الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا و فتح طريق التسوية!

سوريا و فتح طريق التسوية!

15.05.2013
د. وحيد عبد المجيد

د. وحيد عبد المجيد
الاتحاد
الاربعاء 15 /5/2013
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على مواقع عسكرية في دمشق هو المحرك الوحيد للاتفاق الأميركي الروسي، الذي تم التوصل إليه في منتصف الأسبوع الماضي، بشأن ترتيب مؤتمر يجمع المعارضة السورية ومسؤولين في نظام الأسد بدعم إقليمي ودولي. فليس هناك ما يدل على وجود علاقة مباشرة بين ما أسماه الموفد العربي والأممي «أول معلومات تدعو للتفاؤل منذ وقت طويل جداً»، وما اعتبره مراقبون أقوى هجوم عسكري شنته إسرائيل على سوريا منذ عام 2003 . فقد كانت زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو، والتي أسفرت عن ذلك الاتفاق، مقررة قبل الهجوم الإسرائيلي. غير أن هذا الاعتداء أعاد التذكير بأن الوضع المضطرب في الشرق الأوسط يمكن أن يخرج عن السيطرة ويهدد بنشوب حرب إقليمية، بينما كان القلق يزداد في أوساط دولية عدة، تشمل واشنطن وموسكو، من تداعيات خطيرة للصراع في سوريا على محيطها في لبنان والعراق، وفي الأردن بدرجة أقل.
لذلك ربما لا يخلو من مغزى عدم إدانة واشنطن وموسكو الهجوم الجوي الإسرائيلي الذي يعتبر عدواناً على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها، رغم تباين بل تناقض موقفيهما تجاه نظام الأسد.
وإذا كان إبداء واشنطن تفهمها لدوافع الهجوم العسكري الإسرائيلي ينسجم مع سياستها، فقد أثار اكتفاء موسكو بالتعبير عن قلقها العميق من تداعيات هذا الهجوم سؤالا تصب إجابته في اتجاه وجود متغيرات تدفع العاصمتين إلى التحرك سعياً إلى تسوية سياسية رغم استمرار الخلاف بينهما على موقع الأسد وأركان نظامه فيها.
فقد ظل هذا الخلاف عائقاً رئيسياً يغلق الطريق أمام البحث عن تسوية ما منذ إصدار بيان جنيف في نهاية يونيو 2012 متضمناً ما بدا وقتها أنه غموض مقصود بشأن مصير الأسد
غير أنه إلى جانب القلق الذي لابد أن يصيب كلا من واشنطن وموسكو نتيجة التداعيات الإقليمية للصراع السوري في مجملها، ربما يكون ازدياد كثافة التدخل الإيراني أحد أهم هذه التداعيات التي قد تدفعهما للبحث عن أرضية مشتركة جزئياً على الأقل. فليست واشنطن وحدها التي يزعجها تنامي التدخل الإيراني في الصراع السوري على نحو قد يغير معادلاته في فترة قادمة ويفرض على الأميركيين إجراء مساومات مع طهران بشأن مصالحها ودورها الإقليمي في إطار البحث عن تسوية لذلك الصراع. فالقلق الروسي من كثافة التدخل الإيراني كبير بدوره، إذ يزعج موسكو أن تسحب طهران منها الورقة السورية أو تهمّش دورها في التفاوض حول مستقبل سوريا، بما يؤدي إليه ذلك من تأثير سلبي على موقعها في لعبة الأمم الراهنة.
كما يجمع كلا من واشنطن وموسكو قلق مشترك من تنامي نفوذ القوى المتطرفة في سوريا، خاصة «جبهة النصرة» التي أعلنت بيعتها لتنظيم «القاعدة»، وغيرها من حركات السلفية الجهادية. فإذا كان الأميركيون خبروا التعامل مع قوى الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة «الإخوان» التي أثبتت استعدادها للتعامل، فالأمر يختلف بالنسبة للحركات التي تتبع تنظيم «القاعدة»، لأن «الحرب» التي أطلقتها هجمات سبتمبر 2001 لا تزال مستمرة.
