيين أن دور السياسي قيادة مجتمعه نحو الأفضل والأصلح والخير الأوسع. و"مناطقنا " كلمة ملتبسة عكار مثلا تدخل ضمنها أم لا؟ وبعبدا وجبيل وعموم الجبل والبقاع والجنوب؟ ثم، ألم يصطدم "التيار العوني" خلال الحرب وبعدها بـ"القوات اللبنانية" للخروج من "مناطقنا"، فما باله يعود إليها؟
بالطبع مناطق المسيحيين، والمسلمين هي كل لبنان، إنما هذا حديث آخر. وقد يكون الوزير باسيل على حق، كل الحق في رفض إقامة مخيمات للاجئين السوريين، إلا أن المستغرب هو عدم بحث الأحزاب والمؤسسات الرسمية والدينية وكل هيئات المجتمع في الموضوع والحلول الأفضل. من يقول إن إنشاء المخيمات ليس وسيلة أحسن في ضوء المخالفات لضبط الأمن الذي يشارك بعض اللاجئين في اضطرابه؟ من يستطيع التأكيد بدون دراسة أن توفير الإغاثة الإنسانية التي يؤدي غيابها حتماً إلى مآس تفوق القدرة على التخيل بين اللاجئين، سيظل ممكناً في ضوء انفلاشهم على كل الأراضي اللبنانية في هذا الشكل العشوائي؟
أثار الوزير باسيل الموضوع وهذا جيّد، لكن النظرة الفوقية إلى السوري اللاجئ الفقير حتى العدم تظل غير إنسانية حتى لو كانت نظرة شبه مشتركة بين كل اللبنانيين. وشيطنة اللاجئ السوري بسبب أعمال مخالفة للقانون يرتكبها بعض مواطنيه هو موقف يتجاهل تكوين الشعب السوري الشديد التعدد، مثل لبنان وأكثر. بين السوريين نسبة الطيبين تظل غالبية عظمى كما هي حال اللبنانيين تماما. التعميم ظالم وحرام.
قد يكون الوزير باسيل على حق والمخيمات خيار سيئ. لكن الموضوع حساس وأساسي وملح ويوجب وضع مبادئ عامة للتعامل معه بغير الكلام الاستهلاكي ومنطق السبق على الشعبية بأسهل السبل. ثمة بيننا شعب يحمل أطفاله ونساءه وشيوخه في عيون آثار ظلم لم يعرف التاريخ الحديث مثيلاً له والعالم صامت على المجزرة الراعبة النازلة فيه. قد يكون هذا الوقت المناسب، بدل الحديث عن "مناطقنا" والتمييز في النظرة إلى السوريين بين فقراء نرفضهم وأغنياء نقبل بهم، أن يكون المسيحيون مسيحيين فعلاً.