الرئيسة \  من الصحافة العالمية  \  سوريا في الصحافة العالمية 24-4-2016

سوريا في الصحافة العالمية 24-4-2016

25.04.2016
Admin


إعداد مركز الشرق العربي
عناوين الملف
  1. مركز كارنيغي: القوة في الضعف.. قدرة الجيش السوري العرَضية على الصمود
  2. مجلة ناشيونال: السلام الملزم والدائم ليس في صالح الشعب السوري
  3. فورين أفّيرز  :تنسيق روسي أميركي بشأن قواعد اللعبة بسوريا
  4. ذا ناشونال إنترست :هل عادت أميركا وروسيا للحرب الباردة؟
  5. خبير إسرائيلي: وداعا للإخوان.. أهلا بالسلفيين
  6. ياروسلاف تروفيموف* - (وول ستريت جورنال) 10/4/2016 :هل ستعني حدود جديدة صراعا أقل في الشرق الأوسط؟
  7. واشنطن بوست :صفقة مع إيران.. من تحت الطاولة؟!
  8. لوموند :سوريا: العودة إلى طريق جنيف
  9. جريمة «حزب الله» المنظمة العابرة للحدود
  10. التايمز: تركيا تستخدم معسكرات اللاجئين كسلاح ضد الأكراد
  11. إندبندنت :وثائق «تنظيم الدولة» المسربة كنز معلومات حقيقي
  12. الاندبندنت: لعبة استخباراتية “ماكرة” في سوريا
  13. كاتب روسي: أمريكا أطلقت الخطة “B” في سوريا
 
مركز كارنيغي: القوة في الضعف.. قدرة الجيش السوري العرَضية على الصمود
– POSTED ON 2016/04/24
أُعِدّ هذا التحليل الإقيليمي كجزء من مشروع “إعادة النظر في العلاقات العربية المدنية-العسكرية: الحوكمة السياسية والاقتصادية في المرحلة الانتقالية” للعامَين 2014-2015، والذي وضعه مركز كارنيغي للشرق الأوسط. سعى المشروع إلى تعزيز البحث حول القوات المسلحة في الدول العربية، وتحدّيات الانتقال الديمقراطي.
خضر خضور: مركز كارنيغي
لم يكن الجيش السوري مُهيّأً قتالياً عندما اندلعت الأزمة الحالية في البلاد في ربيع العام 2011. فعقودٌ من الفساد جرّدت الجيش العربي السوري من احترافه القتالي والعملياتي. ومع ذلك، استطاع الجيش أن يصمد بعد خمس سنوات في وجه ثورةٍ شعبيةٍ حاشدة، وحربٍ متعدّدة الجبهات، وعشرات آلاف الانشقاقات.1
تأتي قدرة الجيش على الإمساك بالأراضي التي تتّسم بأهميةٍ حيويةٍ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، نتيجة مفارقةٍ غير مُتوقَّعة: العوامل التي سلبت الجيش قدرته القتالية في حقبة السلم، أصبحت قوّته الرئيسة في خضم الحرب. وعلى وجه الخصوص، تحوّلت شبكات الزبائنية والمحسوبية في الجيش، والتي تعود إلى ماقبل الحرب، إلى سلسلةٍ موازيةٍ من القيادة تشدّ عضد النظام. والواقع أن هذا الأخير استطاع، من خلال سحب الجيش من خطوط أمامية محدّدة، أن يعزّز قاعدته الاجتماعية والسياسية والمجتمعية المحلية، بعد أن جنّد ميليشيات مؤقّتة لتلبية احتياجاته من المشاة. سلسلة القيادة الموازية هذه، أتاحت للنظام أن يكيّف استراتيجيته للتفاعل مع ديناميكيات الصراع المتغّيرة بسرعة، وليضمن قبضته على القوات شبه العسكرية الموالية، ويرسّخ نفسه في المناطق ذات الأهمّية.
ليس الجيش مجرّد أداة لاستراتيجية النظام؛ فالطرفان يعملان كهيئتَين متمايزتين ولكن معتمدتين على بعضهما البعض، تحتاج إحداهما إلى الأخرى من أجل البقاء. فتحصُّن فرق الجيش في بقاع واسعة من الأراضي السورية، ساعد النظام في الحفاظ على سيطرته على مراكز سكّانية أساسية. كما أن الجيش يشكّل العمود الفقري اللوجستي للميليشيات التي يرعاها النظام، وقناةً مهمةً لداعمتي النظام: روسيا وإيران. وفي حين أن الميليشيات وفّرت معظم احتياجات النظام من المشاة، حافظ الجيش على سيطرته على القوة الجوية واستخدام الأسلحة الثقيلة. نتيجةً لذلك، تراجع عدد الإصابات والانشقاقات، وتعزّزت صورة نظام الأسد كرمزٍ للوحدة الوطنية. وهكذا أتاح تطوّر الجيش السوري وصموده منذ العام 2011 للنظام الصمودَ في الصراع، والتموضع في موقعٍ يجعله جزءاً لايتجزّأ من أي حلّ سياسي تفاوضي قد يجري التوصّل إليه.
الجيش السوري: ضعيف لكن ذو هيكل مرن
البقاء عبر الفساد
تأسّس الجيش في العام 1946، وسرعان مابرز بصفته لاعباً رائداً في التطوّر السياسي لسورية. في ستينيات القرن الماضي، أدّت الانقسامات السياسية والإيديولوجية العميقة في الجيش إلى سلسلةٍ من الانقلابات العسكرية، أوصل آخرُها وزيرَ الدفاع وقائد القوات الجوية آنذاك حافظ الأسد، العضو في حزب البعث، إلى السلطة في العام 1970. وبمساعدة طاقم صغير من الضباط، حيّد الأسد خصومه. بعد ذلك، حافظ النظام على قبضةٍ مُحكَمةٍ على الجيش، جاعلاً جنوده معتمدين على زبائنية النظام من أجل الحصول على الترقيات والمنافع المادية. وعقب المواجهة الأخيرة للجيش مع إسرائيل في لبنان في العام 1982، تخلّى عن مهمته الأساسية المتمثّلة في محاربة الأعداء الخارجيين، لكنه تحوّل إلى دور أكثر رمزية تمثّل في تعميم سردية محلّية تقول أن إسرائيل والبلدان الخارجية الأخرى، تشكّل تهديداً وشيكاً ومتواصلاً. وأصبح التجنيد العام أداةً فعّالةً لإدارة المجتمع السوري وتعبئته، ولاسيما الشباب منه.2
لم تحدث أي تغييرات مهمة في الهيكل التنظيمي الرسمي للجيش، عندما تسلّم بشار الأسد السلطة في العام 2000. فاستمر الضباط في حصد السلطة والموارد بشكلٍ زادَ من الفساد وقلّص القدرة القتالية للجيش.
كانت المزايا الاجتماعية والمالية لضباط الجيش أمراً شائعاً. وعلى وجه الخصوص، عزّزت البرامج الاقتصادية النيوليبرالية التي وضعها الأسد طبقةً جديدةً من شخصيات النظام ومستثمري القطاع الخاص، شجّعت الروابط بينهم، ما أثرى بعض الضباط من ذوي الرتب العالية.3 على سبيل المثال، ابتداءً من العام 2007، أطلقت وزارة الدفاع ومجموعة من رجال الأعمال خطّةً مشتركةً لبيع سيارات فخمة لضباطٍ متقاعدين في الجيش بسعرٍ مُخفَّضٍ مُعفى من الضرائب، على أن يُسدَّد ثمن السيارات مع الوقت من خلال اقتطاعاتٍ من رواتب التقاعد الدورية. هذا البرنامج أضفى مكانة اجتماعية جديدة على هؤلاء الضباط: فالسيارات الفارهة لطالما كانت متاحةً فقط للنخبة بسبب الرسوم العالية على الواردات، والتي بلغت حوالى 200 في المئة، وبسبب القدرة الشرائية المحدودة لمعظم السوريين. فضلاً عن ذلك، استطاع الضباط بيع سياراتهم فوراً، حاصدين ربحاً طائلاً من الوفورات الضريبية وحدها.4
جدير بالذكر أن الرواتب الأساسية للضباط كانت منخفضة للغاية، وتراوحت مابين 400 و800 دولار في الشهر. لهذا السبب، استخدم الضباط بانتظامٍ نفوذهم المتضخّم طوال عقود لاقتناهم المكاسب المالية الشخصية. فهم يسمحون دوماً للمجنّدين الأثرياء بالتملّص من الخدمة الإلزامية لأشهر طويلة مقابل رشاوى. وقد أصبحت هذه الممارسة شائعةً، إلى حدّ أنها سُمِّيَت بالعامية بـ”التفييش” أو الفيش”، دلالةً على الملف الرسمي الذي يفتحه ضابط في مايتعلّق بشخص معيّن. وغالباً مايعيّن الضباط أيضاً مجنّدين للقيام بأعمال الصيانة والبناء في منازلهم وممتلكاتهم الشخصية، إضافة إلى نقل أولادهم إلى المدرسة بالسيارات العسكرية. كما أنهم يقبلون الهدايا أو الأطعمة المحلية المميّزة من مسقط رأس المجنّدين (في بعض الحالات، العسل من حماة أو الجبنة من دير الزور) مقابل غضّ النظر عن المخالفات.
ومع أن العمل الإداري النموذجي يمكن نظرياً أن يساعد الضابط على التقدّم، إلا أن المحسوبية والزبائنية كانتا تقليدياً العاملَين الرئيسَين في الترقيات، ولاسيما على مستوى الرتب المتوسطة والعليا.6 فالترقّي لما بعد رتبة عقيد كان ببساطة أمراً مستحيلاً من دون الصلات الضرورية. وفي هذا السياق، تذكّر مجنّد سابق، عُيِّن في وحدة رسم الخرائط في فرقته في الجيش في العام 2002، أنه كان يضطّر إلى القيام بأبسط المهام المهنية لرئيسه العقيد، الذي كان يفتقر حتى إلى المهارات الأوّلية في علم رسم الخرائط. وهذا العقيد بالتحديد، الذي كانت له روابط عائلية في أجهزة الأمن، أصبح عميداً في العام 2005، وتولّى لاحقاً قيادة فوج في درعا في العام 2012.
مع الوقت، تراجع الجيش السوري وأصبح يشبه أي بيروقراطية حكومية أخرى، حيث الطموح الأول للعاملين فيه كان تحسين مواقعهم لتحقيق الكسب الشخصي. وقد تذكّر أحد الضباط القدماء أنه من ثمانينيات القرن الماضي وصولاً إلى بداية القرن الحالي، أصبحت التفتيشات السنوية التي يخضع إليها الضباط، والتي تُعرَف بـ”المشروع الحربي”، عبارة عن تقييمات شكلية – إذ يصل المفتّشون إلى القواعد العسكرية، ويستمتعون بوجبة طعام دسمة مع الضباط، ثم يوقّعون الشهادات الضرورية. وكان كلٌّ من النظام والجيش على علمٍ بهذه الممارسة الشائعة، إلا أنهما لم يفعلا شيئاً للحدّ منها
عقب انتفاضة العام 2011، سهّل افتقار الجيش السوري إلى الاحترافية، في الواقع، قدرة النظام على السيطرة وتخطّي أقسام سلك الضباط التي عارضت قمع الجيش للمعارضة. لم يكن لانشقاق أكثر من 3000 ضابط، معظمهم من السنّة، في خلال العام 2011، تأثيرٌ ضارٌّ يُذكَر على تماسك الجيش وقدرته العملياتية،8 بما أن الهياكل الرسمية التي عمل فيها هؤلاء الضباط سابقاً لم تكن أساسيةً لأداء الجيش. وهكذا، برزت شبكات المحسوبية بصفتها سلسلة القيادة غير الرسمية للنظام بحكم الواقع، حالما تعسكرت الأزمة في العام 2012. كان في مقدور النظام أن يصدر الأوامر عبر نظام فعّال قائم على شخصيات موثوقة ترتبط ببعضها البعض بشكلٍ وثيق عبر صلات عائلية وطائفية، وبمصالح تجارية ومالية مشتركة. على سبيل المثال، بدأ ابن خال بشار الأسد والمستثمر البارز، رامي مخلوف، تمويل قوات النمر في العام 2013 تحت قيادة العقيد سهيل الحسن، وهو ضابط مخابرات علوي وشخصية شهيرة لدى العلويين. وقوات النمر هي وحدة نخبوية تتمتّع بتجهيزٍ أفضل من الجيش، وتضمّ ضباطاً معظمهم من العلويين، من الفرقتَين الرابعة والحادية عشرة. كذلك، عمدت إدارة المخابرات الجوية التابعة للنظام إلى تجنيد مدنيين علويين وتدريبهم للالتحاق بهذ القوة الخاصة.
