الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وصناعة الحلول السياسية

سوريا وصناعة الحلول السياسية

22.12.2015
عبدالله بن بجاد العتيبي



الاتحاد
الاثنين 21/12/2015
الحلول السياسية هي باستمرار غاية وهدف للنزاعات والصراعات، وهي حلول يتم بناؤها بأناة وعقل، وبواقعية متناهية ووعي مستمر بالتغيرات والتطورات، دولياً وإقليمياً وداخلياً.
أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً جديداً رقم 2254 تجاه الأزمة السورية التي اختلطت فيها الصراعات الدولية والنزاعات الإقليمية والمشكلات الداخلية، وتقاطعت فيها ملفات الرئيس القاتل لشعبه، وتنظيمات الإرهاب، وحركات الإسلام السياسي العنيفة التي هي شقيقة الإرهاب ومنبعه، وبروز الطائفية كسلاح سياسي قاتل، وهو ما يشير بمجمله لتحول في الأزمة السورية، حيث أصبح العالم كله مشغولاً بها.
كان القرار الدولي مسبوقاً بمواقف صارمة من الدول العربية والخليجية منها، تحديداً تجاه نظام بشار الأسد، ووجوب رحيله، سلماً أو حرباً، فهو نظام قتل شعبه وهجره عن وعي وتصميم، وهو نظام حليف لإيران، ومعاد للدول العربية، وقد قامت السعودية بتوحيد دول الخليج والدول العربية لجمع المعارضة السورية بشتى أطيافها، ما عدا الجماعات الإرهابية لتكوّن بذلك رقماً صعباً في المعادلة الدولية تجاه سوريا، يمكنه التحدث باسم الشعب السوري المضطهد والمقتول والمهجر، وقامت الأردن بعمل قائمة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية الناشطة في سوريا حتى يتم استبعادها من أي حل مستقبلي.
عبّرت قوى مهمة في المعارضة السورية عن انتقادات للقرار، وعن حجم الفراغات فيه أي اتساع دائرة المسكوت عنه من المسائل المهمة، كرحيل الأسد وطبيعة المرحلة الانتقالية ونحو ذلك، وهي انتقادات مشروعة دون شك، وهذه مشكلة أساسية في كل الصراعات المعقدة والشائكة، وهي أن الأطراف تصرّ على أخذ كل شيء دفعة واحدة، وهي في ظل الحماسة والاندفاع المشروع أحياناً تنسى أن لعبة السياسة يجب أن تخاض بدم بارد وصبر وأناة وسعي دؤوب لتحصيل المكاسب لا دفعة واحدة، بل دفعات تتم حياكة كل منها بوعي ودهاء.
أهم ما يمكن العناية به في هذه المرحلة، هو أن تحرص تيارات وأحزاب وفصائل المعارضة السورية على توحدها الذي جرى في الرياض، فتوحد صوتها في إطار واحد يشكل ضمانة حقيقية لمستقبل الشعب السوري ونيل حقوقه، وطرح الخلافات هو أول خطوة باتجاه الحل السياسي الأفضل في ظل الظروف الدولية والإقليمية القائمة، ومن دون هذا التوحد، فإن كل الدعم الذي تقدّمه المملكة العربية السعودية ودول الخليج لن يصل للنتائج المرجوة.
كما يجب البناء على قرار مجلس الأمن والاستفادة القصوى من التوافق الذي حصل عليه على طريقة خذ وطالب، ولئن كانت الصياغة تمت بتوافق أميركي روسي، فإن ثمة دولاً عديدة في أوروبا وحول العالم تدعم حقوق الشعب السوري، وتدعم المعارضة السورية المعتدلة وترفض استمرار بشار  في السلطة، وهي بالتعاون مع الدول العربية الداعمة لحقوق الشعب السوري يمكن أن تقدم دعماً غير محدود للمعارضة السورية الموحدة.
من مصلحة الشعب السوري أن تبدو المعارضة السورية الموحدة قادرة على استيعاب خلافاتها وقيادة بلد بحجم سوريا بأديانه وطوائفه ومذاهبه وطرقه المتعددة إلى دولة مدنية حديثة تحكمها الأكثرية وتحمي الأقليات، وأن تظهر مرونة سياسية لا تجعل نصب عينيها سوى تحقيق مصالح الشعب السوري، وضمان وحدة واستقلال، وسيادة سوريا على كامل ترابها الوطني في المستقبل، لأن ذلك سيشكل ضمانة حقيقية للتخلص من نظام بشار القاتل، وكسر "محور إيران" الذي لا يرى في سوريا إلا كونها "حلقة ذهبية" في المحور الفارسي الإيراني، كما صرح بذلك قبل أيام على أكبر ولايتي مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي حين قال: "سوريا هي الحلقة الذهبية في محور المقاومة".
ولكن لماذا دعت الرياض لمؤتمر لجمع المعارضة السورية؟ وماذا تريد منه؟ أما الدعوة فهي لأن الرياض أصبحت فعلاً وقولاً وتأثيراً تقود منطقة كبيرةً من العالم العربي والعالم الإسلامي، وباتت تستخدم ثقلها وقوتها في تناول الملفات المهمة والمؤثرة دولياً وإقليمياً، وباتت قصور ضيافتها الرسمية وفنادقها الكبيرة مأهولة برموز الصراعات في المنطقة، من كل صنف ولون ومن كل حزبٍ وتيار، أما ماذا تريد منه، فهي لا تريد سوى مصلحة الشعب السوري وأن يعود لسوريا استقرارها.
أخيراً، تتبنى الرياض موقفاً صلباً في دعم حقوق الشعب السوري ووجوب رحيل نظام بشار الأسد الموالي لإيران والداعم للإرهاب، والتأكيد على مدنية الدولة القادمة، ووحدة سوريا واستقلالها، وهو الموقف الذي حظي بدعم دول الخليج في القمة الخليجية التي انعقدت مؤخراً في الرياض.