الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والمنطقة.. قلق المصير ـ

سوريا والمنطقة.. قلق المصير ـ

01.04.2013
د. ماجد أحمد السامرائي

الزمان
1-4-2013
ما يحدث في سوريا اليوم ليست قصة شعب استخدم الوسيلة الحضارية المدنية في التظاهر ضد نظام حكم مستبد تحولت الى ثورة مسلحة. ما يحدث في سوريا اليوم ليست معارضة مدفوعة من الخارج تركيا، قطر، السعودية رغم المصالح المستجدة لهذه الدول التي كانت أكثر قربا لدمشق من طهران وروسيا. فالمصالح الاستثمارية القطرية في سوريا يعرفها أركان نظام بشار قبل غيرهم، والعلاقات السورية التركية وصلت مرحلة متقدمة في التحالف الأمني وفتح الحدود بين البلدين، أما السعودية قبل أربعة عقود فكانت أقوى حليف داعم لدمشق، فقوات حافظ الأسد التي دخلت حفر الباطن لتحرير الكويت عام 1991 دفعت السعودية ثمنها للأسد، وهي التي وفرت له الغطاء لدخول لبنان قوات الردع العربية .
كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يناور ويلعب لعبة الابتزاز مع الراحل صدام حسين في صراع الخلافة البعثية بين دمشق وبغداد ما بين 1978 ــ 1990 ويهدده بالدعم السعودي والجميع يتذكرون ممن عاصروا تلك المرحلة من حياة المنطقة ميثاق الوحدة بين دمشق وبغداد المنهار على مسطبة مشانق ثلث أعضاء القيادة القطرية في بغداد حينها كانت الرياض تنظر اليه كعامل اختراق لمنظومة التحالفات المرسومة لدرجة ان حافظ الأسد انحاز كليا الى طهران في حرب الثماني سنوات. التي جاءت مزيجاً من احتراز خليجي لأمن أهله ورغبة صدام الجامحة لزعامة المنطقة ورعاية أمريكية مبرمجة لكن حافظ الأسد اختار التحالف مع طهران الفارسية مما وضع المنطقة منذ ذلك التاريخ أمام منحنيات خطيرة دفعت شعوبها الثمن.كل المعطيات الاستراتيجية كانت تقود الى فرز جديد انحسر فيه المد القومي الذي خسر مضامينه العاطفية على يد الزعامات الدكتاتورية وتنبئ بولادة عصر نهضوي جديد تتزعمه قوى الشباب المقموع في حريته وتطلعاته المشروعة في الحياة العصرية الحديثة..ملامح هذا العصر لا تستجيب لتكهنات فوكياما بنهاية التاريخ وانما بولادة عصر يمزج ما بين الثروة المتاحة وعلم التكنولوجيا والاتصالات على يد الشباب ولكن الدوائر الأمريكية سعت الى تغيير مقود التاريخ باستخدام مكنونات القوى السياسية الاسلاموية في المنطقة فحركتها بشغل متعدد الوجوه فمنحت ودعمت تلك القوى وأخرجتها من قمقمها الى الواجهة بعد فترة نشر المتناقضات التي دوخت المنطقة ومحيطها في افغانستان ويوغسلافيا السابقة والعراق ثم مصر وليبيا واليمن واليوم على الطريق في سوريا ولتوظف بشكل خبيث شعار محاربة القاعدة كان الهدف هو تعطيل حركة التاريخ النهضوي في المنطقة وهي في مرحلة تكونها داخل مراجل الثورة وهي تنظر بريبة الى ما يحدث من نمو تدريجي بطيئ للحركة الشبابية التنموية في منطقة الخليج العربي، لأن هذه النهضة تلمست بوعي معالم طريقها وبانفلات عن الهيمنة السياسية الأمريكية.
ما يحدث في سوريا اليوم هو مخاض عسير بعد أن انحرفت الثورة الشبابية عن مسارها السلمي التنموي نحو مهاوي العنف المسلح وحرب الشوارع ضد نظام الأستبداد الذي وجد فيه خياره الانتحاري لربع الساعة الأخير من هيمنته على السلطة لأربعين عاما من الدكتاتورية فالنار المشتعلة التي تحرق الأطفال والنساء بأبشع حرب ابادة ستهمد بثمن بشري ومادي ثمين، وهي ليست مظهرا من مظاهر حلقات صراع الممانعة والموالاة الذي اخترعته أطراف وجدت نفسها على حافات الطريق وفي نهايات حقبة من التاريخ الذي لم يحمل صلة بالحاضر النهضوي بالمنطقة..