علاوة على ذلك، استطاع النظام،من خلال التحايل على بيروقراطية الجيش الرسمية، أن يتفاعل سريعاً مع الصراع المتفاقم. رَدُّ النظام على التظاهرات في مدينة حمص المركزية في أيار/مايو 2011، في ظلّ وجود مراقبين دوليين، يُظهِر كيف حصل ذلك. فبغية تضليل مراقبي الأمم المتحدة، زوّد أعضاء في النظام للضباط والجنود المحليين هويات مدنية وبزّات شرطة، ونشرهم إلى جانب المتظاهرين، فاستطاع النظام بذلك أن يتملّص من الاتهامات بأن الجيش قمع الاحتجاجات بشكل عنيف.10
التحصّن في الأرض السوري
صمد الجيش في بقاع أساسية من الأراضي في وجه تقدّم المعارضة منذ العام 2012، وذلك جزئياً بفضل تنظيمه المناطقي للفرق القتالية. كانت كل فرقة تعيّن في منطقة محدّدة، وفي قسمٍ من الأراضي المحيطة. قيادة الفرقة تقع في تلك المناطق، كما منشآت التدريب، ومخازن الوقود، ومستودعات الذخيرة والمعدات، والمساكن العسكرية. وتشكّل هذه المنشآت، إلى جانب أي مراكز سكانية ومنشآت مدنية مجاورة تقع ضمن منطقة عمليات الفرقة، وحدةً إداريةً معقّدةً تُعرَف بالقطّاع.
من خلال تَحصّن كل فرقة في قطّاع ما، تصبح مهنة الضابط وحياته متشابكتَين مع فرقة الجيش المحدّدة والقطاع حيث يتواجد الضابط والفرقة. وهذا الأمر حال دون انشقاق الضباط. وفي المقابل، يمنح الجيش قائد الفرقة تفويضاً مطلقاً للتصرّف بالمنطقة التي يُشرِف عليها. وقد أُضفي الطابع الرسمي على هذه الصلاحية في باب القانون العسكري السوري المتعلّق بمسؤوليات الضباط، وينصّ على أن “القائد يستطيع التعامل مع أي حَدَثْ ضمن قطاعه، من دون طلب إذن القيادة [زارة الدفاع في دمشق] إن لم يكن ثمة تواصل أو في الحالات الطارئة”.11
أسّس الرئيس حافظ الأسد نظام القطاع بدايةً في العام 1984 بهدف تحييد الطموحات السياسية لشقيقه رفعت، بعد أن بدا أن مرضاً ألمَّ به لفترة وجيزة وشرّع الأبواب أمام خلافته. وبعد إعادة توكيد سيطرته واستئناف مهامه الاعتيادية، عيّن حافظ الأسد رؤساء عددٍ من فرق الجيش والقوات الخاضعة إلى قيادتهم في قطاعات محدّدة، للحؤول دون حصول أي تحدٍّ لحكمه. هذا الانتقال إلى نظام القطاع مكّن القادة من تشكيل إقطاعيات في مناطق أساسية من البلاد حيث تقع هذه القطاعات. على سبيل المثال، خلال تسعينيات القرن الماضي، سيطر قائد الرقة الأولى، إبراهيم الصافي، على بلدة الكسوة والمناطق المحيطة بها على مشارف دمشق، حيث تواجد قطاع الفرقة الأولى. ولاستعراض سطوته، بنى بشكل غير شرعي منزلاً صيفياً خارج محيط القطاع، بالقرب من مساكن المدنيين في الكسوة – ولم يلقَ سوى معارضة ضئيلة، هذا إن وُجِدَت.12 في الوقت نفسه، استطاع الرئيس استخدام نظام القطاعات للحدّ من نفوذ قادة الفرق، بتأليب أحدهم على الآخر، وبالتالي تجنّب أي عمل مشترك بينهم من شأنه أن يؤدّي إلى انتزاع السلطة عبر انقلاب عسكري.13
قدرة الجيش على الصمو
في آذار/مارس 2011،كان الجيش السوري يتألّف من اثنتي عشرة فرقة، تركّز ثقلُ توزّعها على قطاعاتها بشكل كبير في جنوب البلاد وجنوب غربها الأقرب إلى إسرائيل، ماعكس الاعتبارات الاستراتيجية لسبعينيات وثمانينيات القرن الفائت. كانت الفرقتان الخامسة والتاسعة، ولاتزالان، متمركزتَين في ضواحي مدينة درعا الجنوبية؛ أما الفرقة الخامسة عشرة فتتواجد في السويداء، التي تقع أيضاً في الجنوب؛ وثمة ست فرق حول دمشق؛ وتتمركز الفرقتان الحادية عشرة والثامنة عشرة في حمص؛ أما الفرقة السابعة عشرة فتتواجد في الرقة.
مع تقدّم الصراع، احتفظ الجيش السوري بقبضته على الأراضي محقّقاً نجاحاً أكبر بكثير في المناطق التي يقع فيها قطاعٌ متحصّن. ومع أن مساحات واسعة من البلاد سقطت في أيدي قوات المعارضة، بقيت فرق الجيش كلها متماسكة، وهي لاتزال تقود قطاعاتها. الاستثناء الوحيد هو الفرقة السابعة عشرة في الرقة، التي هزمها تنظيم الدولة الإسلامية في صيف العام 2014. والحال أن هذه الفرقة كانت أقلّ تحصّناً في قطاعها من الفرق الأخرى، نظراً إلى أنها كانت أُنشِئَت حديثاً بعد اجتياج العراق بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003
في المقابل، نُشِرَت ألوية الجيش في محافظة حلب في المناطق حيث لاتوجد قطاعات عسكرية، ثم انسحبت لاحقاً تحت وطأة تقدّم المعارضة. تلك كانت الحال أيضاً في العام 2012 في محافظة إدلب، حيث أقام الجيش مجمّعاً عسكرياً كبيراً لإيواء الألوية والوحدات التابعة لفرقٍ عدة تعمل في منطقة المسطومة. لم تكن القاعدة العسكرية الواقعة هناك جزءاً من قطاع أُقيم منذ أمد، فسقطت في غضون شهر بعد محاصرتها في نيسان/أبريل 2015 – وانسحب الجيش من دون أن يبذل جهداً جدّياً للحفاظ على موقعه. لكن في قطاعات درا المُنشَأة منذ وقت طويل، تخضع الفرقتان الخامسة والتاسعة في الجيش إلى حصار أطول مدةً وأشدّ ضراوة من حصار إدلب، ومع ذلك واصلتا السيطرة على المنطقة.14
مُقاولة المهام القتالي
إسناد مهام المشاة إى قوات شبه عسكرية
منذ بداية الحرب، تغيّرت العلاقة بين الجيش السوري وبين نظام الأسد بشكلٍ كاسح. ففي حين أن عناصر الجيش لطالما اعتمدت على النظام للحصول على المزايا من شبكات المحسوبية، قلبت الانتفاضة علاقة التبعية هذه. فالنظام بات يحتاج إلى الجيش للحفاظ على قبضته على الميليشيات التي تقاتل نيابةً عنه – وهو يُلبِس هذه المجموعات المسلحة أيضاً عباءة الدفاع عن الدولة والعمل من أجل المصلحة الوطنية. لهذا السبب يُعَدّ الجيش، أكثر من أي مؤسسة حكومية أخرى، مركزياً لزعم النظام بأنه الحامي الشرعي للبلاد طيلة الصراع.15 ولذا، إذا انهار الجيش، سيلحق النظام  به حتماً بعدها بوقت قصير.
لكن حتى قبل العام 2011، كان الشبان السوريون يجدون طرقاً عدة لتفادي الخدمة العسكرية – وهو أمر أعاق لاحقاً قدرة النظام على شنّ عمليات قتالية طويلة الأمد. فغالباً ماسعى الشبان السوريون وراء وسائل لتجنّب الخدمة العسكرية، بما فيها الذهاب إلى الجامعة، أو العمل خارج البلاد في الخليج العربي لسنوات طويلة،  لدفع 5 آلاف دولار بدل إعفاء من الخدمة،16 أو الفرار كلّياً من سورية
وإذ أدرك النظام أهمية الجيش، كان عليه معالجة هذا النقص في القوة البشرية. وبغية تحفيز المزيد من المجنّدين، قصّرت الحكومة مدة الخدمة العسكرية الإلزامية في العام 2005، من سنتَين ونصف السنة إلى سنتَين. بيد أن الإصلاحات النيوليبرالية للحكومة جعلت القطاع الخاص خياراً مربحاً أكثر، حتى للعلويين
كما اتّخذ النظام خطوةً غير مسبوقة في العام 2011، تمثّلت في الإبقاء على المجنّدين الذين يُطلَق عليهم اسم “الدورة 102” حتى العام 2016،  ولم يمنحهم سوى راتباً شهرياً يتراوح مابين 60 و100 دولار بصفتهم ضباط صف.17 لكن حتى هذا التدبير لم يكن كافياً، فلجأ النظام بشكل متزايد إلى إنشاء/واستخدم المجموعات شبه العسكرية.
أتاح قانون الخدمة العسكرية، وهو الإطار القانوني الذي يحكم الجيش رسمياً، استخدامَ المجموعات شبه العسكرية هذه، إذ أنه يسمح “للقوات الفرعية” و”القوات الأخرى التي تقتضي الضرورةُ إنشاءها” بالقتال إلى جانب الجيش.18 وتقع الميليشيات في الفئة الأخيرة، لأنها تُعَدّ مجموعات مسلحةً مستقلةً تعمل في إطار الجيش. ويُذكَر أن لجيش عبّأ مجنّدين لإنشاء مجموعات شبه عسكرية بدت مستقلة ولكنها في الواقع كانت تعمل تحت إشرافه.
عموماً، كان التجنيد شبه العسكري ناجحاً أكثر بكثير من التجنيد في الجيش، إذ أنه يجري عادةً من خلال الشبكات المحلية غير الرسمية والروابط العائلية أو المجتمعية المحلية. كما أن هذه المجموعات تقدّم راتباً أفضل – 30 ألف ليرة سورية مقارنةً بـ18 ألف ليرة سورية في الشهر للجندي العادي (أي 136 دولاراً مقارنةً بـ81 دولاراً). وتتيح المجموعات شبه العسكرية عادةً للمقاتلين البقاء قريباً من ديارهم – وهو أمر مهم في حربٍ حيث العدد من المقاتلين يهتمّون في الدفاع عن منازلهم ومجتمعاتهم المحلية أكثر مما يهتمّون في الدفاع عن النظام. هذا ومن الأسهل الانضمام إلى مجموعة شبه عسكرية ثم هجرها، مايشكّل إغراءً للرجال في سنّ الخدمة العسكرية، الذين قد يُجنَّدون بدلاً من ذلك لسنوات عديدة.
