الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا والواقعيون الجدد

سوريا والواقعيون الجدد

29.10.2015
شريف عبد الرحمن سيف النصر



الشرق القطرية
الاربعاء 28/10/2015
طالما طرق اسم "المحافظين الجدد" آذان المتابعين للشأن الأمريكي، بسبب الأثر (السلبي) الذي تركوه خلال ولاية بوش الابن على الطريقة التي تفاعلت بها إدارته الجمهورية مع الشرق الأوسط، ولكن اهتماما موازيا لم ينصرف إلى نظرائهم من "الواقعيين الجدد" الذين يمارسون تأثيرا ربما لا يقل أهمية في إطار الإدارة الديمقراطية الحالية. فما هي الواقعية الجديدة، وما أبرز مقولات الواقعيين الجدد حول الوضع في الشرق الأوسط، وما هو موقفهم من التدخل الأمريكي في الشأن السوري؟
تؤمن الواقعية الجديدة أن الغاية الأسمى لأي دولة تتلخص في دفاعها عن وجودها، ومعنى الدفاع عن الوجود عند الواقعيين الجدد يكاد أن ينحصر في تأمين الدولة ضد التهديدات الخارجية. وعلى هذا الأساس تتحدد الأهمية الإستراتيجية للدول الأخرى بالنسبة للولايات المتحدة، بمعنى أنه طالما أن دولة ما لا تمثل تهديدا ولا تشكل خطرا على الولايات المتحدة عسكرياً، فإنها تعد من منظور الواقعية الجديدة دولة ذات أهمية إستراتيجية منخفضة.
ومن خلال رؤية العالم عبر هذا المنظور الأمني الضيق يعتقد الواقعيون أن الولايات المتحدة آمنة على نحو استثنائي، فهي محاطة بمسطحين مائيين هائلين. كما أنها تمتلك آلاف الرؤوس النووية التي تشكل رادعا مطلقاً، علاوة على ذلك فإنها لا تواجه تهديدات جدية من جيرانها المباشرين، وذلك لكونها تسيطر على محيطها الإقليمي على نحو كامل. أما خارج محيطها الإقليمي فلا تكاد أن تواجه قوة عظمى مكافئة لها. ويميل الواقعيون إلى تصور العالم (منذ نهاية الحرب الباردة) كمنظومة أحادية القطب، وذلك في مواجهة الادعاءات التي تفترض أن روسيا والصين تشكلان قوتين عظميين منافستين، إذ يؤكد الواقعيون أنه بمعايير القوة المجردة تعد هاتان القوتان ضعيفتين جدا بالمقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، بحيث لا يملكان تهديدها داخلياً.
في ضوء كافة هذه الحقائق يمثل الشرق الأوسط بشكل عام منطقة قليلة الأهمية من منظور الواقعية الجديدة، وتكاد أن تنحصر أهميته بالنسبة للولايات المتحدة، في قدراته النفطية، ذلك أن الخليج العربي ينتج %30 من النفط العالمي، ويحوي 55ص من الاحتياطيات المؤكدة. يترتب على هذا أن دول الشرق الأوسط التي لا تمتلك نفطاً (مثل سوريا) لا تشكل أهمية إستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة. ولهذا يؤكد الواقعيون أنه إذا كان على الولايات المتحدة أن تهتم أو أن تتدخل في المنطقة، فإن هذا يجب أن يقتصر على ما إذا تعرض النفط أو الدول المنتجة له لتهديد. أما التدخل فيما عدا ذلك فإنه سينعكس بالسلب على المصالح الأمريكية.
