الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والعراق: جرح الطائفية والإرهاب !!

سوريا والعراق: جرح الطائفية والإرهاب !!

02.07.2014
د. محمد علي الهرفي



الشرق القطرية
الثلاثاء 1/7/2014
لست مع السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية في قوله: إن ما يجري في العراق هو حرب على الإرهاب وليس حربا بين السنة والشيعة!! وهذا القول هو الذي يردده المالكي ومن يدورون في فلكه، سواء أكانوا من السياسيين أم من رجال الدين، فهؤلاء جميعا لا يريدون الاعتراف بأن حكمهم الطائفي الظالم هو الذي أفرز ثورة شعبية للمطالبة بحقوقها المهدرة، كما أفرز في الوقت نفسه فرصة جيدة للإرهابيين وأوجد لهم حاضنة اجتماعية وجدت فيهم طوق النجاة لها من حكم هو أسوأ بالنسبة لهم من حكم المالكي وعصابته!!
وفي سوريا نجد الصورة تتكرر؛ فالحاكم النصيري الأول في دمشق وصل إلى السلطة بمساعدة المواطنين السنة، لكنه انقلب عليهم وسامهم سوء العذاب، ثم جاء ابنه ليكمل مسيرة والده، وعندما طالبت مجموعة صغيرة من أهالي درعا ببعض الإصلاحات عاملتهم السلطات بعنف شديد وأسمعوهم كلاما لا يقوله إلا أخس السفهاء، ولهذا السبب بدأت الثورة في الانتشار، ومضت سبعة أشهر كاملة لم يدخل سوريا أي مقاتل من خارجها وكان بإمكان الأسد إصلاح الأمور مع مواطنيه، لكنه رفض كل المحاولات التي تمت من أجل هذا الغرض وحول الثورة إلى لغة طائفية مستبدة!!
النهج الطائفي في العراق وسوريا هو الذي أشعل نار الطائفية في المنطقة كلها، بل وفي العالم الإسلامي كله، وهذه النار من النوع الذي يصعب إطفاؤه في وقت قريب!! كما أن النهج الطائفي نفسه هو الذي جعل المقاتلين يتجهون إلى العراق والشام من كل مكان ومن الطائفتين معا، وهو الذي جر بعض الحركات الإرهابية إلى تلك الأماكن فزادت النار اشتعالا وزادت الفرقة كثيرا بين السنة والشيعة!!
سكتت معظم الدول العربية طويلا عما جرى في الشام، كما سكت العالم كله كذلك، وشاركت إيران في هذا السكوت، وكان بإمكان الجميع فعل الكثير، لكن المصالح المتضاربة جعلت كل دولة تتخذ الموقف الذي يصب في مصلحتها دون النظر إلى مصلحة الشعب السوري الحقيقية، وهذا السكوت هو الذي أدى إلى ما يجري في العراق هذه الأيام!! ولأن العراق غير الشام عند الكثيرين فقد تغيرت المواقف كثيرا، فرأينا الأحداث تتلاحق، والزيارات لا تكاد تتوقف، والتصريحات لا تكاد تتوقف، ولكن هل يكفي كل ذلك؟!!
الذين يتحدثون عن أن ما يجري في العراق هو حرب بين الدولة وبين مجموعة إرهابية غير صادقين، والذين ينكرون وجود إرهاب في العراق غير صادقين أيضا!!
الدولة الإسلامية في العراق والشام (هكذا تسمي نفسها) يستحيل عليها بمفردها أن تحقق كل تلك الانتصارات على جيش المالكي، ويستحيل علينا أن نصدق من يقول - حتى الدولة نفسها - أنها وراء كل تلك الانتصارات وإلا فأين ذهب جيش المالكي الذي أنفق عليه المليارات ولماذا ذاب بتلك السرعة؟! كثير من علماء العراق بالإضافة إلى المفتي وعدد من زعماء العشائر أكدوا أن الشعب العراقي الثائر على الطائفية هو وراء كل تلك الانتصارات، بالإضافة إلى الدولة الإسلامية التي ساندتهم وكانت تتعاون معهم.