كما يُقلق موسكو تنامي نفوذ تنظيم «القاعدة» وأتباعه وحلفاؤه في الشرق الأوسط، ويزعجها تأثير هذا التطور على جمهورياتها الجنوبية في القوقاز.
لذلك كله، صار على أميركا وروسيا أن تتحركا سعياً لفتح ثغرة في الطريق المغلق إلى الحل السياسي الذي سيؤدي أي تحرك فيه إلى الارتطام بالحائط الخاص بمصير الأسد وأركان نظامه. فالمسافة بعيدة تماماً بين موقف التيارات الرئيسة في المعارضة السورية التي تصر على أن أي حل سياسي يبدأ برحيل الأسد ورجاله، واعتقاد النظام في أن ميزان القوى على الأرض يتيح له التمسك بأن يكون رئيسه هو محور هذا الحل.
فلم تتغير محددات موقف الائتلاف الوطني السوري منذ تأسيسه، وفي مقدمتها تنحي الأسد والقيادة الأمنية العسكرية، واعتبارهم خارج إطار أي حل سياسي في سوريا و«محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم».
ورغم أن أطرافاً أخرى في المعارضة تبدي مرونة في هذا المجال، مثل هيئة التنسيق التي تبدو مستعدةً للتفاوض حول حل سياسي قبل حسم مسألة موقع الأسد ورجاله فيه، فليس هناك ما يدل على إمكان التوصل إلى أية تسوية بدون توافق المعارضة في مجملها.
ولذلك يبدو صعباً حتى الآن الانطلاق من صيغة مشابهة لتلك التي تم التوصل إليها بين النظام والمعارضة في اليمن، أو سيناريو قريب منها، ليس فقط لأن القوى الرئيسية في الانتفاضة السورية ترفضها، ولكن لأن الوضع مختلف أيضاً. فليست ممكنة مقارنة القمع الذي مارسه صالح ورجاله تجاه الانتفاضة اليمنية بالجرائم التي ارتكبها بشار وأعوانه في سوريا. ولا يكفي منطق أنصار الصيغة اليمنية، وهو أن صالح لم يواجه تمرداً مسلحاً وأن انتفاضة شعبه ظلت سلمية وقاومت محاولات عسكرتها، لإقناع من يرفضون صيغة تمنح الأسد حصانة ضد المحاسبة والملاحقة القضائية.
وإذا كانت هذه الصيغة تبدو بعيدة المنال في اللحظة الراهنة، رغم أنها قد تكون الوحيدة التي تتيح فتح ثغرة في طريق التسوية المسدود، يصبح سيناريو اقتسام السلطة أو بقاء الأسد في منصبه مع نقل صلاحياته كلها أو معظمها إلى حكومة انتقالية تشكّلها المعارضة حتى نهاية ولايته في العام القادم، أبعد وأكثر صعوبة بكثير.
لذلك لا يكفي اتفاق أميركا وروسيا على الترتيب لمؤتمر حول الصراع في سوريا، وتعاونهما جدياً للمرة الأولى من أجل محاولة تسويته، لفتح الطريق المسدود الذي تعوق جثث ودماء عشرات الآلاف من السوريين السير فيه. فلا تسوية بدون حل وسط يقوم على تنازلات متبادلة مادام أي من النظام والمعارضة عاجزاً عن الحسم.
كما لا يكفي تجاوب قطاع من المعارضة مع الجهود الأميركية الروسية الجديدة لإحراز تقدم باتجاه حل وسط ما، سواء وفق الصيغة اليمنية أو أخرى قريبة منها، في ظل رفض قطاع آخر يبدو هو الأكبر حتى الآن. ففي هذه الحالة سيكون بإمكان المعارضة الرافضة للتسوية منعها وليس فقط المشاغبة عليها بخلاف ما يتوقعه أو يتخيله بعض المعارضين المستعدين للتحرك باتجاه تسوية قبل حسم مسألة مصير الأسد ورجاله.
ولذلك ستظل هذه المسألة مركزية وحاكمة لنتائج الجهود الراهنة التي تستهدف فتح الطريق المغلق إلى حل سياسي في سوريا.