الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ومصير الاتفاق الروسي- الأميركي

سوريا ومصير الاتفاق الروسي- الأميركي

21.09.2016
د. أحمد يوسف أحمد


الاتحاد
الثلاثاء 20/9/2016
كنت في المقال السابق قد توقعت تعثر الاتفاق الروسي- الأميركي حول سوريا إن لم يكن فشله، وبنيت توقعي هذا على أن الاتفاق قد تم التوصل إليه من قِبَل طرفين فقط من أطراف الصراع، صحيح أنهما أقوى طرفين ولكن ثمة أطرافاً عديدة أخرى لها مصالحها المتشابكة المتعارضة. وقلت إنه ليس من الصحيح أنه قد حدث تشاور تام بين روسيا والولايات المتحدة وبين باقي الأطراف بدليل ما أعلنه الائتلاف السوري المعارض قبل إعلان الاتفاق من أنه لن يكون ملزماً باتفاق لا يلبي مطالبه. ولكن ما لم أضعه في حسباني على الإطلاق هو أن يكون التفاهم الروسي- الأميركي ناقصاً أصلاً رغم التوصل إلى الاتفاق وإعلانه، وقد بدا هذا واضحاً أولاً من إلحاح الجانب الروسي على ضرورة عرض الاتفاق على مجلس الأمن كي يكتسب غطاءً شرعياً دولياً ومعارضة الولايات المتحدة هذا المطلب لحجج أمنية بدت متهافتة! وكان من الطبيعي أن يتجه التفكير فوراً إلى أن الإدارة الأميركية تخشى عواقب إعلان الاتفاق على علاقتها بحلفائها في الصراع سواء من فصائل المعارضة أو الدول الحليفة لها، وكذلك على الرأي العام الأميركي في هذه المرحلة الحساسة من مراحل معركة الانتخابات الرئاسية، وإذا صح هذا فهو لا يعني إلا أن الإدارة الأميركية قد قدمت في هذا الاتفاق تنازلات لا تتسق ومواقفها المعلنة من الصراع، كأن بوتين يريد أن يكرر بعد قرن كامل ما فعله لينين عندما فضح اتفاقيات "سايكس- بيكو" التي كانت الحكومة القيصرية قد تواطأت فيها مع حلفائها في الحرب العالمية الأولى مع فارق في التفاصيل بطبيعة الحال.
أما المشكلة الأعجب في تنفيذ الاتفاق فقد تمثلت في الغارة التي شنتها طائرات التحالف الأميركية والأسترالية على موقع للجيش السوري فوق جبل "ثرد" يشرف ميدانياً على مطار دير الزور مما أدى إلى مقتل اثنين وستين جندياً وجرح ما يزيد على المئة وتدمير سبع عربات حربية، وبعد سبع دقائق لا أكثر من وقوع الغارة تقدمت قوات "داعش" وسيطرت على الموقع وأصبحت من ثم تسيطر نيرانياً على المطار! صحيح أن القوات السورية قد استردت الموقع لاحقاً ولكن دلالة الغارة ليست هينة، ويلاحظ أولاً أن رقم الخسائر البشرية هو أعلى رقم تسببه غارة جوية واحدة على أي من جانبي الصراع، وقد كان طبيعياً أن تُوجه اتهامات إلى الولايات المتحدة بتعمد الهجوم على الموقع حيث يُفترض أن إحداثيات المواقع العسكرية متاحة لكل الأطراف التي تقوم بنشاط جوي في السماء السورية، وأن الطائرات المهاجمة على الطرفين مجهزة بما يمكنها من الدقة الكاملة في ضرباتها! ولو افترضنا أن اتهامات العَمْد صحيحة فإن هذا يعني أن الإدارة الأميركية قد تراجعت عن الاتفاق وأنها تريد تخريبه، وبالطبع فقد رد المسؤولون الأميركيون بأن الأمر كله قد وقع على سبيل الخطأ، ولو كان الأمر كذلك فهو يشير إلى غياب التنسيق، وقد انتهزت وزارة الدفاع الروسية الفرصة لكي تقول إن التبرير الأميركي لو كان صحيحاً فهو نتيجة رفض الجانب الأميركي التنسيق مع روسيا. ومن ناحية أخرى فثمة احتمال مطروح مهما يكن مستبعداً على ضوء ما ذكره بعض التقارير من أن دوائر البنتاجون الأميركي غير راضية عن الاتفاق الذي كانت الخارجية الأميركية عرّابته، بمعنى أن تكون الغارة عملاً مقصوداً لتخريب الاتفاق. وللأسف فإن السياسة تقبل هذه الاحتمالات، غير أن الأهم من هذا كله أن ما حدث يُظهر بجلاء مدى الصعوبة في تنفيذ الاتفاق إنْ بقيت إرادة لذلك، فإذا كان طيران التحالف غير قادر على التمييز بين مواقع الجيش السوري ومواقع "داعش" فما بالنا بالتمييز بين هذه الأخيرة وبين مواقع المعارضة المعتدلة.
لعل الدرس يكون قد اتضح تماماً، فها نحن إزاء أقوى قوتين في العالم ولكنهما لا تستطيعان أن تتفاهما على تسوية صراعاتنا التي تستنزفنا وإن استطاعتا فسيكون هذا بما يحقق مصالحهما أولاً، فهل آن أوان الإمساك بمقدراتنا بأيدينا وحدنا واتخاذ ما يلزم لكي تكون لنا رؤية موحدة لمصالحنا وكيفية تحقيقها مهما كانت الصعاب؟