تشكّل قوات الدفاع الوطني في مدينة حمص مثالاً ممتازاً على قدرة النظام على تعبئة السوريين عبر المجموعات شبه العسكرية. فبحلول منتصف العام 2013, كانت قوات الدفاع الوطني في حمص والمناطق المحيطة بها قد اجتذبت مايناهز الـ30 ألف مقاتل تحت قيادة صقر رستم، وهو علوي تخرّج كمهندس مدني، وابن شقيقة بسام الحسن، الضابط في الحرس الجمهوري الذي أسّس قوات الدفاع الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن رستم لايتمتّع بأي خلفية عسكرية سابقة
بشكل عام، يمكن أن تُصنَّف هذه القوات شبه العسكرية في إحدى فئتَين: تلك المجموعات التي ترتبط بشكل وثيق بجهاز أمن النظام والحرس الجمهوري عبر العميد بسام الحسن، وتلك التي ترتبط شخصياً بعائلة الأسد ومؤسساتها الخاصة. لذا، عندما كان الحسن يشكّل قوات الدفاع الوطني، كان رامي مخلوف يستخدم أموالاً خاصة لإنشاء جمعية البستان للأعمال الخيرية. ومع أنها كانت بدايةً مؤسسةً خيرية، إلا أنها أنشأت لاحقاً فرعاً أمنياً، يجتذّ إجمالاً العلويين من مركز الطائفة الساحلي في اللاذقية وطرطوس. إضافة إلى ذلك، أُنشِئَت قوة أخرى هي صقور الصحراء، فرديّاً على يد محمد جابر، وهو رجل أعمال تربطه صلات وثيقة بالنظام. وتتمتّع هذه الميليشيات، التي تتمركز حول شخصيات نافذة، بأسلوب مافياوي.
غالباً مايشير أعضاء قوات الدفاع الوطني إلى الحسن على أنه الخال. وعلى نحو مماثل، يُلقَّب محمد منصور بالعمّ، وهو ضابط صف متقاعد يرأس قوةً من قوات الدفاع الوطني في الرقة قوامها 5000 عنصر.1
من العام 2012 وصاعداً، انتشرت هذه القوات شبه العسكرية في أرجاء سورية، وتراوح حجمها من عشرة آلاف إلى 40 ألف عضو. وقد نُشِر بعضها فقط في أراضٍ محدّدة يتراوح حجمها من حيٍّ إلى منطق بكاملها، وجرى تشكيلها وتسريحها بسرعة وفقاً لمهمات راهنة. في المقابل، أظهرت مجموعات شبه عسكرية أخرى درجةً أكبر من التنظيم والهرمية الداخليَّين، مع سلسلسة قيادة واضحة ترقى إلى دمشق. وفي حين تشبه بعض هذه المجموعات كتائب الجيش في كل شيء إلا الاسم، ثمة مجموعات أخرى أشبه بجهات مُقاوِلة خاصة مع مهام محدودة، مثل تأمين نقاط التفتيش ومدّها بالعناصر. في أي حال، حمت القوات شبه العسكرية الجيش من الإرهاق، وهي تُظهِر تماسكاً داخلياً أكثر مما تظهره القوات المسلحة السورية.
لعبة التوازن بين الجيش والقوات شبه العسكري
بذل النظام مجهوداً كبيراً لإدارة توزيع العمل بن الجيش وبين المجموعات شبه العسكرية، وللحفاظ على ميزان القوى المناسب بينهما. فكان عليه أن يحرص على أن تبقى القوات شبه العسكرية معتمدةً على الجيش، لئلا يتم تجاوزه في عملية صنع القرار، أو يُنظَر إليه على أنه يفقد مصداقيته. وذلك يتطلّب، قبل كل شيء، الحفاظ على التفوّق النوعي للجيش في تمويل الأسلحة وتوزيعها. وقد حرصت دمشق، بشكل خاص، على أن يُحافظ الجيش على احتكاره للأسلحة الثقيلة المتطورة، وأن تحصل المجموعات شبه العسكرية فقط على أسلحة خفيفة أو آليات مدرّعة للاستخدام عند الضرورة.
على نحو مماثل، غالباً مايقوم الضباط السابقون في الجيش، المُنتَدَبون لنقل الأسلحة إلى المجموعات شبه العسكرية، بتوجيه هذه المجموعات واختيار مواقع نشرها استناداً إلى التطورات على الأرض والاستراتيجية العسكرية. على سبيل المثال، أنشأ بسام الحسن قوات الدفاع الوطني، لكن أوكلت مهمة قيادتها إلى هواش محمد، وهو ضابط في الجيش. وفي منطقة الشاعر القريبة من حمص، تخضع قوات البستان عملياتياً وإدراياً إلى إشراف قطاع الجيش المحلي. وينسّق ضباط الجيش لوجستيات البستان مع الفرقة الثامنة عشرة
النظام كان يُسارع إلى التدخّل في الحالات التي شهدت نشوب نزاع بين المجموعات شبه العسكرية وبين الجيش السوري. فعقب تأجّج التوترات بين الفرع المحلي لقوات الدفاع الوطني وبين وحدات الجيش في حمص، حظّر النظام على أيٍّ كان يتجاوز عمره الخامسة والثلاثين من أن يبقى عضواً في قوات الدفاع الوطني، فخسر كثيرون مناصبهم مدفوعة الأجر، أو انضمّوا إلى قوات شبه عسكرية أخرى موالية للنظام تتمركز في أماكن أخرى. وبالتالي، تقلّص قوام الفرع المحلي للقوة المقاتلة إلى أقلّ من 5 آلاف رجل، وهو تراجٌ حيّد الخطر الذي كانت ستُشكّله هذه القوة على الجيش أو سلطة النظام.20
لكن في الوقت نفسه، دفع فقدان الأراضي النظامَ إلى الاعتماد أكثر فأكثر على المجموعات شبه العسكرية لاحتواء الخسارة واستعادة المصداقية. ومع أن الجيش كان على الخطوط الأمامية في المراحل الأولى للصراع، إلا أن ذلك انتهى بعد معركة بابا عمرو في حمص في العام 2012، حيث تكبّد الجيش خسائر فادحة في الأرواح. وقد سلّطت معركة الخالدية، وهو حيٌّ آخر في حمص في العام 2013، الضوء على مقاربة النظام الجديدة: إذ كُلِّفَت الميليشيات بإزاحة القوات المتمرّدة، فيما كان الجيش يدعمها من الخلف وهو على استعداد لبسط سيطرته عند توقّف القتال. ولمّا كانت المجموعات شبه العسكرية تدير إجمالاً العملية البرية، استطاع النظام التركيز أكثر على تسلّحه وقوته الجوية المتفوّقَين. ومذّاك، دعم الجيش مراراً وتكراراً العمليات شبه العسكرية بالأسلحة الثقيلة في أرجاء البلاد: من حصار بدعمٍ منه في درعا، ونشرٍ للدبابات في بابا عمرو، إلى حملة القصف بالبراميل ضد المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة في حلب.
هذا الدعم المفتوح الذي قدّمه الجيش السوري إلى النظام أدّى إلى حال استقطاب في المجتمع السوري إزاء المؤسسة العسكرية. ففي حين بدأت فصائل المعارضة تُطلق على الجيش اسم جيش الأسد، صوّر النظام الحرب على أنها صراع ضدّ التدخّل الخارجي والإرهاب. وقد عزّزت قدرةُ الجيش على الصمود طوال خمس سنوات من الحرب هذه السردية. وبالفعل، أصبح الجيش يمثّل القانون والنظام بالنسبة إلى العديد من السوريين القاطنين في المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام – بغضّ النظر عن آرائهم السياسية. لكن المفارقة أن الفساد هو أسوأ مايكون في صفوف الجيش، واستخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين لم يكن يوماً على قدر هذا النطاق الواسع
التدخّل الخارجي عبر الجيش السور
شكّلت المساندة الخارجية من داعمي النظام الدوليَّين والإقليميَّين، روسيا وإيران، عاملاً أساسياً في تمكين الجيش من التأقلم طيلة الصراع، ولاسيما منها المساعدة المالية والموارد البشرية. فقد زوّد كلٌّ من الحليفيَن الجيش بالدعم اللوجستي، إضافة إلى تشكيل أسلاك شبه عسكرية جديدة لاتُحصى تقوّي الجيش ولاتحلّ محلّه.
روسيا على وجه الخصوص، أصرّت على تقديم المساعدة العسكرية عبر قنوات عسكرية موجودة أصلاً. تاريخياً، ربطت الاتحاد الروسي وسلفه الاتحاد السوفياتي صلاتٌ وثيقة وبراغماتية مع الجمهورية العربية السورية؛ فنظام البعث في دمشق كان الأبرز من بين حلفاء موسكو القلائل في الشرق الأوسط. كما أن الجيش لسوري أفاد من الدعم التقني والمالي الروسي منذ إنشائه في العام 1946 تحت إشراف سوفياتي.21 وفي العام 2005، أعفت روسيا سورية من 10 مليارات دولار من أصل دينٍ مقداره 13 مليار دولار لتطوير الجيش السوري بتجهيزاتٍ روسية. كما ازدادت ميزانية سورية لشراء الأسلحة بأربعة أضعاف في خلال السنوات الأربع التالية، وقد أُنفِق نصفها تقريباً على المعدات الروسية.22 وتواصل دعم روسيا للجيش السوري في الصراع الحالي: ففي شهر كانون الثاني/يناير 2012 وحده، تلقّى النظام 60 طنّاً من الذخيرة من موسكو.23
الأهم أن روسيا دخلت الصراع السوري مباشرةً في خريف العام 2015 لتُكمِّل هياكل الجيش القائمة. وقامت روسيا، جنباً إلى جنب مع شخصيات النظام، وبدافعٍ جزئياً من حاجة الحملة الجوية الروسية إلى تنسيقٍ عن كثب أكثر مع القوات على الأرض، بإنشاء وحدةٍ جديدةٍ تُدعى الفيلق الرابع، تجمع مابين قوات من الجيش وقوات من الميليشيات. وتضمّ هذه المجموعة، ومقرّها اللاذقية، قوات شبه عسكرية مرتبطة بالنظام السوري (مثل قوات الدفاع الوطني وقوات النمر)، تحت الإشراف المشترك لضباط سوريين وروسيين وإيرانيين.
في المقابل، اضطلعت إيران بدور فاعل أكثر في نشر الميليشيات، التي تعمل كلها ضمن الإطار العسكري للجيش السوري، على الرغم من تمتّعها بدرجةٍ معيّنةٍ من الاستقلالية. وهكذا، احتفظت مختلف فرق الجيش بسلطتها على قطاعاتها، في حين عزّزت المساعدة الخارجية القدرة القتالية لميليشيات الجبهة الأمامية. وسواء كانت هذه الميليشيات هيئات مُشكّلة حديثاً أم كانت مجموعات مستقلةً قبل الحرب، كما هي حال حزب الله، فهي تعمل في سورية فقط بمباركة النظام وتحت هيكل القيادة الخاص بالجيش. وفي هذا السياق، شكّل لي معلا، وهو لواء علوي نافذ، قناةً مهمةً بين السفارة الإيرانية في دمشق وبين الجيش السوري. والواقع أن دوره يشكّل مثالاً يُظهِر كيف يمكن لسلاسل القيادة غير الرسمية للنظام أن تتجاوز هيكليةَ الجيش الرسمية، مستجيبةً بسرعة وبراعة للتطورات، وضامنةً في الوقت نفسه بقاء بُنية الجيش على حالها.
