الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والخليج.. أبعد من المواقف الأخلاقية

سوريا والخليج.. أبعد من المواقف الأخلاقية

01.11.2017
حمزة المصطفى


العرب
الثلاثاء 31/10/2017
منذ تغير موازين القوى في سوريا مع التدخل الروسي، الذي بدأ نهاية عام 2015 مستبيحاً الحواضر السورية، قصفاً لمعالمها وتشريداً لسكانها الأصليين بغرض حماية النظام من السقوط، ومنع قيام "حكومة سنّية" على ما صرح بذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكثر من مرة.
دخول الروس إلى جانب النظام في مواجهة فصائل المعارضة، وتدخل الولايات المتحدة إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية" في مواجهة داعش قلص من أدوار اللاعبين الإقليميين في هذا الملف، فتراجع حضور تركيا وانحصر اهتمامها في منع قيام دويلة أو إقليم كردي شمال سوريا، كما افتقدت إيران هامش مناوراتها على المستوى الاستراتيجي، أي فيما يتعلق بصياغة الحل السياسي أو التحكم بمخرجاته. أما الدول الخليجية التي لعبت دوراً هاماً في دعم المعارضة السورية على مدار السنوات الماضية، فخرجت من دائرة التأثير لأسباب مختلفة. أبعدت قطر تحت تأثير الضغط السعودي، وقررت السعودية الخروج بإرادتها باحثة عن مقاربة جديدة تعيدها إلى التأثير ضمن نهج إعادة الإعمار، كما برز جلياً من ملامح زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان إلى مدينة الرقة في 19 أكتوبر الحالي بعد طرد تنظيم داعش منها.
في هذه الأثناء، وبمبررات القراءة الواقعية، تبرز دعوات مختلفة في دول الخليج تنادي بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والتعامل معه في تجاهل تام للجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري بما فيها استخدام السلاح الكيماوي، والتي أقرت لجنة التحقيق الدولية مؤخراً مسؤولية الأسد عن استخدامه قبل أن تتصدى روسيا بالفيتو التاسع ضمن مجلس الأمن لقطع الطريق على أي إجراءات عقابية أو رادعة ضده.
وإذا ما تجاوزنا الجانب الأخلاقي إلى نقاش المصالح، فإن السؤال الأبرز هنا يدور حول الفائدة التي سوف تجنيها دول الخليج من الانفتاح على الأسد؟ الجواب ببساطة لا شيء، إذ لا يمتلك الأسد شيئاً ليقدمه لهم، فهو أصبح رهينة حلفائه في إيران وروسيا، ولا تحتاج دول الخليج إلى تطوير العلاقات مع هؤلاء الفاعلين إلى بوابة الأسد، والعكس صحيح تحتاج روسيا وإيران إلى السعودية وقطر وباقي دول الخليج لإنقاذها من استمرارية ورطتها في سوريا.
من الغريب بمكان أن يكون التفكير البراغماتي الخليجي في قضية أخلاقية ومصلحية كبرى مثل الأزمة السورية يتجاوز مثيله لدى إدارة ترمب، فالأخيرة حاولت منذ بداية عهدها التكيف مع الواقع القائم دون النظر إلى أية اعتبارات أخلاقية أخرى، وسلكت طريق المصالح قبل أن تصل إلى نتيجة مفادها، أن الاستقرار في سوريا اللازم للاستقرار الإقليمي لن يحصل بوجود عائلة الأسد في الحكم، وأن القراءة الواقعية تفرض العمل على تحقيق انتقال سياسي بدونها، لا القبول بالواقع الرديء كما هو. في ضوء ذلك، تقع على دول الخليج الراغبة في احتواء النفوذ الإيراني مهمة أكبر في الملف السوري، فالتسليم بهزيمة لم تحصل، لا يعد واقعية سياسية بل ارتجالية رعناء، والتاريخ يحاسب في النهاية.;