الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: من يفكك ماذا؟

سوريا: من يفكك ماذا؟

22.09.2013
غازي دحمان


المستقبل
السبت 21/9/2013
تفكيك الكيماوي أم تفكيك البلد؟، إلى أين تذهب سوريا في ظل وضع تفقد فيه البلاد السيادة الكاملة وتتحول إلى مجرد ورقة على طاولة المفاوضات بين الكبار، ماذا بعد الإتفاق على صفقة الكيماوي، وهل نحن أمام حالة يمكن تسميتها بحالة إعادة صياغة سوريا بكل مسارحها العسكرية والجغرافية والديموغرافية؟.
ثمة تسريبات بدأت تصدر عن بعض المراكز الإقليمية والدولية تفيد أن اتفاق تسليم السلاح الكيماوي السوري ماهو إلا رأس الرمح في صفقة أكبر وأشمل جرى الاتفاق عليها بين القوى الغربية وروسيا وبعلم بعض الأطراف الإقليمية تقضي تلك الصفقة بأن يتم تأمين السلاح الكيماوي وترتيب اتفاق لتسليم السلطة عبر انتخابات يتم تقديم أجلها إلى نهاية العام الحالي بدلأ من صيف 2014 .
لا شك بأن أي اتفاق ينطوي على إمكانية لحل الأزمة في سوريا سيكون تطوراً إيجابياً بهذا الخصوص، إذ أن الأزمة فاضت لدرجة صارت هناك صعوبات بالغة في التعامل مع إفرازاتها السيئة التي صارت مجهولة المآلات، وخاصة على الصعيد الإنساني، أو لجهة إمكانية انتقال حال عدم الاستقرار إلى كامل المنطقة التي تعاني أصلاً من مشاكل عدم الاستقرار.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه المعادلة هو كيف يمكن تطبيق مثل هذا الأمر ؟، وما هي الضمانات اللازمة لإنجازه؟، إذا أردنا الوصول إلى أجوبة معقولة ومنطقية فإن ذلك يتطلب مناقشة موضوعية بعيدة عن نوازعنا وتوجهاتنا السياسية، ذلك أننا في الحالة السورية أمام بلد نثرت فيه المشاكل كالفطر، إذ إنه على مدار ثلاثين شهراً من الأزمة تخلقت على سطح المشهد السوري العديد من الإشكاليات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وقد استطاع نظام حكم بشار الأسد زرع الكثير من الفخاخ في طريق سوريا المستقبلية بحيث صار يحتاج نزع هذه الفخاخ إلى خرائط وتقنيات متعددة قد يصعب توفرها في حالة بلد خارج من حرب كارثية.
من النواحي الإجرائية والقانونية، يتطلب تطبيق مثل هذا الأمر استحداث مجلس وصاية من بعض الدول الإقليمية والكبرى للإشراف على تنفيذ مندرجات الاتفاق المشار إليه ولإحداث الترتيبات الموازية من أجل توطين هذا الاتفاق في سياق البنى السياسية والاجتماعية السورية، فالموضوع أعقد بكثير من التصورات والبسيطة التي يتيحها المشهد حتى اللحظة، ونحن أمام تطور نوعي ينطوي على وضع القيادة السورية، وخاصة القلب منها، تحت التشريح، ذلك أن السلاح الكيماوي وإدارة ملفه في هيكلية صنع القرار السوري تشكل بنية لا يمكن سلخها عن بنية النظام، والولوج في هذا الملف يعني العبث في بنية النظام السياسي بكامله، كما انه يشكل مدخلاً للولوج في البنية التسليحية والعسكرية للنظام برمتها نظراً لوجود حالة من التغذية بين مختلف المراتب على الصعيدين السياسي والعسكري.
لا يختلف الأمر كثيراً في المستويات الأخرى، وخاصة المستوى الاجتماعي، إذ إن الأزمة أحدثت انقسامات مجتمعية خطيرة ضربت بعنف البنى الاجتماعية السورية، ولم يبق مكون واحد بعيداً عن أثارها السلبية، وذلك نتيجة انخراط هذه المكونات بالأزمة، الأمر الذي نتج عنه تمزيق النسيج الوطني السوري، وبات الأمر يتطلب جهوداً مضنية من أجل إعادة تخليق مجال وطني مناسب للعيش المشترك بين هذه المكونات. ومن المعروف أنه وفي خلال الازمة طورت هذه المكونات ومرجعياتها السياسية قنوات تواصل مع قوى خارجية لدرجة تؤهل هذه القوى لأن تصبح شريكاً ومفاوضاً ينوب عن هذه المكونات.
إضافة لما سبق، فإن سوريا المدمرة بناها الاقتصادية والإنتاجية، لا يمكنها العودة إلى حياة طبيعية بدون وجود تعاون دولي وإقليمي في هذا المجال يتكفّل إعادة إعمارها، وهو الأمر الذي لا يستطيع ضمانه طرف واحد، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم.
لكن إنجاز كل هذه الأمور يشترط استمرار الاتفاق بين الأطراف المختلفة وخاصة الداخلية منها، في حين تشير كل الوقائع والمعطيات على الأرض بأن المكونات الداخلية السورية قد انزاحت بعيداً عن قضية الوحدة الوطنية، على الأقل بالشكل الذي كانت عليه البلاد قبل أن تضربها الأزمة العنيفة التي خلفت ندوباً لا يمكن الرهان على معالجتها وإزالة أثارها في وقت قريب، مما يعني أن هذا الواقع سيفرض نفسه عاجلاً أم أجلاً على مزاج مرجعياتهم الخارجية وأهدافهم وقدرتهم على إنجاز خريطة طريق إنقاذ سورية من أزمتها.
الرؤية الواقعية تقتضي فحص كل المعطيات والسير بوقائعها إلى نهايتها، والمنطق يقول إن المفاوضات الجارية بين روسيا والغرب لن تكتفي بالتفاوض على السلاح الكيماوي وحده، بل أن الأمر سيشمل كل ملفات الأزمة السورية، ولعل أعقد ملفاتها العلاقة بين المكونات والأقاليم السورية في المرحلة المقبلة، هذا هو محور الأزمة السورية وهذا الملف سيفرض نفسه بقوة على أجندة التفاوض الدولية، كل التجارب السابقة انتهت إلى هذا المآل، إلى شكل من المحاصصة السلطوية أو المناطقية، سوريا كلها اليوم على طاولة التشريح الدولي وقد يحتاج الأمر الذهاب إلى جنيف لإنجاز التفاوض على هذا الأمر.
سوريا امام مرحلة جديدة ومختلفة، مرحلة تدخل فيها البلاد إلى غرفة الرقابة الصحية الكاملة من أجل إنقاذ ما تأخر إنقاذه او ما يمكن إنقاذه، والطبيب هنا مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، ونجاح العملية يتطلب إستمرار حالة التوافق بين هذه القوى، وكذلك الإستناد إلى صيغ منطقية ومعقولة....فهل تتعافى البلاد وتخرج سالمة من غرفة العناية تلك؟.