الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والصراع على الإقليم

سوريا والصراع على الإقليم

06.04.2015
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 5-4-2015
لم تعد قصة سوريا تتعلق بالصراع بين النظام والشعب، أو أغلبية الشعب، فقط، كما لم يعد الصراع السوري مسألة داخلية، إذ إن الصراع "على سوريا" بات يغلب قصة "الصراع في سوريا". هذا ينبع من أسباب عديدة، أولها، حساسية موقع سوريا في الإقليم، إذ إن التحولات فيها تؤثر في مجمل المنطقة، على صعيدي الأنظمة والمجتمعات. وثانيها، أهميتها في مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والتي تفوق أهمية أي دولة أخرى. وثالثها، نزوع النظام لفتح البلد على التدخلات الخارجية، بما فيها فتحه على مصراعيه، وجعله مجالاً للنفوذ الإقليمي لإيران، وميلشياتها العسكرية، اللبنانية والعراقية وغيرها. ورابعها، التحول نحو الثورة المسلحة، سواء كان ذلك اضطرارياً أو قصدياً، أو بدفع من تدخلات خارجية، إذ إن ذلك يعزز ارتهان السوريين للعون الخارجي، بحكم حاجتهم للدعم المالي والعسكري وللتسهيلات من دول الإقليم ومن النظام الدولي.
وقبل الحديث عن الأدوار الإقليمية، في الصراع على سوريا، ربما يجدر التنويه بأن هذه الأدوار محكومة بالهامش الذي يسمح به النظام الدولي، الذي تتحكم به، أو تديره، الولايات المتحدة الأميركية، سلباً أو إيجابا، وسواء كان ذلك بتدخلها المباشر أو بانكفائها.
هكذا ففي الصراع على الإقليم الشرق أوسطي، منذ حقبة ما بعد الاستقلال، وإقامة إسرائيل (1948)، بدا أن دول المشرق العربي مع مصر، والتي عرّفت حينه بـ"دول الطوق"، تقف في مواجهة "دول طوق" أخرى، متحالفة مع إسرائيل، وهي أثيوبيا وتركيا وإيران. مع الزمن غاب اسم اثيوبيا، إذ بدت هذه الدولة ضعيفة، ولا تستطيع بقدراتها الخاصة والمحدودة اللعب خارج حدودها، لاسيما بالقياس لإيران وتركيا وإسرائيل.
لنلاحظ في هذا الإطار أنه منذ حرب تشرين/أوكتوبر (1973) بدا واضحاً ان إسرائيل وصلت إلى حدودها النهائية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من ناحية القوة العسكرية، أو لجهة قدرتها على التدخل في محيطها. وقد تكشّف ذلك واضحاً في عدة محطات، لاسيما منها في الحرب ضد العراق (1991)، بعد احتلال نظام صدام للكويت، ثم في الغزو الأميركي للعراق، ففي الحالين بدت اسرائيل غير قادة على السيطرة على المشرق العربي، أو الدفاع عن المصالح الأميركية فيه، بل أنها اضطرت لالتزام الهدوء وعدم الرد حتى على الضربات الصاروخية العراقية (1991)؛ ومؤخرا جاءت أحداث "الربيع العربي" لتؤكد هذه القاعدة.
لا يقصد من هذا الكلام أن إسرائيل هذه باتت مجرد دولة ضعيفة، أو دولة لم يعد لديها ما تفعله خارج حدودها، وإنما يفهم منه أنها باتت دولة مكتفية بذاتها، وأنها معنية بالتركيز على هضم احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، وتعزيز قدراتها الاقتصادية، وتطوير مجتمعها.
بيد انه من المهم هنا الانتباه إلى أن هذا كله حصل بعد أن استطاعت إسرائيل ترويض النظم العربية في دول الطوق، إذ اعتبرت حرب 1973، عند النظام العربي السائد، باعتبارها آخر الحروب العربية ـ الإسرائيلية، إذ بات العرب يبحثون بعدها عن التسوية، مع الاعتراف بإسرائيل، فيما واصلت هذه حروبها من أجل تطويع الفلسطينيين، وهو ما حدث في غزوها لبنان (1982) ثم في حروبها المتكررة عليه، لتطويع المقاومة اللبنانية.
المعنى من ذلك أن دور اسرائيل العسكري بات يقتصر في تلك الفترة على تأمين أمنها، وضمان سلامة الحياة الاجتماعية فيها، بدليل استفرادها بالفلسطينيين في الأرض المحتلة، وشنها الحروب عليهم، من ضمنها ثلاث حروب شنتها على غزة في غضون ستة أعوام، امام سمع العالم العربي وبصره. على ذلك فقد بات يمكن الحديث، بمعنى ما، عن أفول الدور الإقليمي لإسرائيل، التي انكفأت على ذاتها، بعد أن أمنت نفسها، داخل "حدودها".