أحد الأمثلة على ذلك برز في بداية العام 2015، عندما طلب قائد فرقة تابعة للنظام دعماً إيرانياً لإعادة تدريب الفوج السابع والستين من الفرقة الحادية عشرة في الجيش، حيث كانت الفرقة تتمركز في حمص، وتولّي الكتيبة مهمة الدفاع عن المنطقة شمال جبال القلمون. وقد سهّل لؤي مُعلا التدخّل السريع لفيلق الحرس الثوري الإسلامي في إيران
ودفع الإيرانيون لكلٍّ من مدرّبيهم حوالى ضعف مايتقاضاه ضابط سوري عادي، وزوّدوهم ببزات الحرس الثوري، ماساعد في تعزيز الانطباع بأن الفوج السابع والستين أصبح وحدة إيرانية بالوكالة. وأُعيد نشر الفوج لاحقاً مع الفرقة الحادية عشرة ووُضِعَت تحت قيادتها وهيكلها اللوجستية.24 صحيح أن الإيرانيين تركوا بصمتهم على هذا الفو، إلا أنه كان جلياً أيضاً أن تدخّلهم جاء ردّاً على طلب الجيش السوري، وأنهم انصاعوا إلى الجهاز الهيكلي للجيش.
مثال آخر هو قوات المغاوير، وهي فرع من قوات الدفاع الوطني أُسِّس في العام 2012 من قبل شخصيات بارزة في النظام ومدرّبين إيرانيين، ليكون قوةً قادرةً على القيام بتدخّل سريع في منطقة عمليات واسعة. ومع أن ضباط قوات الدفاع الوطني هم جزء من هذه القوات، إلا أنهم يُدرَّبون في منشآت الجيش ويُمنَعون من القيام بعمليات مستقلة. ويمكن أن تُنشَر قوات المغاوير فقط بطلبٍ من قادة الجيش، وهي حتى في هذه الحالة تُنشَر لمهام قصيرة فقط دعماً لوحدات الجيش النظامية حصراً. وبالتالي، تعمل هذه الوحدة القتالية المدعومة من إيران والمستقلة ظاهرياً ضمن إطار الهيكل القيادي الشامل للجيش السوري.25
في ظلّ هذه التأثيرات الخارجية، حلّت الانتهازية محلّ الاحترافية والعقيدة العسكرية. إذ غالباً ماغيّر الضباط السوريون حلّتهم وسلوكهم وفقاً للجيش الخارجي الذين يعملون معه. فالضباط الذين يخدمون في الفرق التي تتلقّى مساعدةً عسكريةً روسية، يستخدمون المصطلحات العسكرية الروسية، في حين من الشائع أن يزرّر أولئك الذين ينسّقون مع مستشارين إيرانيين ياقات قمصانهم، كما في اللباس المعتمد للحرس الثوري الإيراني. في هذا الإطار، قال ضابط يخدم في فرقة تتلقّى المشورة من الحرس الثوري الإيراني، مازحاً حول مَيل زملائه إلى تقليد المستشارين العسكريين الإيرانيين، إن “الجيش السوري أصب حسينية” أي محفل حيث الشيعة يحتفلون بالطقوس الدينية. وعلى نحو مماثل، يصف الضباط المستشارين العسكريين الإيرانيين وميليشيات حزب الله بـ”الأصدقاء”.26
جيش من الضبا
عانى الجيش السوري من خسارة متواصلة للقدرة الاحترافية منذ بداية الحرب. فنواة الجيش تتألّف الآن من طبقة من الضباط تتّصف بالفساد، وهي ذات طابع علوي أكثر من أي وقت مضى. والمهم أيضاً أن ضباط الصف في الجيش شهدوا مهامَهم تُسلَّم إلى المجموعات شبه العسكرية والميليشيات.
غالباً مايشكّل ضباط الصف العمود الفقري للجيش، إلا أن قدرتهم الاحترافية ومكانتهم العسكرية في سورية كانتا منخفضتَين أصلاً قبل العام 2011، وتدهورتا أكثر مذّاك الحين. إذ كُلِّفوا عموماً بمهام إدارية، من دون الحصول على المنافع والفرص التي يتمتّع بها كلٌّ من الضباط والعناصر شبه العكرية. ولذا، يعتبر الشبان الذين يخدمون النظام المجموعات شبه العسكرية والميليشيات بمثابة خيارات أكثر جاذبية، فهي توفّر حسّاً بالانتماء إلى مجموعة محدّدة، وراتباً أفضل، وفرصة انتزاع المال من المواطنين والتجّار الذين ينبغي أن يمرّوا عبر نقاط التفتيش التي تتولاها عناصر هذه المجموعات.
إضافة إلى ذلك، أسفرت الحرب عن انخفاض حادّ في القيمة الحقيقية لرواتب الضباط (التي انخفضت من معدّل يتراوح مابين 400 و800 دولار إلى 100-200 دولار)، حتى وإن ولّدت فرصاً جديدة لتحقيق الثراء من خلال الفساد. فقد خسرت الليرة السورية حوالى 80 في المئة من قيمتها ماقبل الحرب.27 ونتيجة لذلك، يلجأ الضباط أكثر فأكثر إلى جمع الرشاوى من المجنّدين في مقابل السماح لهم بتفادي الخدمة العسكرية.
كما وسّع الضباط من ذوي الرتب المتوسطة والعالية، الذين تربطهم صلات بالنظام، شبكات المحسوبية التابعة لهم، عبر الإشراف على الميليشيات ونقل الدعم الخارجي. على سبيل المثال، يتلقّى الضابط المسؤول عن التنسيق بين الجيش وجمعية البستان الخيرية في حمص، 100 دولار إضافية من الميليشيا التي يقودها مخلوف إلى جانب راتبه الاعتيادي.28
يستطيع الضباط أيضاً أن يقتنصوا المنافع من خلال إدارة نقاط التفتيش التي تُمسك بها الميليشيات. والواقع أن انتشار نقاط التفتيش وفّر عائدات لكلٍّ من الضباط وعناصر الميليشيات. وقد لقّب السوريون بعض نقاط التفتيش المربحة هذه على مداخل دمشق أو الرقة بـ”حاجز المليون”، في إشارة إلى كمية الأموال الهائلة التي تُحصَّل من الرشاوى من المواطنين الراغبين في المرور عبر الحواجز. كما أن التجار الذين يريدون نقل بضائعهم – ولاسيما المنتجات الغذائية – في أرجاء البلاد، يجب أن يدفعوا ضرائب لمكاتب الترفيق المتواجدة في دمشق، كما في المحافظات التي يمرّون فيها، من أجل أن يرافقهم أعضاء قوات الدفاع الوطني ويسهّلوا مرورهم عبر الحواجز. كما يحصل ضباط الجيش المسؤولون عن وحدات قوات الدفاع الوطني، على منافع مباشرة من رسوم الضرائب، ويحتفظون ببعض منها لأنفسهم، ثم يعيدون توزيع الباقي منها على مقاتلي الميليشيات.
فضلاً عن ذلك، اتّخذ المنتسبون الذين يجري اختيارهم للخضوع إلى تدريب الضباط، هويةً طائفيةً ومحليةً واضحة: فهم علويون بشكل حصري، ويتحدّرون في الأساس من منطقتَي اللاذقية وطرطوس الساحليتَين.29 ومنذ العام 2011، انضمّ 10 آلاف طالب جديد إلى نظام التعليم العسكري في سورية، الذي قُصِّرت مدّته من ثلاث سنوات إلى سنتَين. وعندما اندلعت الانتفاضة، كانت ثلاث دفعات من المجنّدين (من العام 2008 إلى العام 2010) قد انتسبت إلى الكلية الحربية في حمص. ومن العام 2011 إلى العام 2015، واصلت الكلية الحربية اختيار المنتسبين للخضوع إلى تدريب الضباط، مضيفةً دورةً واحدةً كل عام، من الدورة 67 إلى الدورة 71. 30
صحيح أن سلك الضباط لطالما فضّل العلويين، إلا أنه لم يكن على الإطلاق مؤسسة علوية حصراً. ففي نهاية المطاف، يبقى الجيش رسمياً علمانياً، ويُحظِّر إظهار الانتماء الطائفي بشكل صريح. فقبل انتفاضة العام 2011، على سبيل المثال، قبلت الأكاديمية العسكرية في حلب والكلية الحربية في حمص مئات طالبي الانتساب كل عام من خلفيات متنوّعة.
على الرغم من أن نظام الكوتا لدخول الكلية الحربية انحاز إلى المنتسبين من المحافظات التي يسكنها علويون (حماة وحمص واللاذقية وطرطوس)، إلّا أن الدخول كان متاحاً لكل المجموعات. صحيح أن تحوُّل الجيش لصالح طالبي الانتساب العلويين المُدقَّق بهم أمنياً، لم يُقَرّ به علناً، إلا أنه الآن سياسة التجنيد القائمة فعلاً في الجيش. فاللافت أن الكلية الربية تستقطب معظم منتسبيها من المنطقة العلوية الساحلية بدلاً من حمص، وهي مدينة دمّرتها منذ البداية حربُ مُدُن، حيث العلويون اختاروا الانضمام إلى قوات الدفاع الوطني بدل الجيش. ومن شأن هذا التطور أن يوجّه مستقبل الجيش السوري بشكلٍ يشغل صفوفَه العليا علويون من الساحل، بغضّ النظر عما إذا كان النظام سيبقى أم لا.
في أي حال، تأتي هيمنة العلويين على سلك الضباط نتيجة متطلّبات عملية، واستراتيجيةٍ متغيّرةٍ للنظام: أولاً، نُقِلَت الأكاديمية العسكرية في العام 2014 من مدينة حلب ذات الغالبية السنّية، إلى منطقة جبلة بالقرب من اللاذقية، حيث كانت نسبة كبيرة من السكان ماقبل الحرب من العلويين. وعدم قدرة معظم السوريين على التحرّك بحريةٍ في أرجاء البلاد، تجعل من الصعب أكثر على القاطنين خارج اللاذقية أن يخوضوا امتحانات الدخول العسكرية المطلوبة. ثم أن عملية الحصول على التصريح الأمني المطلوب، تجعل من الصعب للغاية تجنيد غير العلويين. علاوة على ذلك، لايخضع المنتسبون الجدد وحدهم إلى تدقيق سياسي وأمني أوسع، بل يطال هذا التدقيق عائلاتهم المباشرة والبعية أيضاً. وهذا الأمر يعيق بشدّة حظوظ المنتسبين المحتملين من السنّة، الذين يُحتمَل أكثر بكثير أن يكون لهم قريب ينتسب أو يُشتبَه في انتسابه إلى مجموعة مُعارِضة. لذا، يتضمّن التدقيق الأمني التأكّد من المعلومات من المخاتير المحليين الذين يقدّمون خدمات بيروقراطية للقرى والأحياء الحضرية.
خلاصة
أصبح لجيش أكثر فساداً بشكلٍ كاسح، وأكثر انعزالاً عن المجتمع الأوسع في السنوات الخمس منذ بداية الصراع السوري. فالشبكات العسكرية من المحسوبية والزبائنية، التي كانت أصلاً مترسّخةً بعمقٍ قبل انتفاضة العام 2011، حوّلت الجيش، ولاسيما سلك الضباط، إلى منظمات سرقة وفساد. هذا وأدّى تجريد الجيش من الاحترافية والحرب القائمة إلى تجويف مؤسّسي، الأمر الذي لم يترك أمام الضباط خياراً إلا التواطؤ مع شبكات النظام، واستغلال الفساد للتعويض عن رواتبهم المنخفضة. وإذ أصبح الجيش أقل احترافاً، أصبح أكثر اعتماداً على المنتسبين العلويين للمساعدة في التصدّي إلى مكامن النقص التنظيمي فيه.
