سوريا وليبيا رهينتا التنسيق الروسي - التركي
20.09.2020
سميح صعب
"النهار العربي"
السبت 19/9/2020
طبقاً لتحركات الديبلوماسية الروسية في الأسابيع الأخيرة، يتأكد أن ثمة ميلاً لدى الكرملين للاستمرار في التنسيق مع تركيا بالنسبة إلى ملفين أساسيين في المنطقة: سوريا وليبيا.
ويجري وفد عسكري روسي في أنقرة مباحثات مع عسكريين أتراك لاستكشاف احتمال أن تقبل تركيا بسحب بعض من نقاط المراقبة التي نشرتها في محافظة إدلب خلال العامين الأخيرين في سياق التفاهمات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، التي أفضت إلى إنشاء مناطق "خفض التصعيد" عقب جولات متتالية من المعارك بين الجيش السوري مدعوماً بغطاء جوي روسي من جهة، وفصائل المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي الذي بات ينشر ما لا يقل عن عشرة آلاف جندي وآلاف الأليات في المنطقة فضلاً عن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة ثانية.
الوفد العسكري الروسي زار أنقرة بعد بضعة أيام من زيارة وفد روسي بارز ضمّ وزير الخارجية سيرغي لافروف، مما يوحي بأن موسكو تنشط مجدداً على أمل فتح ثغرة في المأزق السياسي - العسكري في إدلب. وبحسب الإعلام الروسي، فإن أنقرة رفضت سحب أي من نقاط المراقبة بينما أبدت انفتاحاً على البحث في مسألة سحب بعض أسلحتها الثقيلة من المنطقة. فهل يبحث الروس هنا عن بادرة حسن نية من أنقرة لفتح خطوط تواصل بين أنقرة ودمشق؟ لا يزال مبكراً الذهاب بعيداً في هذا التخمين في الوقت الحالي.
وفي اليوم التالي لزيارة الوفد العسكري لأنقرة، كان لافروف يجري اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو عنوانه الوحيد ضرورة البحث الجدي عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا.
ويأتي المسعى الروسي - التركي في هذا الشأن عقب تطورات سياسية متسارعة شهدتها الساحة الليبية. من المحادثات التي استضافتها مدينة بوزنيقة المغربية بين وفد المجلس الأعلى للدولة الذي يتخذ طرابلس مقراً له ووفد مجلس النواب الذي يتخذ مدينة طبرق مقراً له والاتفاق على تقاسم المناصب السيادية في ليبيا. وتبع ذلك إعلان رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج عزمه على التنحي من الآن وحتى الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
ووفقاً للوقائع، تعتبر روسيا هي الطرف الوحيد القادر أيضاً على التحدث إلى أردوغان في ما يتعلق بالتوتر في شرق المتوسط. وفي ذروة التوتر مع اليونان وقبرص وفرنسا، لم يطل غياب روسيا عن المشهد من خلال مناورات بحرية خاصة بها إلى جانب مناورات تجريها دول أخرى في المنطقة.
هذا الحرص الروسي على عدم الاصطدام بتركيا في أي من ملفات المنطقة، يبدو وكأنه تعويض من جانب الكرملين عن تجاهل تبديه واشنطن حيال إشراك موسكو في أي من مبادراتها المتعلقة بالشرق الأوسط وآخرها كان إقامة علاقات ديبلوماسية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل.
وفي الملف السوري، لا تبدي واشنطن أي إشارة تنم عن استعداد للتعاون مع روسيا، لا بل أن ثمة تصعيداً في الضغوط الأميركية على دمشق، بما يعيق كثيراً الجهود الروسية لمساعدة الحكومة السورية في مواجهة العقوبات الأميركية الصارمة، التي تمثلت في "قانون قيصر".
بيد أن الكرملين ليس في وارد التخلي عن اللعب بكل أوراق القوة التي يمتلكها في سوريا أو في ليبيا، وأخيراً في شرق المتوسط. ويعتقد بوتين أنه من طريق ورقة التنسيق مع تركيا، بإمكانه تحقيق اختراقات جديدة في سوريا تواكب استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، وفي ليبيا من طريق حراك سياسي ناشط في اتجاه إيجاد تسوية سياسية، تعيد موسكو لاعباً أساسياً في هذا البلد، بعدما كانت خسرت كل نفوذها بإسقاط الغرب نظام القذافي عام 2011.
وفي المقابل، تجد تركيا في روسيا منفذاً دولياً يعينها في وقت تشتد عزلتها أوروبياً بينما علاقاتها متردية مع الدول العربية بسبب تدخلها العسكري في سوريا وبسبب وقوفها إلى جانب إيران.
هذا أشبه ما يكون بعلاقة تكافلية بين موسكو وأنقرة، مداها الآن سوريا وليبيا، وربما غداً العراق في ظل الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي من مجمل الشرق الأوسط.