الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وتزاحم الرايات

سوريا وتزاحم الرايات

25.11.2015
حميد المنصوري



الاتحاد
الثلاثاء 24/11/2015
يصل الصراع في إقليم سوريا ليرسم رايات متزاحمة لأطراف سورية وإقليمية ودولية، وهذه الأطراف لكل منها أهدافه وأولوياته، وهناك رايات ستعلو على حساب أخرى. وفي الفترة الحالية التي تتصدرها الحرب الروسية على الإرهاب في سوريا بما تحمل من مضمون جيوسياسي لموسكو في سوريا والشرق الأوسط، وهو المضمون الجيوسياسي نفسه في الأزمة الأوكرانية و"جزيرة القرم"، يأتي التدخل الروسي كطرف مباشر في الصراع السوري ليعكس أمرين، أولهما عدم مصداقية الولايات المتحدة في محاربة "داعش"، وما يعتري سياسات "واشنطن" من عجز عن تحقيق استقرار ملحوظ في المنطقة، والأمر الآخر أن الحرب باتت توضح أكثر مما سبق أهداف الرايات داخل دائرة الصراع في سوريا التي أصبحت معقدة.
فالرايات متعددة ومختلفة، بل ضاقت بها سوريا كأرضٍ وشعب، ولكن لا مناص من هذا الصراع حتى تعلو الرايات القوية والمدعومة إقليمياً ودولياً على غيرها، التي بدورها ربما تستطيع إيجاد اتفاق لإنهاء الثورة والفوضى في سوريا. وإحدى الرايات في فترة الحرب الروسية الحالية على الإرهاب، الراية التركية المتوجسة بأهم أولوياتها الأمنية وهي القضية الكردية، حيث ترفع "أنقرة" مطالبها في عدم إيجاد سيطرة كردية في شمال سوريا، لأن "أنقرة" تخشى من تمدد القومية الكردية نحو تركيا خاصةً إذا جاورها جغرافياً إقليم كردي سوري كحالة العراق، والذي ربما يمتد إلى العراق وتركيا مستقبلاً مع رياح المد القومي، فالقومية الكردية دائماً تنجح في وجود الفراغ الأمني، كما حدث في العراق بولادة كردستان العراق، وهنا تحاول أنقرة مع واشنطن التعاون في هذا الجانب المهم.
فيما الراية الكردية في العراق أصبحت محل صراع بين الحكومة العراقية المركزية "بغداد"، وحكومة "أربيل" في ملفات كثيرة كملف تصدير النفط ومنطقة كركوك، ولعل ذلك بات واضحاً عندما رفرف علم كردستان العراق على منطقة سنجار، حيث شكل إعلان قوات البشمركة الكردية سيطرتها على قضاء سنجار شمال غربي العراق منعطفاً مهماً في مسار وقف تمدد "داعش" وكان ذلك بدعم من واشنطن، التي أرادت تأكيد حضورها في محاربة هذا التنظيم أمام الحرب الروسية عليه.
أما راية "داعش" المشوهة للإسلام بكل قيمهِ الإنسانية، فقد أصبحت اليوم تحت وابل نار القوات الروسية وأحلافها من النظام السوري وأذرع إيران من مليشيات كـ"حزب الله" من جهة، و"داعش" في حرب مع الأكراد وحكومة بغداد من جهة أخرى. ومع راية "داعش" تقف "جبهة النصرة" كجماعة إرهابية خارجة كالأولى من رحم "القاعدة".
وإلى أكثر الرايات قوة التي ربما لا تخدم استقرار المنطقة وانتهاء الثورة السورية، وجود الراية الروسية وهي تسحب معها رايات النظام السوري والطموح الإيراني بمليشياتهِ، حيث يقابل ذلك رايات عربية وغير عربية تسعى لإدانة التدخل الروسي والإيراني في سوريا، لأن ذلك سيعزز من الحضور الفارسي الشيعي في سوريا مع بقاء النظام السوري. ويبدو ذلك واضحاً من خلال ما أعلنتهُ السعودية على لسان وزير خارجيتها بأنها ستواصل دعم العملية السياسية التي ستُفضي إلى رحيل الأسد، أو ستواصل دعم المعارضة السورية بغرض إزاحته بالقوة، إلى جانب ذلك، هناك أطراف تشكك في العمليات العسكرية الروسية بأنها تقصف المتمردين المعتدلين، بدلاً من التركيز فقط على "داعش"، ولكن لا غرابة في ذلك حيث ترغب موسكو في إضعاف المعارضة المعتدلة، لكي تتجه نحو تسوية ترسمها القيادة الروسية، كما أن موسكو قد حذرت أطرافاً إقليمية من تقديم صواريخ مضادة للطائرات لمصلحة المعارضة السورية المسلحة. يقابل ذلك انتقاد موجه إلى تركيا بأنها تقصف مواقع كردية أكثر من مواقع "داعش".
وعلى الرغم من وقوف دول عديدة إقليمية ودولية ضد التدخل الروسي، إلا أن هجمات باريس الدموية وأحداث مالي وتفجير الطائرة الروسية فوق سيناء جعل الكثير من الدول تراجع مواقفها، فها هي القوات الفرنسية تشارك وتحضر بقوة في المشهد الروسي بسوريا، كما أن ألمانيا لا تستبعد حضور ومشاركة قواتها المسلحة في محاربة "داعش"، وهكذا تزداد البيارق لمحاربة "داعش" دوليا.
يمكن أدارج تزاحم هذه الرايات عبر رايات تعتبر في محل المهزوم كراية "داعش" و"جبهة النصرة" على أساس تصنيفها كجماعات إرهابية خرجت من رحم "القاعدة"، مقابل رايات تزداد قوة كالقومية الكردية في سوريا وغيرها، ناهيك عن بروز كردستان العراق كطرف إقليمي مهم دون الحكومة العراقية المركزية. ولا شك أن نظرة تركيا في بناء قوة لها عبر تحركاتها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط مع القوة الناعمة لحزب "العدالة والتنمية" سقطت إلى حد كبير، فيما المنطقة مازالت تعاني من الطموح الإيراني في تحقيق ما تصبو إليه عبر تحركها الجيوسياسي ونفوذها المذهبي في المنطقة الذي عكسهُ بوقاحة المندوب في البرلمان الإيراني "محمد رضا كازاني" بقولهِ ذات يوم: سقوط العاصمة العربية الرابعة في يد طهران. ويعتري الراية الإيرانية بأتباعها من مليشيات غموض في مستقبل سوريا ذات الأغلبية السُنية، حيث ستكون رهينة، فربما تستطيع موسكو مع أطراف إقليمية ودولية من خلق وضع سياسي جديد بين النظام السوري والمعارضة المعتدلة، الذي يفترض فيه رحيل بشار من المشهد السياسي كشخصية رئيس كان سبباً رئيسياً في دمار وخراب وتزاحم رايات الدول الإقليمية والدولية وانقسام المعارضة السورية لأطراف متناحرة واحتضان التطرف الديني السُني والشيعي على حد سواء، مع افتراض رحيل أو تقليص النفوذ الإيراني، وأخيراً وربما تنثني راية واشنطن أمام راية موسكو، وهي تحقق معادلة سياسية في سوريا تبقي على نفوذها وتواجدها..