مع ذلك، كانت مفارقة صمود الجيش أساسيةً لبقاء نظام الأسد. فإسناد العمليات البرية إلى القوات شبه العسكرية أتاح للجيش أن يتفادى الكثير من الخسائر في أرض المعركة. كما أنه ساهم في تجنّب الانشقاقات الجماعية، وفي تعزيز صورة الجيش لدى مناصري النظام على أنه دعامة راسخة للوحدة الوطنية
إذا ما انطلقت، في خاتمة المطاف، مفاوضات فعلية لإنهاء الصراع السوري، فليس للنظام ولا للمعارضة أي مصلحة في تفكيك الجيش، لأن من شأن ذلك أن يسفر على الأرجع عن الانهيار التام للدولة السورية وتجدُّد الحرب. وقد استخدم النظام هذا الواقع لمصلحته: فمن خلال حرصه على أن يبقى الجيش مجرّداً من الاحترافية، ضمن اعتماد الضباط عليه، وأطال أمد نفوذه عبر سلاسل القيادة الموازية.
مع ذلك، كانت علاقة الجيش التكافلية مع النظام مضرّةً تماماً لقدرته وتماسكه، ولذا لابد من معالجتها. والحال أن اللجوء ببساطة إلى تطهير الجيش من الضباط العلويين أو قلب هيمنتهم بكوتا طائفية أو إثنية مؤقّتة، سيبوء على الأرجح بالفشل. لذا، من شأن مقاربة أكثر فعالية لأي حكومة جديدة في سورية أن تقوم على الاستثمار في عملية إعادة الاحترافية إلى سلك الضباط بشكل منهجي. فذلك سيساعدفي تقليص اعتماد الضباط على شبكات النظام، ويُضعِف بالتالي قبضة النظام على الجيش. كما ينبغي حتماً استخلاص عملية القبول في الأكاديمية العسكرية والكلية الحربية من سيطرة الأجهزة الأمنية ووضع حد لتفضيلاتها. فمن شأن هذا الإجراء أن يضمن تكافؤ الفرص لطالبي الانتساب من الطوائف والمناطق كافة في سورية، على أن يترافق ذلك مع تشديد شروط القبول. في موازاة ذلك، يجب أن يُعزّز دور ضباط الصف ومكانتهم، عبر تدريبٍ أفضل وزيادة سبل الترقّي.
ففي النهاية، من شأن تحفيز كلٍّ من الهوية المؤسسية لمؤسسة عسكرية وطنية موحّدة والولاء لها، أن يعزّز قبول عملية الانتقال السياسي.
هوام
 ما لم يُذكَر خلاف ذلك، يستند هذا التحليل الإقليمي إلى مقابلات أجراها الكاتب ومعلومات جمعها في سورية مابين حزيران/يونيو 2015 وكانون الثاني/يناير 2016.
2 Volker Perthes, “Si Vis Stabilitatem, Para Bellum: State Building, National Security, and War Preparation in Syria,” in War, Institutions, and Social Change in the Middle East, ed. Steven Heydemann (Berkeley, CA: University of California Press, 2000), 149–73.
3 خضر خضّور، “”غيتو” ضباط الأسد: لماذا لايزال الجيش السوري مواليا؟”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2015
4 مقابلة أجراها الكاتب مع ضابط متقاعد، بيروت، نيسان/أبريل 2015.
5 ملاحظة الكاتب، دمشق، أيار/مايو 2011.
6 مقابلة أجراها الكاتب مع ضابط متقاعد، بيروت، نيسان/أبريل 2015.
7 مقابلة أجراها الكاتب مع مجنّد سابق في الجيش، بيروت، آذار/مارس 2014.
8 Hicham Bou Nassif, “‘Second-Class’: The Grievances of Sunni Officers in the Syrian Armed Forces,” Journal of Strategic Studies 38, no. 5 (2015): 626–49.
9 استناداً إلى معلومات جرى جمعها لهذا التحليل الإقليمي في سورية، آب/أغسطس 2015.
10 ملاحظة الكاتب، حمص، أيار/مايو 2011. أنظر أيضاً: “قوائم بأكثر من 63 ألف بطاقة شرطة وزعها النظام على مخابراته”، زمان الوصل، 4 آب/أغسطس 2015. https://www.zamanalwsl.net/news/63064.html
11 أنظر المنشور “مهام القائد في المعركة الحديثة”، جزء من البرنامج التعليمي للمدرسة العسكرية.
12 ملاحظة الكاتب، دمشق، 2011.
13 بشير زين العابدين، “الجيش والسياسة” (لندن: دار الجابية، 2008)، 460.
14 مقابلة أجراها الكاتب عبر مستشار مع ضابط في الجيش من الفرقة الخامسة، دمشق، شباط/فبراير 2015.
15 في مايتعلّق بسيطرة النظام على الدولة، أنظر: خضر خضّور، “إمساك نظام الأسد بالدولة السورية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 8 تموز/يوليو 2015.
16 أنظر “قانون رقم 30 المتعلق بخدمة العلم”، سوريا اليوم، 31 أيار/مايو 2007. http://www.syriatoday.ca/law-30-army.htm
17 أنظر”الدورة 102: ما لها وما عليها: إسمع صوتهم”، وكالة أوقات الشام الإخبارية، 26 آذار/مارس 2015. http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=26706
18 أنظر نقابة المحامين السوريين، “قانون الخدمة العسكرية”، 21 نيسان/أبريل 2003، آخر تحديث في تموز/يوليو 2010. http://www.syrianbar.org/index.php?news=150
19 مقابلة أجراها الكاتب مع عضو في جمعية البستان الخيرية (بواسطة سكايب)، أيلول/سبتمبر 2015.
20 مقابلة أجراها الكاتب مع عضو في قوات الدفاع الوطني (بواسطة سكايب)، آب/أغسطس 2015.
21 أنظر: Elvin Aghayev and Filiz Katman, “Historical Background and the Present State of the Russian-Syrian Relations,” European Researcher 35, no. 11-3 (2012): 2066–70.
22 Pieter D. Wezeman, “Arms Transfers to Syria,” in SIPRI Yearbook 2013: Armaments, Disarmament and International Security (Oxford: Oxford University Press, 2013).جرى الاطلاع على المرجع آخر مرة في 18 شباط/فبراير 2016: http://www.sipri.org/yearbook/2013/files/sipri-yearbook-2013-chapter-5-section-3
23 Dmitri Trenin, “The Mythical Alliance: Russia’s Syria Policy,” Carnegie Endowment for International Peace, February 2013.
24 مقابلة أجراها الكاتب مع عضو في قوات الدفاع الوطني (بواسطة سكايب)، آب/أغسطس 2015.
25 مقابلة أجراها الكاتب مع عضو في قوات الدفاع الوطني (بواسطة سكايب)، أيلول/سبتمبر 2015.
26 مقابلة أجراها الكاتب مع عضو في قوات الدفاع الوطني (بواسطة سكايب)، تشرين الأول/أكتوبر 2015.
27 أنظر: Dawn Kissi, “Syrian Currency Hints Things Are Grim but Not Yet ‘Chaotic,’” CNBC, September 27, 2015, http://www.cnbc.com/2015/09/25/syrian-currency-hints-things-are-grim-but-not-yet-chaotic.html.
28 معلومات تمّ جمعها داخل سورية، حزيران/يونيو 2015.
29 أنظر الصفحة الرسمية للكلية الحربية في حمص على موقع فايسبوك، جرى الدخول إلى الصفحة آخر مرة في 18 شباط/فبراير 2016. www.facebook.com/طلاب-ضباط-الدورة-71-الكلية-الحربية-السورية-656863594348540/?fref=ts
30 مقابلة أجراها الكاتب مع ضابط سوري (بواسطة سكايب)، أيلول/سبتمبر 2015، ومعلومات تمّ جمعها داخل سورية.
=====================
مجلة ناشيونال: السلام الملزم والدائم ليس في صالح الشعب السوري
مجلة ناشيونال: مركز الشرق العربي
ليس هناك أي شك في أن سلاما ملزما ودائما في سوريا ليس في صالح الشعب السوري فقط، ولكن لصالح المنطقة والعالم أيضا. وبالمثل، ليس هناك شك أيضا بأن تحقيق هذا الناتج في بيئة غاية في التعقيد سوف يكون صعبا جدا وينضوي على العديد من التنازلات. أحد الأمور المؤكدة؛ هو أنه ولترسيخ أي اتفاقية في محادثات جنيف، المنعقدة هذا الأسبوع، يجب أن يكون هناك اتفاق بين المعارضة والنظام السوري على بشار الأسد. حاليا، نقطة الخلاف الأساسية هي الإصرار العنيد من جانب مفاوضي النظام على أن بقاء الأسد في منصبه خلال أي فترة انتقالية أمر لا يمكن نقاشه. ولكن المعارضة تصر على أنه يجب أن يرحل.
جرائم الأسد من الكثرة بحيث لايمكن حصرها. من خلال قمع المظاهرات التي كان يطالب فيها عدد من الناس بإصلاحات قليلة نسبيا، فإنه سرع من حالة الاضطراب في البلاد وحولها إلى حرب أهلية شاملة. كما أن يداه ملطختان بدماء الآلاف من السوريين وأفعاله هي التي أدت بصورة كبيرة إلى نزوح الكثير من المواطنين وخلق أزمة للاجئين لم يشهد العالم مثلها منذ 70 عاما.
ولكن الأسد كان محظوظا. حيث ترك حرا يتصرف كما يشاء في سنوات الصراع الخمس عندما راوغ الرئيس أوباما حيال خطه الأحمر على استخدام الأسلحة الكيماوية. مؤخرا، تمتع النظام بدعم روسيا، التي انضمت قواتها الجوية إلى الحرب للهجوم على أهداف لداعش ولكن الوضع الراهن بقي كما هو في دمشق. دون دعم روسيا، إضافة إلى حزب الله وعملاء إيران الآخرين، كان الأسد رحل منذ زمن أو أنه في وضع صعب جدا.
ربما كان من غير المستساغ رؤية الأسد مستمرا في منصبه، ولكنه أمر ثانوي حيال تحويل وقف إطلاق النار الحالي إلى سلام دائم، ومحاولة تطبيع الأمور بصورة ما في سوريا، وإعادة بناء البيوت والحياة وهزيمة داعش. بعد أن نكون قد قطعنا مسافة طويلة، فإنه سوف يكون من الخطأ بالنسبة للمعارضة الذهاب بعيدا في الوقت الحالي. الشعب السوري وكل الذين تأثروا بالحرب وأزمة اللاجئين، يستحقون ما هو أفضل من ذلك.
======================
فورين أفّيرز  :تنسيق روسي أميركي بشأن قواعد اللعبة بسوريا
أشار الكاتب أندرو تابلر -في مقال بمجلة فورين أفّيرز الأميركية- إلى ما سماه بقواعد اللعبة بين الولايات المتحدة وروسيا في الحرب التي تعصف بسوريا منذ سنوات، وقال إنه يبدو أن موسكو بدأت مؤخرا تصغي إلى واشنطن بشأن سوريا.
وأوضح الكاتب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن منتصف الشهر الماضي عن عزمه سحب قواته من سوريا، في ما بدا أنه استجابة لتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما المتكررة بشأن ضرورة الابتعاد عن المستنقع السوري.
