الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ومستنقع الفتنة الطائفية!

سوريا ومستنقع الفتنة الطائفية!

20.06.2013
فرج شلهوب

السبيل
20/6/2013
 
ما يجري في سوريا وحولها من تجاذب طائفي مجنون، نصرة لهذا الفريق أو ذاك، ينزلق بالمنطقة رويدا رويدا نحو تكريس الفتنة، وإشعال حرب طاحنة لن يكون فيها منتصر سوى أمريكا و»إسرائيل». وإذا لم يسُد صوت العقل فإنّنا سنكون إزاء فتنة تطحن أرواحا كثيرة وتهدر طاقات لا حصر لها، قبل أن تهدم أوطانا وتزرع أحقادا ستعمّر طويلا.
أصل الحراك في سوريا تحرُّك شعبي ينزع لفرض قيم الحرية والعدالة وتداول السلطة، ولا علاقة له بمحاور إقليمية ولا دولية، ولا صلة له البتة بالعناوين الأيديولوجية ولا الطائفية ولا الإثنية، تساوقا مع ربيع عربي، يراد اليوم إجهاضه بالمؤامرة حينا وبضيق العقل والأفق حينا وبالتلوينات الطائفية أو الأيديولوجية تارة ثالثة.
حراك الشعب السوري ابتدأ سلميا ولغايات لا يختلف عليها اثنان، حرية وكرامة وعدالة وديمقراطية، ولم يكن موجّها ضد طائفة أو دين أو اثنية، ولو أنّ النظام امتلك عقلا سياسيا ناضجا لاستوعب الحراك وتواءم مع مطالبه العادلة منذ البدايات، كما نصحه كثيرون، ولأمكن حينها قطع الطريق على المتربصين والمتآمرين على سوريا والأمة، وهم كثر، إقليميا ودوليا، ولأمكن تجنيب سوريا الدولة والشعب كل ما تتعرض له اليوم من تدمير وتمزيق واستنزاف، ولكن غباء النظام وصلفه دفعا الأمور للتصعيد وسفك الدماء، عبر الإصرار على رفض التجاوب مع المطالب الشعبية وإيثار الحسم العسكري.
لقد أخطأ النظام مرتين؛ أولا بمأسسة الفساد والاستبداد. وثانيا برفض الإصغاء لصوت الإصلاح والذهاب إلى الحسم العسكري. وغيره أخطأ مرتين؛ أولا بتدخل عناصر غير سورية في الصراع، وثانيا بإهدار العناوين الرئيسة للحراك الشعبي (حرية كرامة عدالة) بعناوين أيديولوجية أخرى لا علاقة لها بالحراك الشعبي ولا تنتج سوى الأزمة.
وليت الخطأ توقّف عند حدوده السالفة، فقد دفع الخبال وضالة العقل السياسي، الأمور إلى مستنقع الحرب الطائفية، فبتنا نسمع من يتكلم بلسان فصيح «اقتلوا الرافضة أينما ثقفتموهم»، في حملة تحريض لا عقل لها، تضر الشعب السوري ولا تنفعه، بل تضر الأمة وتفرح أعداءها، ووجدنا من يستنفر الطائفة بكل غباء، من اليمن إلى العراق فالبحرين ولبنان، في حملة طائفية بغيضة، تقزم الكبير وتمزق القلوب ولا تخدم إلاّ الصهيونية ورعاتها المتآمرين على الأمة.
من حق الشعب السوري أن يحظى بنظام حكم نظيف، يقيم العدل ويعلي قيم الحرية، ولكن محذور أن يكون مآل ثورة الشعب دفع سوريا إلى الحضن الإسرائيلي أو الأمريكي، ومحذور هدم الدولة السورية وتشتيت ونكبة شعبها، في حرب طائفية لا رسالة لها، أو في حرب بالوكالة عن متآمرين لا قلوب ولا خلاق لهم.
إنّ ارتفاع الخطاب الطائفي على الجانبين، وصفة خراب ونذير شؤم، لا على سوريا وحدها، بل على الأمة مجتمعة، ومن شاء فليقرأ السعادة الإسرائيلية والأمريكية بما يجري، وأجزم أنّ أمريكا، لن تسمح بالحسم قريبا، لا لصالح الثوار ولا النظام، حتى وإن أوحى البعض بغير ذلك، ولكنها ومن ورائها حلفها الاستعماري البغيض، ستستمر في إدامة الصراع ورفع وتائره، عبر تسليح الثوار إلى الحد الذي يتمكنون فيه من ردع النظام ورده إلى الخلف قليلا، قبل أن يعاودوا وقف وتقنين التسليح ليتمكن النظام وحلفاؤه من التقاط أنفاسهم وتسديد الضربات للثوار، وذلك من أجل تحقيق غايتين، هدم سوريا الدولة والوطن وإخراجها من معادلة الصراع، وأخذ كل الوقت لرسم شكل الإدراة القادمة في سوريا وفق مزاج المستعمر ومصالحه، وثانيا الإفادة القصوى من مفاعيل تصاعد الفتنة الطائفية والتهاب سعارها الذي بدأ ينطلق على الطريق مثل كرة الثلج، ولسان حال أمريكا يقول للفتنة الطائفية لتأخذي كل الوقت، فميدان الصراع في سوريا مفتوح إلى ما لا نهاية، وإذا كانت الحرب الطائفية وإدامة الصراع في سوريا وحولها، يمكن أن يستنزف إيران وحزب الله ويرهق تركيا ويضرب سورا عاليا بين مصر وإيران، وينقل الصراع من كونه عربيا إسلاميا ضد «إسرائيل» ليتحول إلى صراع داخل الأمة، فمرحبا باستمراره ولعقد قادم، ولا بأس أن تصل بعضا من حرائقه إلى لبنان والعراق ودول الخليج، وما دام رأس «إسرائيل» بخير، فليكسر فخار العرب والمسلمين بعضه بعضا.
أزمة سوريا لا يحلّها التجييش الطائفي وإلهاب الغرائز البدائية على الجانبين، فلن يفضي مثل هذا المسار إلاّ للمزيد من الدمار والخراب، وعلى رقعة أوسع ممّا هي الآن، في سوريا وعبر الإقليم، الحل يبدأ وينتهي بإدراك المصلحة الحقيقية للأمة ولسوريا، عبر تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره، وعزل أمريكا و«إسرائيل» من أن تكون اللاعب الرئيس أو الفرعي في تقرير مصير الصراع ومآلاته، وهذا لا يتأتّى إلاّ عبر حوار سياسي عاقل تشارك به أطراف الأمة ومرجعياتها المعتبرة، شرط الخروج من قلاع الطائفية والحضن الأمريكي ووقف التحريض ووقف سفك الدماء في معركة استنزاف مصممة بإحكام.