الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والعرب... قبل وبعد مؤتمر الثماني

سوريا والعرب... قبل وبعد مؤتمر الثماني

23.06.2013
د. رضوان السيد

الاتحاد
الاحد 23/6/2013
ما اتفقت الدول الصناعية الكبرى في مؤتمرها الأخير في 17/6/2013 بشأن سوريا إلا على أمرين اثنين: إصدار قرار دولي بلجنة تحقيق في استخدام الكيماوي في سوريا، وإنفاق مليار ونصف المليار دولار على الشؤون الإنسانية في سوريا. وفي المؤتمرات الصحفية أصرَّ الغربيون، وخاصة أوباما وكاميرون وهولاند، على أنهم اختلفوا مع الرئيس الروسي على مصير الأسد. فقد ظلّ الروسي مصراً على اعتبار الأسد جزءاً من التسوية أو من المرحلة الانتقالية؛ بينما ظل الآخرون مصرين على أن الأسد ما عاد له مكان لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها. وقد تابعتُ الإعلام الغربي خلال الأيام الماضية فاختلفت وجهات النظر في وقائع النقاش حول سوريا، وفي النتائج الحقيقية. فكان هناك من قال: بل إن المؤتمر أنجز أموراً أُخرى إلى جانب القرارين المعْلَنين. فقد تقدم كاميرون بخطة من خمس نقاط للحل السياسي تجاهل فيها ذكر مصير الأسد. وما اختلف بوتين مع تلك الخطة إلا في دور الأسد خلال المرحلة الانتقالية، ومعنى أن تكون الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات، وبيد مَنْ تكون الإمرة على قوات الجيش والأمن. وفي كل هذه النقاط رأى الروسي أن للأسد دوراً مهماً، وإلا فما معنى أن تتشكل الحكومة المرتجاة من قوى النظام والمعارضة. إذ لا نظامَ بدون الأسد ومعاونيه السياسيين والعسكريين والأمنيين. والأمر الآخَرُ الذي اتفق عليه المجتمعون هو إبداء القلق من صعود التطرف الإسلامي، وتحول النزاع إلى طائفي في الكثير من جوانبه، مما يهدّد المصير إلى مستقبل ديمقراطي في سوريا. وهذا كله يعني أن مؤتمر جنيف2 يظل ممكن الانعقاد وبحضور إيران!
بينما رأى إعلاميون غربيون آخرون أن مساحة الاتفاق كانت ضئيلة، وأن البيان الختامي أُريد منه سَتْر الخلاف من أجل الموضوعات الأُخرى المشتركة، والمصالح الكبرى بين الغرب وروسيا. ولذا فقد انتهى هؤلاء إلى أنّ مؤتمر جنيف 2 صار بعيداً، وبعيداً جداً، دون أن يعني ذلك قطيعةً مع روسيا. فبين الأطراف عدة موضوعات لا يمكنهم الاختلاف عليها، وفي طليعتها النووي الإيراني، وأمن إسرائيل. والمفهوم أنّ إسرائيل ما رأت حتى الآن مصلحةً لها في زوال النظام السوري، دون أن يعني ذلك أنها ليست منزعجةً من زيادة نفوذ إيران في سوريا، ونقل السلاح الكثيف من سوريا إلى «حزب الله». وبالإضافة إلى التعاون الروسي الضروري في النووي، هناك الفكرة التي صارت سائدةً بعد فوز روحاني، وضرورة إعطائه فرصة لعدة أشهُر، لاستيضاح نياته وخططه المغايرة لخطط نجاد والحرس الثوري في هذه المسألة بالذات. وقد استمع الجميع إلى الرئيس الجديد في مؤتمره الصحفي، والذي بقي خلاله في العموميات باستثناء سوريا التي قال إنّ شعبها هو الذي يقرر مصائر نظامه، والأسدُ رئيسُهُ الشرعي حتى عام 2014!
إنّ الاستنتاج الأول إذن، رغم اختلاف الآراء، هو أن الملف السوري ما تغير فيه شيء بارز. فروسيا ستظل ترسل السلاح الثقيل للأسد، بينما يبدأُ الغربيون بإرسال أسلحة دفاعية فعالة للمعارضة (المعتدلة)، أي «الجيش السوري الحُر». أما إيران فستظل تندفع أكثر في إرسال السلاح والعتاد والخبراء والمقاتلين، من الحرس الثوري و«حزب الله» وميليشيات العراق وبعض الشيعة العرب الآخرين. وما عاد أحد من الغربيين يتحدث عن إسقاط النظام، ليس خوفاً من الفوضى فقط، بل ولأن النظام وإن لم يبق منه الشيء الكثير، فهو قوي بفرق النخبة، وبروسيا، وإيران، ولا يمكن إسقاطُهُ إلا في حرب ضَروس ومباشرة بين الأطلسي والروس، وهذا أمر لا يريده أو لا يستطيعه أحد!