وأضاف تابلر أن بوتين ألحق تصريحاته بشأن الانسحاب من سوريا بتصريح نادر من نوعه يثني فيه على الحنكة السياسية للرئيس أوباما، وذلك أثناء استقباله وزير الخارجية الأميركي جون كيري أواخر الشهر الماضي.
وسرعان ما اتفق كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على عدد من النقاط لا تقل عن خمس، بخصوص التنسيق المفترض بين الطرفين بشأن الأزمة السورية.
مؤشرات
وأضاف الكاتب أن واشنطن تتحرك أيضا نحو الموقف الروسي، وأن مؤشرات مبكرة على هذا التقارب ظهرت، من ضمنها قيام بوتين بتسليم مسودة دستور إلى كيري مبني على وثائق أعدها خبراء قانونيون مقربون من حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وأن مسودة الدستور السوري هذه تتضمن بقاء الأسد في السلطة مع احتمال وجود ثلاثة نواب للرئيس.
وأشار الكاتب إلى أن عديدين يعتقدون أن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا ما هو إلا وقفة تكتيكية تهدف للتحضير لحملة روسية إيرانية لتشديد الخناق على مدينة حلب شمالي سوريا.
وأضاف أن تحركا لذوي القبعات الخضر الإيرانيين لوحظ في جنوبي حلب، وأن موسكو فشلت حتى الآن في إقناع الأسد بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية لمئات الآلاف المحاصرين في سوريا بشكل عام.
وأشار الكاتب إلى أن روسيا قامت بتقليص وإعادة نشر قواتها في سوريا ولكنها لم تنسحب من البلاد بشكل كامل، بينما لا تزال منظومة صواريخ أس 400 المتطورة في مكانها للدفاع عن قاعدة حميميم ضد أي هجوم محتمل، وكذلك من أجل منع أميركا ودول الجوار السوري من إقامة منطقة حظر طيران في سوريا دون موافقة من موسكو.
وأضاف أن روسيا نشرت أيضا قوات خاصة في سوريا من أجل تحديد أهداف مستقبلية للضربات الجوية الروسية، وأنها قامت بتحريك طائرات مروحية إلى قواعد في شرقي مدينة حمص وسط البلاد.
وأشار الكاتب إلى أن بوتين سبق أن أعلن عن "انسحابه" من سوريا دون استشارة الأسد، فتبين وكأنه يتخلى عنه، وأن بوتين أبدى استياء من أداء الأسد في أرض المعركة وكذلك على طاولة المفاوضات.
======================
ذا ناشونال إنترست :هل عادت أميركا وروسيا للحرب الباردة؟
تساءل الكاتب روبرت ليغفورد: هل الولايات المتحدة وروسيا تعودان للحرب الباردة من جديد، وأشار إلى أنهما تشهدان حالة من المواجهة الفاترة، وتتبنيان مواقف ميزت المواجهة السابقة بين القوتين العظمتين.
وأضاف في مقاله بمجلة ذا ناشونال إنترست الأميركية أن روسيا لم تعد قوة عظمى كسابق عهدها قبل انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي، لكنها تشكل تهديدا كبيرا في ظل امتلاكها قوة نووية هائلة، وبسبب توسع نفوذها في الشرق الأوسط.
وأشار الكاتب إلى أن الحرب الباردة الجديدة بين الجانبين تفاعلت أكثر مع محاولة أوكرانيا الانتقال إلى الغرب، وفي ظل نظر روسيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) على أنه تهديد مباشر للمصالح الروسية، وهو يتمدد إلى الشرق.
وأضاف أن روسيا ستواجه قيودا مالية حادة خلال 2017، وذلك في ظل رفض السعودية الانضمام إلى اتفاق يتعلق بضبط إنتاج النفط.
تحذير
من جانبها، نسبت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال كورتس سكاباروتي القول إن الوقت قد حان لكي تذوق روسيا من طعم التكتيكات التي تستخدمها.
وأضاف القائد الأميركي أن كل الخيارات متاحة بما فيها القوة العسكرية، وذلك أثناء جلسة النقاش في الكونغرس بشأن كيفية الرد على العدوان الروسي الأخير على القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا الشرقية.
وجاء تصريح الجنرال سكاباروتي أثناء شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بعد أسبوع من تحليق مقاتلات روسية وطائرات مروحية هجومية بشكل متكرر فوق المدمرة الأميركية "يو أس أس دونالد كوك" في بحر البلطيق.
مدمرة
وأوضحت الصحيفة أن الطائرات الروسية حلقت يومين على مسافة قريبة من المدمرة الأميركية، وذلك في خطوة لاقت تنديدا من جانب كل من وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) والناتو اللذين عدّاهما خطوة "غير آمنة وغير حرفية".
وأضاف سكاباروتي أن التحركات الروسية الأخيرة ممثلة في عملية تحليق الطائرات الروسية وزيادة الدوريات البحرية الروسية لدعم الانفصاليين الأوكرانيين إنما توحي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول عمدا تفريق منظمة حلف شمال الأطلسي.
وأضاف الجنرال الأميركي أنه إذا تعرضت القوات الأميركية في أوروبا للأذى في ظل السلوك الروسي في الآونة الأخيرة، فإنها لن تتردد عن القيام بالرد بالمثل.
وقال إنه يؤيد مقترحات لزيادة حجم القوات المنتشرة بشكل دائم في أوروبا، وذلك لتعزيز مصداقية الولايات المتحدة في مواجهة ارتفاع الضغط الروسي.
وأشارت الصحيفة إلى أن شهادة الجنرال الأميركي أمام الكونغرس يمكنها أن تشعل التوتر في العلاقات المتوترة أصلا بين كل من واشنطن وموسكو، وذلك بالرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يشر إلى الأمر أثناء اتصال هاتفي مع بوتين الاثنين الماضي، ناقش خلاله الرئيسان قضايا أمنية أخرى.
======================
خبير إسرائيلي: وداعا للإخوان.. أهلا بالسلفيين
توقع كاتب إسرائيلي صعودا للسلفيين في الشرق الأوسط خلال العقد القادم، وحذر من إستراتيجية السلفيين الهادفة "لاستعادة الإمبراطورية الإسلامية للسيطرة على المنطقة".
وقال الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية البروفيسور يارون فريدمان -في مقال تحليلي بصحيفة يديعوت أحرونوت- إن الوضع السائد في المنطقة العربية يقول "وداعا للإخوان المسلمين وأهلا بالسلفيين".
وبرر الكاتب رأيه بالدعم المالي الذي يقدم للجماعات السلفية في مصر والأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية، بموازاة الحرب التي تشنها الأنظمة العربية ضد جماعة الإخوان المسلمين، مما يرشح السلفيين لأن يكونوا الحركة الإسلامية الأكثر وزنا في منطقة الشرق الأوسط خلال العقد القادم.
وأضاف في قراءة تحليلية موسعة أن السلفيين -وعلى عكس الإخوان المسلمين- يوجهون عداءهم بصورة مباشرة ضد الشيعة وإيران على وجه الخصوص، وفي مرحلة لاحقة يأتي الدور على مواجهة "العدو الصهيوني".
وأشار إلى أنهم يجدون أنفسهم يخوضون معارك على ثلاث جبهات أساسية: الأولى جبهة داخلية سنية ضد المنظمات المعتدلة على غرار الإخوان المسلمين، والثانية ضد إيران، والثالثة ضد الغرب.
وتابع "في النهاية تسعى هذه الجماعات السلفية لاستعادة الإمبراطورية الإسلامية للسيطرة على الشرق الأوسط كله. وهذه الجماعات السلفية تحمل مفاهيم غير ليبرالية ولا ديمقراطية، وتعتمد على مبدأ التكفير".
ولاحظ الباحث الإسرائيلي أن الأنظمة العربية تبدو متسامحة إزاء الجماعات السلفية على عكس سياستهم تجاه الإخوان المسلمين، ويقبل الزعماء العرب بالقاعدة السلفية القائلة إن "حاكما مستبدا أفضل من الفوضى". ورغم أن العديد من السلفيين رأوا في الربيع العربي "ظاهرة تافهة"، فإنهم استغلوا الثورات العربية، وعملوا على تزعم التيار الإسلامي.
واعتبر أن التيار السلفي يقوى في المنطقة رويدا رويدا، وهم في مناطق مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ولبنان ينتظرون ساعة الانطلاق. ورغم أن أعدادهم غير معروفة بدقة في هذه البلدان لأن جزءا كبيرا من أعمالهم تتم بصورة سرية، فإن الشباب العرب الصغار يتسارعون بالانضمام لهذه الجماعات السلفية لأنهم يرون فيها طريقا وسطا بين الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة، وفق رأيه.
وختم الباحث الإسرائيلي مقاله التحليلي بالقول "في اللحظة التي تبدي فيها الأنظمة العربية ضعفا أو تراجعا، فإن هذه الجماعات السلفية سوف تسارع لرفع العلم الأسود، والانضمام للمنظمات الجهادية، والسيطرة على الأرض، كما حصل في مناطق أخرى في أفغانستان وليبيا وسوريا والعراق".
======================
ياروسلاف تروفيموف* - (وول ستريت جورنال) 10/4/2016 :هل ستعني حدود جديدة صراعا أقل في الشرق الأوسط؟
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد
تعيش منطقة الشرق الأوسط مع تركة قابلة للاشتعال من الدول المنحوتة بشكل مصطنع من بقايا الإمبراطورية العثمانية.
*   *   *
بعد وقت قصير من انتهاء الحرب العالمية الأولى، أخذ وزيرا الخارجية الفرنسي والبريطاني إجازة من العمل العمل الشاق المتعلق بإعادة رسم خريطة أوروبا، من أجل مناقشة الأمر الأكثر سهولة، والمتعلق بتحديد أين ستمر الحدود في منطقة الشرق الأوسط التي تم احتلالها حديثاً.
وقبل سنتين من ذلك، في العام 1916، كان الحليفان قد اتفقا على مناطق النفوذ المخصصة لكل منهما في اتفاق سري -معروف باسم اتفاقية سايكس-بيكو- للتقسيم والتقاسم. لكن الإمبراطورية العثمانية أصبحت الآن مهزومة ومحيَّدة، وشعرت المملكة المتحدة بعد أن قامت بمعظم القتال ضد الأتراك أنها كسبت الحق في نيل مكافأة أكثر دسماً.
"قل لي ماذا تريد"، قال الرئيس الفرنسي جورج كليمنصو لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد بينما يدخلان السفارة الفرنسية في لندن.
"أريد الموصل"، قال رئيس الوزراء البريطاني.
"هي لك". أي شيء آخر"؟ سأل كليمنصو.
وفي ثوانٍ قليلة، كان ذلك. انتهى المطاف بالموصل، أكبر محافظة في الإمبراطورية العثمانية، وموطن سكان من العرب والأكراد السنة، والغنية بالنفظ، لتكون جزءاً من دولة العراق المنشأة حديثاً، وليس جزءاً من دولة سورية المنشأة حديثاً أيضاً.
قبل انهيار دولتهم، كان العثمانيون يديرون إمبراطورية متعددة الأديان واللغات، والتي حكمها سلطان يحمل أيضاً لقب الخليفة -قائد المسلمين في كل أنحاء العالم. ومع ذلك، وإثر انضمامهم إلى الجانب الخطأ من الحرب العظمى، شهد العثمانيون إمبراطوريتهم وهي تُقسَّم على يد رجال الدولة الأوروبيين الذين يعرفون القليل عن شعوب المنطقة وجغرافيتها وعاداتها.
