الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وسياسة اللوم الدولية

سوريا وسياسة اللوم الدولية

22.02.2014
سالم اليامي


اليوم السعودية
الجمعة 21/2/2014
قبل أن يبدأ مؤتمر جنيف الثاني، الذي جمع المعارضة السورية بفريق يمثل النظام، على مدى أيام، تكون لدى كثير من المحللين والمهتمين بالشأن السوري، شعور بأهمية وخطورة عقد المؤتمر، وأنه الخطوة التي قد تمثل الخلاص، وتأتي بلحظة الحل للمأزق الإقليمي والدولي في سوريا.
ذلك الشعور تكون وبطريقة تراكمية ملحوظة، عبر تصريحات الجهات الدولية الراعية لحقائق الحرب والسلام في سوريا، فكان الروس عبر تصريحات السيد لافروف وزير الخارجية الروسي، وعلى مدى أشهر، يركز على موضوع عقد المؤتمر، وما يتبع ذلك من تفاصيل، ابتداء بموعد الانعقاد، ثم الأطراف المشاركة، ثم الجهات الإقليمية الداعمة والمساندة للفرقاء المتحاورين.
 حتى وصل الزخم الدولي لموضوع جنيف إلى أن جعل الكثيرين يتخيلون أن القوى الدولية وضعت جزءا كبيرا من مقدراتها ورؤيتها للحل في مخابئ سرية، وأنها ستفصح عن كل ذلك في مدينة جنيف، أو في مدينة مونترو، التي استوعبت جزءا من اللقاءات السورية.
 من المفيد العودة إلى أمور أساسية في الموضوع السوريكل ذلك كان وهما يشبه الحقيقة؛ لأن الوقائع على الأرض السورية تتحرك بمنطق وآليات يعرفها الجميع، والنظام يملك أسلوب تصرف عسكريا واستخباراتيا غاية في التدمير والقتل لأي فرصة للحل، أيا كانت مرجعيتها. والأطراف الإقليمية ما زالت تستخدم نفس الأسلحة في مواجهة بعضها البعض، دون تطور ملموس في اتجاه حقيقي للحل. وسارت الأمور بالطريقة التي عرفها البعض، وتم  انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وانتهى بالطريقة التي لم تعد تخفى على أحد، وكل ذلك كشف أو يجب أن يكون بين شيئا من حقيقة ما يحدث في سوريا، وهو في الغالب عودة أوراق اللعب إلى الأيدي الأكثر قدرة على تحريك الأمور، تبعا لما تملك من قوة حقيقية مؤثرة، والمقصود بها الأطراف الدولية: الولايات المتحدة، وروسيا، والأداة الدولية الرسمية في إدارة الأزمة الأمم المتحدة.
على المستوى الشخصي، لم أكن أتوقع الكثير من مباحثات جنيف الثانية، وإن كان الخيال وربما الأمنيات ذهبت بي إلى تصور أن مجرد التقاء السوريين من المعارضة وممثلي النظام وجها لوجه في رقعة جغرافية خلابة وساحرة؛ سيجعل منهم جميعا أشخاصا ذوي حساسية بالغة، وستمكنهم تلك الحساسية والرقة من تقدير حقيقة الوضع في بلادهم، وستجعل منهم أشخاصا أكثر تقديرا للمسئولية، وأكثر اقبالا على التنازل والتضحية؛ من أجل الوطن والإنسان الذي يموت بطريقة أصبحت جزءا من المشهد العبثي العام في المنطقة.. وانتهى جنيف اثنين، وظهر النظام بوجهه الحقيقي عبر ممثليه الذي اتقنوا الدور المرسوم لهم، بعرقلة أي تقدم بناء على مقررات جنيف الأول، وبرعوا في خلق مسارات ثانوية خنقت أي أمل للتقدم، وفي نفس الوقت خنقت الرجل العجوز، الذي كان يعترف بمرارة غير مسبوقة أن كل تلك المداولات التي استغرقت كل ذلك الوقت، انتهت إلى كلمتين الأولى: "لا شيء"، والثانية: " آسف" أن أي تقدير يبنى على غير حقائق الواقع ومعطيات التحليل الفعلية؛ لن يغني عن الأمر شيئا، ويجب ألا يعول عاقل على معطيات ليست حقيقية وملموسة مائة بالمائة.
 ومن المفيد، العودة إلى أمور أساسية في الموضوع السوري، أبرزها: تحديد مسئولية الجهة التي تطيل من عمر  الخراب في الداخل السوري، وتسعى بوضوح لنشر تبعات الخراب في الإقليم المجاور، ووقف كل أنشطتها وأنشطة الجهات الدولية والاقليمية التي تزيد من تمكينها من لعب ذلك الدور المتعنت. مع ضرورة تحفيز القوى الدولية على الاتفاق أن استمرار نيران الصراع في سوريا يعني بصورة مباشرة اشعال المنطقة، وأن الدور المطلوب من تلك القوى ليس لوم القوى المقابلة على ما تقوم به في تمكين النظام وتعزيز مشاريعه التدميرية، بقدر ما يجب عليها ممارسة الضغط لوقف ذلك السيل من النيران المتدفقة في المنطقة.
الأهم، أن تعيد القوى الدولية صياغة نظرتها للحل في سوريا، في وسط عجز داخلي وإقليمي لرؤية واعية للحل، على أن تكون تلك الرؤية أكثر قابلية للتطبيق، بعد أن تم التلويح بالقوة، واستخدامها ثم العدول عن ذلك، وبعد أن بشروا الجميع بالحل السلمي طريقا لا محيد عنه.
 المنطقة تلتهب ولا تحتمل مزيدا من اسقاط التهم المتبادلة، حتى يتم التوافق على خطط تكتيكية جديدة بين الخصوم الدوليين، الذين لم يتفقوا بعد ربما على شكل مناسب للحل حتى الآن.