من ناحية أخرى يؤكد الواقعيون الجدد على أن أمريكا لا يضيرها من يتولى الحكم في دمشق، بالنظر إلى أن لديها تاريخا حافلا بالتعامل مع قادة من مختلف الأنواع. ويذكّر الواقعيون الجدد بأنه رغم كل ما يقال عن الضرورات الأخلاقية للإطاحة بالرئيس السوري، فإن الولايات المتحدة تمكنت من التعايش معه ومع والده الذي لا يقل عنه قسوة لسنوات طويلة. أما الدفع بأن النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، فيرد الواقعيون عليه بالقول إن تقديرات قتلى الأسلحة الكيماوية مبالغ فيها، مقارنة بأعداد قتلى الأسلحة التقليدية التي تقدر بعشرات الآلاف. ومن وجهة نظر الواقعيين الجدد، فإنه لا فارق حقيقيا بين كون الأسلحة الكيماوية تقتل بطريقة بشعة مقارنة بالأسلحة التقليدية، كما يشير الواقعيون إلى حقيقة كون الولايات المتحدة قد سبق وساعدت نظام صدام حسين الذي استخدم الأسلحة الكيماوية في حربه ضد إيران.
أما بخصوص الحجج التي تعتبر أن الإطاحة بنظام الأسد ستمثل ضربة للإرهاب. فيرفضها الواقعيون الذين يذهبون إلى أن الإرهاب رغم كل ما يحيط به من مبالغات يظل مشكلة ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة، ولا يشكل تهديدا جديا لها. ودليلهم على ذلك أن هجوم 11 سبتمبر على قدر ضخامته لم يشل قدرات الولايات المتحدة ولم يوقع بها هزيمة عسكرية. وعلى العكس يؤمن الواقعيون الجدد بأن التدخل الأمريكي المكثف في سوريا من شأنه أن يذكي الإرهاب لا أن يردعه، ويؤكدون أن حملة الإطاحة بالأسد التي تبنتها إدارة أوباما هي واحدة من الأسباب التي حولت سوريا إلى ملاذ للجماعات الإرهابية.
من ناحية أخرى يذكّر الواقعيون منتقديهم بأنه سبق وأن ساعد النظام السوري أمريكا في الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث قدم معلومات استخباراتية عن القاعدة أسهمت في إحباط هجمات على أهداف أمريكية. كما كان النظام السوري منخرطا بقوة في برنامج التسليم الاستثنائي للإرهابيين في عهد إدارة بوش.
كما يرفض الواقعيون الحجج التي تذهب إلى أن التدخل في سوريا سيمثل ضربة قوية لإيران، ويساعد على مواجهة نفوذها المتزايد في المنطقة ورغبتها في امتلاك السلاح النووي، فبرأيهم أن التدخل الأمريكي في المنطقة (في العراق) سبق وأن عزز النفوذ الإيراني ولم يقلله، من ناحية أخرى يعتبر الواقعيون أن الهيمنة الإيرانية على المنطقة مازالت بعيدة المنال، إذ لا يمكن لإيران تفعيل تهديداتها بمهاجمة جيرانها، لأنها تعلم أن الولايات المتحدة ستكون لها بالمرصاد. من ناحية أخرى يرى الواقعيون الجدد أنه حتى لو امتلكت إيران قوة نووية، فإنه لن يتسنى لها استخدامها، لا ضد جيرانها السنة، ولا ضد إسرائيل.
من ناحية أخيرة فإن إيقاع الهزيمة بإيران في سوريا - وفقا للواقعيين - لن يضعف قوة إيران العسكرية أو الاقتصادية على نطاق واسع، وإنما على العكس سيشعر إيران بأنها ربما تكون الثانية على لائحة الاستهداف الأمريكي، ما سيزيد من دوافعها لامتلاك السلاح النووي.
تفسر المقولات السابقة — إلى حد كبير — السياسة الأمريكية المترددة إزاء نظام بشار الأسد، وتشرح بعضا من أبعاد رد الفعل الأمريكي السلبي إزاء الضربات الروسية، والأهم أنها تظهر الأثر الذي يمارسه منظرو الواقعية الجديدة على صانع القرار الأمريكي. وأيا ما كان تقييم هذه المقولات، فإنها تساعد على فهم السلوك الأمريكي بداخل إطار نظري منطقي، وذلك بدون اللجوء إلى نظريات المؤامرة التي تفترض دوما أن ما يحيط بنا من تفاعلات إقليمية مربكة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال افتراض وجود ترتيبات كونية سرية لا طاقة لنا بفهمها ولا بالتأثير عليها.
المصدر الأساسي: جون ميرشايمر، أمريكا المرتبكة، منتدى العلاقات العربية والدولية.