بعد كل هذه التفصيلات، السلبية وشديدة العُسْر؛ أين هي الثورة السورية الآن؟ وأين هُمُ العرب، قبل مؤتمر الثماني وبعده؟
أولُ ما يمكن قوله إن الصراع تحوَّل في جوهره أو أساسه إلى صراع بين إيران والعرب، ساحتُه الرئيسية الآن سوريا، لكنها كانت قبل الآن في العراق ولبنان حتى انحسمت مؤقتاً بعد عام 2009/2010 على تسلم العراق، وما شهدوا تحدياً عربياً عندما استولوا من بعد على حكومة لبنان وسائر مؤسساته ومرافقه. الثورة السورية وجّهت ضربة قوية للنفوذ الإيراني، ليس في سوريا فقط؛ بل في لبنان والعراق أيضاً. لذلك سارع الإيرانيون للتصدي بالتدريج وصولا لإرسال الجيوش والميليشيات. وفي الوقت نفسه سارع الشبان العرب، وبقدر ما استطاعوا، في لبنان والعراق والأردن، لمساعدة الثوار السوريين، ولتصعيد الاحتجاج في بلدانهم ضد السيطرة الإيرانية على الأنظمة القائمة في لبنان وسوريا والعراق. ورغم ظروف وفوضى «الربيع العربي»، فإن الشباب العرب خارج سوريا تقدموا أيضاً لدعم الثورة في سوريا. إنما للمرة الأولى بعد الغزو الأميركي للعراق، ما ظل الأمر قاصراً على مزاج الجمهور الشاب وإمكانياته، بل تدخلت أطراف عربية خليجية رسمية لصالح الثوار السوريين من خلال الجامعة العربية، ومن خلال المؤسسات الدولية، وبطرائق غير مباشرة ومباشرة عبر الأردن وتركيا. وبالطبع ما كان الدعم العربي للثورة مُضاهياً للجهدين الإيراني والروسي. لكن رغم ذلك فإن إيران اضطرت لاعتبار الحرب حرباً دينية أو طائفية، وبفتوى من الخامنئي أعلنها «نصر الله» حرباً شيعيةً على التكفيريين لحماية المزارات المقدسة، ولحماية الشيعة، ليس في سوريا فقط؛ بل وفي كل مكان. لقد قال لمقاتليه في إحدى المرات قبل ستة أشهر: قاتِلوا عن مقدساتكم في سوريا، قبل أن تُضطروا للقتال عنها في النجف وكربلاء وقم!
والشيعة في سوريا أقلّ من واحد في المائة من عدد السكان، وكما أنهم ليسوا في خطرٍ هناك، فهم ليسوا في خطر في لبنان أو العراق، الخاضعين لهم منذ مدة. فالمسألةُ مسألةُ مناطق النفوذ التي اصطنعتْها إيران خلال العقد المنصرم، وهي تريد الاحتفاظ بها بأي ثمن. وإلا فكيف وهي المحاصَرة والمتعبة اقتصادياً، أن تُنفق ليس على نظام الأسد فقط؛ بل وعلى شراء السلاح له من روسيا ومن كلّ مكان. وهذا الأمر الذي أدركه الشعب السوري منذ مدة، ما أدركناه نحن العرب الآخرين إلا قبل نحو عام. بالنسبة لإيران فالصراع يدور على مناطق النفوذ، لكنه بالنسبة لنا نحن العرب صراع على الأوطان والدول والهوية والانتماء. ويريده شباننا المتحمسون، إسلاميون وغير إسلاميين، صراعاً على التسنُّن والتشيع والتشييع. ويوافقُهم على ذلك بعضُ المشايخ، تبعاً لخطابات «نصر الله» وآخرين، بنفس المعنى. والطريف أن الروس والغربيين يصدقون شباننا المتحمسين ولا يصدقون «نصر الله» وخامنئي الذي سارع للتهنئة بالانتصار على بلدة القُصير، ونشر الرايات السود على جامع عمر بن الخطاب فيها! ومع ذلك، ورغم تأجج الدعاوى من الطرفين؛ فإن الصراع ليس بين الشيعة والسنة، بل هو صراع على الهوية والانتماء والأطان والبلدان والدول وبقاء المجتمعات. ولأنه كذلك، يفعل النظام السوري والإيراني و«حزب الله»، ما لم يفعلْهُ أحد في العالم بعد الحرب الثانية، ربما باستثناء التوتسي والهوتو برواندا وبوروندي، أي أنهم يشنون حرباً لإبادة وتهجير على الشعب السوري، ويهددون بهذه الإبادة وهذا التهجير اللبنانيين والعراقيين والأردنيين والفلسطينيين أيضاً!
قبل مؤتمر الثماني وبعده يبقى النزاع في سوريا وعليها نزاعاً بين إيران والعرب. ولأنه كذلك، فلابد من الانتصار فيه، لإرغام إيران على الانكفاء عن بلداننا ومجتمعاتنا وإنساننا. إنها بالنسبة لإيران حروب نفوذ، وبالنسبة لنا نحن العرب، حرب وجود!