كانت الدول الشرق أوسطية الناتجة عن ذلك التقسيم في أغلبها مخلوقات اصطناعية مُفتعلة، أحياناً بحدود مرسومة بخطوط مستقيمة بطريقة غير معقولة. ومنذ ذلك الحين، استمرت تلك الدول بشكل عام في المضي ضمن حدودها الموضوعة من الحقبة الاستعمارية، على الرغم من المحاولات المتكررة لتوحيدها في إطار القومية العربية.
ومع ذلك، أفضى اختلال التوازنات الموجودة في داخل بعض هذه الدول المختلقة حديثاً -وخاصة سورية والعراق- إلى تفريخ دكتاتوريات وحشية، والتي نجحت على مدى عقود في قمع الأغلبيات القلقة وفي إدامة حكم الأقليات.
لكن ذلك كله ربما بات يقترب الآن من نهايته. فقد كفت كل من سورية والعراق عملياً عن العمل كدول. وتقع أجزاء كبيرة من كلا البلدين خارج سيطرة الحكومة المركزية، وأصبح معنى الدولة العراقية والسورية نفسه مفرغاً من المعنى بسبب هيمنة الهويات الطائفية والعرقية.
وكان صعود مجموعة "الدولة الإسلامية" نتيجة مباشرة لهذا الانهيار. وأعلن زعيم المجموعة السنية المتطرفة، أبو بكر البغدادي، نفسه على أنه الخليفة الجديد، وتعهد بغسل عار "مؤامرة سايكس بيكو". وبعد أن اندفع رجاله من معقلهم في سورية في الصيف الماضي واستولوا على الموصل، التي تشكل في هذه الأوقات أكبر مدينة في العراق، وعد البغدادي بتدمير الحدود القديمة. وفي ذلك الهجوم، كان من أول أعمال "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، كما تُعرف مجموعته، نسف الحواجز الجمركية والنقاط الحدودية بين سورية والعراق.
يقول فرانسيس رتشاردوني، السفير الأميركي السابق إلى تركيا ومصر، والذي يعمل الآن في مؤسسة "مجلس الأطلسي" الفكرية في واشنطن: "إن ما نشهده الآن هو زوال النظام ما بعد العثماني، وزوال الدول المشروعة. وتشكل الدولة الإسلامية قطعة من ذلك، وتملأ فراغاً خلفه انهيار ذلك النظام".
في خضم الفوضى التي تلف الشرق الأوسط الآن، يبدو أن الدول التي خلقها المستعمرون الأوروبيون قبل قرن من الآن هي التي تنهار أكثر ما يكون. أما في دول المنطقة الأخرى الأكثر "طبيعية"، فإن إحساساً أقوى بكثير من التاريخ والتقاليد المشتركة منع -حتى الآن- حدوث انفجار مماثل.
يقول حسين حقاني، الكاتب والسفير الباكستاني السابق إلى الولايات المتحدة: "يجيء الكثير من الصراع الجاري في الشرق الأوسط نتيجة لانعدام الأمن في الدول المفتعلة. وتحتاج الدول المفتعلة إلى إيديولوجيات الدولة للتعويض عن الافتقار إلى التاريخ، وهي عادة ما تفرد عضلاتها ضد شعوبها الخاصة أو ضد الجيران من أجل تعزيز هوياتها".
في مصر، بتاريخها الألفي وشعورها القوي بالهوية، لم يستنطق أحد تقريباً "مصرية" الدولة الأساسي خلال كامل فترة الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في ثورة العام 2011. ونتيجة لذلك، خرجت معظم المؤسسات المصرية من الاضطرابات سليمة نسبياً، وتوقف العنف على مسافة بعيدة قبل التحول إلى حرب أهلية مباشرة.
كما أن تركيا وإيران -اللتين كانتا في الأزمان الغابرة مراكز لإمبراطوريات هائلة- خرجتا سليمتين إلى حد كبير أيضاً من أحداث السنوات الأخيرة، ولو أن لدى كل منهما أقليات عرقية كبيرة خاصة بهما، بما فيها العرب والأكراد.
مع ذلك، لم تكن دول الشرق الأوسط "المفتعلة" منذورة للفشل بالضرورة، والبعض منها -والأردن حالة ملحوظة- ليست بصدد الانهيار -ليس بعد على الأقل. كما أن العالم يمتلئ بعد كل شيء بالدول متعددة الأعراق والأجناس، والتي تحقق النجاح والازدهار، من سويسرا إلى سنغافورة، إلى الولايات المتحدة التي تظل حديثة العهد نسبياً كأمة، مقارنة بإيران على سبيل المثال.
"في كل هذه الأماكن، ثمة عقد اجتماعي -قائم عادة على الحكم الرشيد والفرصة الاقتصادية- والذي غالباً ما يجعل التنوع العرقي والديني مصدراً للقوة بدلاً من كونه محركاً لعدم الاستقرار. وعلى العكس من ذلك، وحيث خرجت العجلات عن السكة في الشرق الأوسط، لم يكن هناك حكم رشيد -بل إن هناك في الحقيقة حكم مقيت"، كما يقول السيد رتشاردوني.
قبل قرن من الزمان. أمل كثيرون في أن تسير سورية والعراق في الطريق نفسه الذي تسلكه سويسرا أيضاً. وفي ذلك الوقت، أرسل الرئيس الأميركي وودرو ويلسون بعثة إلى الشرق الأوسط لاستكشاف أي دول الشرق الأوسط الجديدة يمكن أن تنهض من ركام الإمبراطورية العثمانية.
تحت الحكم العثماني، لم تكن سورية ولا العراق موجودتين ككيانات منفصلة. وثمة ثلاث محافظات عثمانية -بغداد، والبصرة الموصل- هي التي كانت تتوافق بالكاد مع تكوين عراق اليوم. وثمة أربع أخرى -دمشق، وبيروت، وحلب ودير الزور- والتي كانت تضم سورية اليوم والكثير من أجزاء الأردن وفلسطين، بالإضافة إلى قطاع كبير من جنوب تركيا. وكلها كان يقطنها خليط من الطوائف: العرب السنة والشيعة، والأكراد، والتركمان والمسيحيون في العراق؛ وكل هذه الطوائف في سورية، بالإضافة إلى العلويين والدروز.
قدم مبعوثا الرئيس وودرو ويلسون، هينري كينغ وتشارلز كرين، استنتاجاتهما في آب (أغسطس) 1919. وفي أوروبا في ذلك الحين، كان تفكك الإمبراطوريات النمساوية-الهنغارية والروسية يفضي إلى ولادة دول قومية جديدة على أساس العرق. لكن مسؤولي الولايات المتحدة كانت لهما أفكار مختلفة؛ حيث نصحا ويلسون بتجاهل الفروقات العرقية والدينية في الشرق الأوسط.
اقترح المبعوثان أن ما يشكله عراق اليوم يجب أن يبقى موحداً لأن "حكمة وجود بلد موحد لا تحتاج إلى إثبات في حالة بلاد ما بين الرافدين". كما تحدثا أيضاً لصالح "سورية الكبرى" -المنطقة التي كانت ستضم لبنان والأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية اليوم.
وقال كينغ وكرين إن نهاية الحكم العثماني "توفر فرصة كبيرة -يرجح أنها لن تتكرر- لبناء... "دولة الشرق الأدنى" على الأسس الحديثة للحرية الدينية الكاملة، والتي تضم، عن عمد، أتباع العقائد الدينية المختلفة، وخاصة صيانة حقوق الأقليات". وأضافا أن السكان المحليين "يجب أن يكون حالهم أفضل بكثير في ظل دولة قائمة على الأسس الحديثة" مما كان عليه في ظل الحكم العثماني.
لكن آمال الأميركيين لم يُكتب لها التوفيق.
في سورية، خطبت السلطات الاستعمارية الفرنسية -في مواجهة أغلبية سنية معادية- ودّ العلويين، مجتمع الأقلية الذي يشكل فرعاً من المذهب الإسلامي الشيعي، والذي كان قد عانى من التمييز في ظل الحكم العثماني. بل إن الفرنسيين خلقوا لفترة وجيزة دولة علوية منفصلة في ما يشكل الآن ساحل سورية على البحر المتوسط، وقاموا بتجنيد العلويين بكثافة في القوات المسلحة الجديدة.
وفي العراق، حيث يشكل الشيعة أغلبية السكان، مارست السلطات البريطانية -التي واجهت ثورة شيعية بعد بدء احتلالها مباشرة- لعبة مشابهة. واعتمدت الإدارة الجديدة بشكل غير متناسب على الأقلية العربية السنية التي كانت قد ازدهرت في ظل العثمانيين، والتي التفت الآن حول ملك العراق السني الجديد الذي أحضره البريطانيون من الحجاز المستقلة حديثاً، التي كانت محافظة عثمانية قديماً وأصبحت جزءاً من السعودية منذ ذلك الحين.
ساعدت تلك القرارات في تشكيل مستقبل العراق وسورية بمجرد أن انتهى النظام الاستعماري. فحكمت عائلة الأسد سورية منذ العام 1970؛ وأصبح صدام حسين رئيساً للعراق منذ العام 1979. وعلى الرغم من شعاراتهما الرنانة عن أمة عربية واحدة، حول كلا النظامين بلديهما إلى أماكن تتمتع فيها مجتمعات الأقلية الحاكمة (العلويون في سورية والعرب السنة في العراق) بامتيازات أكثر من الآخرين.
طوال هذه الفترة، تم قمع المحاولات التي بذلتها الأغلبية السنية في سورية أو الأغلبية الشيعية في العراق لتحدي هذه الترتيبات بالغة الاستبدادية من دون رحمة. وفي العام 1982، هدم النظام السوري مدينة حماة ذات الأغلبية السنية بعد ثورة إسلامية قامت هناك، وأطلق صدام غضبه لسحق انتفاضة شيعية قامت في جنوب العراق بعد حرب الخليج في العام 1991.
في سورية اليوم، يدعم الكثير من العلويين الرئيس بشار الأسد ضد الثوار السنة في أغلبهم، بسبب الخوف من أن يفضي انهيار النظام إلى محو مجتمعهم بالكامل -وهو تهديد عززته "الدولة الإسلامية"، التي يعرض متطرفوها السنة على العلويين والشيعة بشكل عام خياراً حاداً بين التحول إلى المذهب السني أو الموت.
وفي العراق، قامت الحكومات التي يهيمن عليها الشيعة، والتي حكمت منذ الغزو الأميركي في العام 2003، بقلب الطاولة على حكام البلد السابقين عن طريق ممارسة التمييز ضد الأقلية السنية. ونتيجة لذلك، تمكنت "الدولة الإسلامية" من الاستيلاء على أجزاء من العراق في العام الماضي من دون معارضة إلى حد كبير، لأن السكان المحليين كانوا ينظرون إلى المجموعة في كثير من الأحيان على أنها أهون الشرين.
يقول والي نصر، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية: "ليست الحدود الإقليمية وحدها هي التي تصنع المشكلة -إنها خريطة الحكم التي كانت أوروبا قد اختلقتها. لقد خلقت القوى الاستعمارية في داخل الدول إدارات كولونيالية قامت بتعليم وتجنيد وتمكين الأقليات. وعندما غادرت تلك الإدارات، وضعت السلطة في يد هذه الأقليات -تركت خلفها دكتاتورية الأقليات".
وأضاف الدكتور نصر: "كانت السلطة دائماً بعيدة عن التوافق في العراق وسورية والعديد من هذا البلدان، ولم تكن هناك صيغة مناسبة لتصويب ذلك الوضع. الفائزون لا يريدون المشاركة، والخاسرون لا يريدون التخلي عن السلطة. إن الشرق الأوسط يمر الآن بفترة من الاضطراب الكبير، والتي سينتهي بعدها إلى تكوين سياسي مختلف جداً، وربما إلى تكوين إقليمي مختلف أيضاً".