الكبت الشعبي
ما يحدث في سوريا اليوم هو نهاية معمدة بالدم لعصر الكبت الشعبي من ظلم الاستبداد والفردية والدكتاتورية ومنظومات الفساد المنظم الذي انتهى في بغداد للأسف تحت أقدام الغزاة وليس على يد أبنائه، ومن المحتم أن ينتهي في دمشق على أيدي أبناء سوريا الذين لن يفرطوا بثورتهم التي يدفعون ثمنها من دمائهم الطاهرةô. معطيات اللحظة التاريخية لا تفسر بمجسات خشبية، فهذه النهضة الشبابية في عموم المنطقة وفي قلب مثلثها الحضاري دمشق ــ بغداد ــ القاهرة كان على عقلاء السياسيين في الحكم ادراك دلالاتها ومؤشراتها عبر التظاهرات والاعتصامات والتجاوب مع مضامينها بحكمة وحقنا للدماء ويقبلون بنتائجها السياسية. لقد أحدثت الهزة الشبابية في المنطقة تفككا في منظومات العمل السياسي الحكومية، واستطاع التيار الاسلامي المقموع منذ عقود في المنطقة استغلال حالة الفلتان الجماهيري لكي يوظف ما اختزنه من امكانيات تنظيمية مشبعة بالموروث الآديولوجي السياسي المنغلق الذي تجاوزه الحاضر ولن يقبله واستطاع التقاط الفرصة الذهبية في الوثوب على الحكم في عواصم مهمة كالقاهرة وتونس وجزءا من طرابلس مع اختلاف مظهرية الحكم في بغداد بانحيازه الطائفي ودفاع زعاماته عن النزعة الطائفية كدافع آديولوجي وسياسي للحكم في القرن الواحد والعشرين، لكن هذا التيار سقط في بداية الطريق في مخنق السلطة الاستبدادية وأدواتها القمعية واذا كان البعض يخاف على مسيرة الثورة المسلحة الشابة في سوريا من وقوعها في الفخ الاسلاموي وقد يكون متطرفا فهم على حق الا أن هذا القلق المشروع المنطلق من الوطنيين السوريين والعرب يستخدم كوسيلة بيد نظام بشار وحلفائه في المنطقة وخارجها لسحق الثورة والشعب السوري وهدم البيوت بالدبابات والقنابل والصواريخ.. القلق على المصير السياسي في حالة الفوران الحالية مشروع لأن رواد الثورة الشباب لا يتأبطون دساتير وقوانين محنطة دينية أو مذهبية جاهزة كما كانت عليه المرحلة المندثرةô الخوف الحقيقي هو على مشروع الانتفاضة الشابة الجديدة من أصحاب المصالح المتناسخة المحليين ومن بينهم سياسيون مستجدون امتطوا صهوة الأحزاب الدينية والمذهبية ومن دخل باحات السلطة وانغمر في موائدها تحت تأثير الجوع القديم ولم يتوجه الى مكاتب خدمة الشعوب الجائعة للخبز والحرية، والخوف من تحالفهم غير المقدس مع القوى الاقليمية الباحثة عن دور ومن القوى الدولية التي خسرت مكانتها بعد أن تفسخت وتفككت دولتها ومن أمريكا التي تتسرب من بين يديها كالرمال.. مكانة ومهابة الدولة العالم. هل يستطيع شباب سوريا المخلصون لقضيتهم أن يستوعبوا دروس أقرانهم في محيطهم العربي ويتمكنون من الحفاظ على مسار حركتهم الثورية من أن يسرقه المتطرفون الإسلامويون المتربصون للقفز على السلطة الدمشقية الجديدة..؟ وهل يتمكن السياسيون المعارضون في الخارج من الانفلات من أجندات الممولين والداعمين والتعامل معهم بحرص وطني وليس حرص الوجاهة الاعلامية المؤقتة فأرواح الضحايا والشهداء من الشباب العسكري والمدني السوريين لها رقاب كالعنقاء ستخنقهم؟