اللافت أن هذه الحقبة تزامنت مع الثورة في إيران التي أطاحت بحليف إسرائيل الاستراتيجي شاه إيران (1979)، وإقامة الجمهورية الإسلامية فيها. ومعلوم أن هذه الدولة تبنت، منذ البداية، منهج "تصدير الثورة"، إن جاز التعبير، لتعزيز نفوذها على الصعيد الإقليمي. وقد اشتغل النظام الإيراني في ذلك على محورين أساسيين، جعلهما بمثابة عدّة شغل له، الأول، تمثل باستغلال العامل الطائفي أو المذهبي، إذ جعل إيران بمثابة مركز للإسلام السياسي الشيعي، وفق منهجية "الولي الفقيه"، بحيث بتنا إزاء اول دولة تحول الإسلام السياسي الى مؤسسة، لها مرجعية سياسية ودينية، وأول دولة بمثابة مركز للإسلام السياسي الشيعي. وبديهي فقد استفاد النظام الإيراني من التراتبية الدينية لدى "الإسلام الشيعي"، كما استفاد من الامكانيات المالية الهائلة التي يمتلكها، الأمر الذي مكنه من انشاء جماعات اسلامية مسلحة في هذه الدولة أو تلك. أما الأمر الثاني، الذي ساعد إيران في ما وصلت اليه، فهو استغلالها قضية فلسطين، ولعبها على وتر العداء العربي لإسرائيل، ولاسيما إنشاؤها حزب الله في لبنان، واحتكار مقاومة إسرائيل. وكما شهدنا فإن هذه المقاومة توقفت تماما، من الناحية العملية عام 2000، وإن تخللتها الحرب الإسرائيلية على لبنان (2006)، وبعض العمليات المحدودة، بواقع استدارة حزب الله إلى الداخل اللبناني، وانشغاله بالمحاصصة الطائفية، والاشتغال في تعزيز النفوذ الإيراني في الإقليم، وهو ما توّجه في قتاله السوريين، في السنوات الماضية، دفاعا عن نظام الأسد.
القصد من كل ذلك، القول إن إيران باتت هي الدولة الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط منذ ربع قرن، إذ اشتغلت فيه كشريكة للولايات المتحدة، أي تلك التي تعتبرها بمثابة "الشيطان الأكبر"، وهذا حدث مرتين، في الغزو الأميركي لأفغانستان (2002) ثم في الغزو الأميركي للعراق (2003)، فهي التي استفادت، أكثر من أميركا نفسها، من اسقاط نظامي طالبان في الأولى، وصدام في الثانية. وبالمحصلة فقد ادى ذلك الى تعزيز نفوذ إيران من افغانستان، إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، بفضل الميليشيات المسلحة التي أسستها، وبفضل الدعم المالي، الذي اغدقته على الجماعات الموالية لها في هذه البلدان، الأمر الذي مكنها من إقامة شبكات خدمية واسعة، عزز اعتماد مجتمعات هذه البلدان، من المحسوبين على الطائفة الشيعية، عليها.
وفي الغضون، استطاعت إيران، عبر كل ذلك، كسر وحدة المجتمعات العربية بإثارتها النعرة الطائفية ـ المذهبية فيها، وهو الأمر الذي لم تستطعه إسرائيل طوال العقود الماضية، ووصلنا إلى هذه اللحظة التي باتت فيها إيران تتحكم بالعراق وسوريا واليمن، بعد لبنان، والتي بات فيها المسؤولون الإيرانيون يتبجحون بأن امبراطوريتهم صارت تمتد من صنعاء الى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا، وأن بغداد باتت هي عاصمة امبراطوريتهم.
ويمكن القول إن إيران ما كان بإمكانها أن تصل إلى ذلك، إلا بفضل السكوت أو التواطؤ الأميركيين، وضمنها التوافق الإسرائيلي المبني على تفهم محدودية الدور الإيراني، والقدرة على امتصاصه. أما بالنسبة إلى تركيا، فهذه كانت مكتفية بالتنمية الاقتصادية، وبمد نفوذها عبر قوتها الناعمة، طوال تلك الفترة، في إطار تنافسها مع النفوذ الإيراني والإسرائيلي، ولو أنها بدأت مع الثورة السورية، فقط، بالتحول نحو التدخل المباشر، ولكنه تدخل ظل محدوداً، من كل النواحي، السياسية والعسكرية، وظل من الناحية الجغرافية يقتصر على شمال سوريا والعراق.
المهم أن ذلك كله يحصل أساساً بسبب ضعف فاعلية النظام العربي، والانقسامات العربية، وغياب دولة المواطنين، وانسداد آفاق التطور السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمعات العربية.