بعد كل ما تحقق للثوار في العراق انطلق القوم إليها من كل حدب وصوب ؛ فالأمريكان لا يريدون فقد مكاسبهم التي أنفقوا من أجلها المليارات، والإيرانيون يعدون العراق أهم من سوريا بكثير فبادروا بالإعلان عن استعدادهم لتلبية مطالب المالكي فيما يحقق أمن العراق!! ومع هذا لم ينتظروا مطالبه فأرسلوا بعض قادتهم هناك، أما روسيا فعبرت عن عدم قدرتها على السكوت عن الإرهاب الذي يجري في العراق!! وفي المملكة العربية السعودية عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني برئاسة خادم الحرمين الشريفين وتم استنفار معظم القوات المسلحة، وهذا يؤكد أن لدى المملكة معلومات عن سوء الوضع في العراق وأنه ربما يؤثر على السعودية، خاصة في ظل وجود (داعش) فيها.
الأكراد أخذوا كركوك حتى لا تقع في أيدي الإرهابيين، لكنهم لن يعيدوها لحكومة العراق، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، والبرزاني - كما قال - سيحمل السلاح دفاعا عن كركوك!!
المالكي كان طائفيا قبل الأزمة الأخيرة وبعدها!! طالب العراقيين بالوقوف في وجه الإرهابيين ومثله فعل بعض علمائه!! والإرهابيون هنا ليسوا (داعش) ولكنهم كل العراقيين الذين ثاروا على سوء حكمه!! وحماية المقدسات هي سبب مهم في هذه الدعوة - تماما مثل ما قيل عن سوريا -!! وتدفق على العراق مقاتلون من الهند وباكستان، هذا فضلا عن شيعة العرب، وانقلب الحال من مطالب إصلاحية إلى حرب طائفية!! وفي الجانب الآخر انطلقت دعوات لمقاتلة (الرافضة) الذين يرون في قتل السنة تقربا إلى الله، كما يرون أن السنة أحق بالقتل من كل خلق الله أجمعين!! وأيضا تدافع إلى العراق أُناس للوقوف إلى جانب إخوانهم السنة ضد الرافضة!!
وفي خضم هذه الأحداث نسي العراقيون كيف كانوا يتعايشون مع بعض على أحسن حال، وكيف كان يزوج بعضهم بعضا، وكيف كان عمر يجلس إلى جانب صديقه حيدر!! وانطلق هذا النسيان فوصل إلى البحرين أرض التسامح والمحبة، كانت مثل العراق وأصبحت مثله للأسف!! يتعايش البحريني مع اليهودي والنصراني والبوذي وقد يصعب على السني التعايش مع الشيعي والعكس صحيح أيضا!! والسعودية ليست بعيدة عن هذه الحالة البائسة، فالأحداث التي تجري خارجها تنعكس عليها، دون شك! هذا فضلا عن الأحداث المؤسفة التي نراها في بعض الدول الإسلامية بين السنة والشيعة.
الطائفية في العراق ستجعله يتقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم للأكراد - وهذا واقع عمليا - وقسم للسنة وثالث للشيعة، والحديث عن التقسيم يتداوله كثير من العراقيين ويرونه أفضل من وضعهم الحالي!! ومع هذا الواقع المرير يتحدث البعض عن الإرهاب ولا يرى الطائفية القبيحة التي أوجدته.
الإرهاب - كما أراه - يتخلق من رحم الظلم والاستبداد والقهر!! الشعوب لا تستطيع تحمل المعاناة طويلا، وإذا كانت سبل المطالبة بالعيش الكريم مغلقة، فالبديل عند البعض هو الإرهاب.
ما كان الإرهاب سيصل إلى العراق أو الشام لولا الظلم والقهر، وما كان سيتمدد ويتمكن لولا سكوت العرب والأمريكان والإيرانيين عن معالجة ما حدث في العراق والشام لحظة وقوعه!! والإرهاب لن يقف في هذين البلدين، لكنه سينتقل إلى غيرهما ما لم يتم تحقيق مطالب الشعوب العادلة وعدم وصف المطالبين بحقوقهم بالإرهابيين!!
الفرص أمام الإصلاح تتضاءل، فكلما زاد سيل الدماء كلما تمسك كل فريق برأيه، والحل العسكري أثبت فشله، فلابد من حل سياسي عادل ينقذ العراق، كما ينقذ غيرها من الدول الأخرى التي تخشى من الإرهاب.