ولكن، كم من الشهية توجد في الشرق الأوسط لتغيير هذه التكوينات الإقليمية؟ وإذا ما تغيرت فعلاً، فكيف يمكن أن تبدو الخريطة الجديدة للمنطقة؟
أحد الاحتمالات الواضحة يتعلق بالأكراد الذين كانت رغبتهم بالحصول على دولة مستقلة فيما يشكل الآن شرق تركيا وشمال العراق قد حظيت ذات مرة بإقرار معاهدة سيفر التي لم تدم طويلاً، وهي المعاهدة التي أُبرمت في العام 1920 بين الحلفاء الغربيين والعثمانيين. وسُرعان ما قوبلت تلك المعاهدة بالإنكار الفوري من جهة القوميين الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة. وحتى وقت قريب في حقيقة الأمر، كانت تركيا تنكر وجود عرق كردي مستقل من الأساس.
الآن، اختبر الأكراد، الذين يعيشون متناثرين عبر العراق وتركيا وسورية وإيران، مسبقاً عقوداً من الاستقلال الفعلي في ظل حكومة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق -الجزء الجبلي مما كان ذات مرة محافظة الموصل العراقية. كما أسسوا الآن ثلاثة "كانتونات" للحكم الذاتي في شمال سورية.
يقول كريم سجادبور، محلل الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي: "سوف أتفاجأ إذا لم يكن هناك، في غضون 20 عاماً، بلد يدعى كردستان. إنه موجود فعلاً، بحكم الأمر الواقع".
بلغتهم وثقافتهم المنفصلين، يسيطر الأكراد في العراق الآن فعلياً على حدودهم وأمنهم، ويحدُّون من دخول العراقيين العرب إلى مناطقهم. وعندما اندلعت الحرب الأهلية في سورية، تبنت الميليشيات الكردية مشروعاً وطنياً مختلفاً إلى حد كبير. ويقول مسؤول من الميليشيات الكردية العلمانية التي تحارب "الدولة الإسلامية" بالقرب من مدينة كوباني، التي تشكل أحد "الكانتونات" الكردية الثلاثة في سورية: "الثوار الآخرون يقاتلون من أجل سورية، لكن لدينا نحن كردستان الخاصة بنا، وهذا هو ما نهتم لشأنه".
ومع ذلك، وفيما عدا كردستان، فإن قضية نشوء دول منفصلة جديدة في الشرق الأوسط تصبح أقل وضوحاً، على الرغم من الأهوال العرقية والطائفية التي تعذِّب المنطقة في هذه الأيام.
أولاً، مهما كانت مصطنعة ومختلقة في الأصل، أثبتت دول ما بعد العثمانيين مقاومتها بطريقة مدهشة. ولننظر مثلاً إلى لبنان، البلد المكون من نحو 18 من الطوائف الدينية المتناحرة، الذي نجا من حرب أهلية دموية كثيرة الأطراف في الأعوام ما بين 1975 و1990، وتحدى التنبؤات بزواله الوشيك مراراً وتكراراً. وعلى الرغم من -أو ربما بسبب- ذلك التاريخ المليء بالصراع، ما يزال لبنان واحة للاستقرار النسبي وسط الاضطراب الإقليمي الراهن، حتى مع تعرضه لطوفان أكثر من مليون لاجئ سوري هاربين من الفوضى في الجوار.
يقول ميشيل دون، مسؤول وزارة الخارجية الأميركية السابق الذي يعمل الآن خبيراً لشؤون الشرق الأوسط في معهد كارنيغي: "كان حكام هذه البلدان التي تم تشكيلها على أساس حدود مصطنعة بالتأكيد، قد وضعوا الكثير من الجهد في بناء نوع من الحس القومي. والسؤال هو: كم من الوقت استغرق ذلك؟ ربما لا يكون ذلك الشعور (القومي) قوياً مثلما هو في بلد كان لديه شعور بذاته على مدى قرون، لكنه ربما يكون موجوداً مع ذلك".
في واقع الأمر، ما تزال المشاعر القومية حية إلى حد كبير -حتى في العراق وسورية اللتين أنهكما ومزقهما الصراع. ويقول إياد علاوي، نائب الرئيس العراقي ورئيس الوزراء السابق: "لو أن أي بلد مر بما مر به العراق على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، لكان أوصاله قد تقطعت الآن. كانت إرادة الشعب هي التي أبقت البلد سائراً".
وفي سورية، يتذكر الطالب محمد علي (19 عاماً) طريقة رد فعل السكان المحليين على قدوم "الدولة الإسلامية" في بلدته "البوكمال" بالقرب من الحدود العراقية. وكجزء من حملتهم لمحو الحدود الاستعمارية، قام الحكام الجدد بفصل البوكمال عن المحافظة السورية التي كانت تنتمي إليها وضموها إلى "محافظة الفرات" الجديدة التي أقامتها "الدولة الإسلامية"، والتي تُحكم من مدينة القائم العراقية.
في البداية، كما قال محمد علي، شعر الناس بالإثارة لدى رؤيتهم تدمير الحدود المجاورة. وقال: "على مدى 30 عاماً، لم نكن نستطيع عبور الحدود وزيارة أقاربنا على الجانب الآخر". لكن المزاج تغير منذ ذلك الحين، ليتحول إلى رد فعل وطني وسط الاستياء من العراقيين الذين غمروا المنطقة، وتسيدوا على البوكمال وشحنوا النفط السوري "المسروق" عبر الحدود. ويضيف علي: "إننا لا نريدهم هنا؛ الآن نريد استعادة الحدود".
وهناك مجموعة أخرى من القضايا التي تقف أيضاً في طريق التقسيمات الجديدة المحتملة في المنطقة: أين بالضبط سيتم رسم الخطوط الجديدة؟ وبأي كلفة؟
على الرغم من عمليات التطهير العرقي التي جرت في السنوات الأخيرة، ما يزال السنة والشيعة يعيشون معاً في الكثير من أجزاء العراق، بما فيها بغداد. وسوف يظل عدد كبير من السنة السوريين يفضلون العيش في المدن التي يسيطر عليها نظام الأسد على العيش في المناطق التي دمرتها الحرب تحت سيطرة الثوار.
ويشير السيد علاوي، نائب الرئيس العراقي، إلى أن الكثير من مجموعات البلد القبَلية التقليدية تضم شيعة وسنة على حد سواء -وأن العديد من الأسر العراقية، خاصة في المدن الكبرى، مختلطة أيضاً. ويقول السيد علاوي مازحاً: "يجب أن تمر بغرف نوم الناس حتى تقسم البلد". وفي العراق والأماكن الأخرى، يشكل السنة والشيعة والأكراد بالكاد مجموعات موحدة يحركها الإجماع؛ والخصومات وفيرة في داخلها أيضاً.
ولا يوفر التقسيم الوحيد مؤخراً لبلد عربي -قسمة السودان إلى شمال عربي، وجمهورية جنوب السودان الجديدة غير العربية إلى حد كبير في العام 2011- سابقة مشجعة لراسمي الحدود الجديدة المحتملين. فسرعان ما انزلق السودان الجنوبي في أتون حربه الأهلية الخاصة التي أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت نحو مليونين من ديارهم.
يقول فواز جرجس، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد: "ليس هناك بديل يحل محل نظام الدولة. على العكس من ذلك، ربما تستبدل حرباً أهلية واحدة بالعديد من الحروب الأهلية، وهذا بالضبط ما يمكن أن يحدث في سورية والعراق. إنها حلقة كارثية".
على هذه الخلفية، سوف تكون صياغة عقد اجتماعي جديد من الأسفل إلى أعلى في داخل الحدود الموجودة في المنطقة -وهو ما يُرجح أن يحدث فقط بعد أن يتعب السكان من الحروب التي لا تنتهي- هي السبيل الوحيد للمضي قدماً، كما يقول ستيفن هاردلي، الذي شغل منصب مستشار الرئيس جورج دبليو بوش للأمن القومي، ويترأس الآن مجلس إدارة المعهد الأميركي للسلام.
ويقول السيد هاردلي إن المشكلات في الشرق الأوسط "ليست انهياراً للحدود، وإنما انهيار لما كان يحدث في داخل هذه الحدود: للحكومات التي لم يكن لها الكثير من الشرعية بداية، ولم تكسب الشرعية من شعوبها بعد ذلك. إنك لن تحل هذه المشكلات من خلال إعادة رسم الحدود".
ولن يكون إيجاد حل لهذه المشكلات سهلاً، كما يعترف السيد هاردلي الذي يضيف: "ربما يكون ما يحدث الآن خلاصا من الماضي. وسوف يتطلب الخروج من هذا الوضع عمل جيل كامل".
======================
واشنطن بوست :صفقة مع إيران.. من تحت الطاولة؟!
تاريخ النشر: الأحد 24 أبريل 2016
قارون ديميريجيان*
أطلقت في مجلس النواب الأميركي حملة قوية ضد البيت الأبيض تهدف إلى منع إيران من عقد صفقات تجارية باستخدام الدولارات الأميركية المحظور التعامل بها بناء على العقوبات المفروضة عليها، وهو ما فتح الباب أمام أحدث سجال سياسي بين النواب وإدارة أوباما فيما يتعلق بإجراءات تنفيذ بنود الاتفاق النووي مع إيران. وقد اقترح النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا «إد رويس»، الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، اعتماد إجراءات جديدة هذا الأسبوع تهدف إلى منع إيران من استخدام أرصدتها المحتجزة بالدولار. يحدث هذا في وقت لم يتوقف فيه القادة الجمهوريون في الكونجرس عن توجيه الانتقادات والإدانات اليومية للإدارة الأميركية بسبب عدم الالتزام الكافي بوعودها لمنع إيران من التعامل بأرصدتها المالية المجمدة في النظام المصرفي الأميركي بطرق ملتوية. وفي هذا الصدد، قال «رويس» محذراً: «إذا لم يتوقف الرئيس أوباما عن تقديم التنازلات للنظام الإيراني، فإن الكونجرس ذاته سيقوم بذلك. ويجب ألا نسمح للمرشد الأعلى الإيراني أن يحقق رغبته في القضاء على أميركا باستخدام الدولارات الأميركية التي ندسّها نحن بأنفسنا في جيبه».
وقد دأب مسؤولو البيت الأبيض على إنكار هذه التهمة، وكثيراً ما حاولوا التنصل منها بالزعم أنه لا مصلحة لهم في السماح لإيران بإطلاق تعاملاتها التجارية بالدولارات الأميركية المجمدة. وفي يوم الخميس الماضي، عمد الناطق باسم الكونجرس «بول ريان» (سيناتور جمهوري عن ولاية وسكونسن)، إلى تصعيد حملة «الجمهوريين» عندما قال على صفحات مدوّنته الإلكترونية، إن وزير الخارجية جون كيري هيأ لإيران فرصة غير مسبوقة لاستعادة انطلاقتها الاقتصادية خلال محادثاته مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف هذا الأسبوع. وعبر «ريان» عن اعتقاده بأن يوم الجمعة الماضي ربما يكون قد شهد منح كيري لإيران مفاتيح الدخول إلى أرصدتها المالية المجمدة بالدولار الأميركي بشكل رسمي.
وفي يوم الخميس الماضي أيضاً، أدلى الناطق باسم وزارة الخارجية جون كيربي بتصريح قال فيه إن كيري يعتزم الحديث مع ظريف حول رفع جزئي للعقوبات المالية عن إيران، وأن حكومة الولايات المتحدة تحاول أن تشرح للبنوك الدولية كيف تعقد الصفقات مع إيران بالدولار من دون أن يتعارض ذلك مع العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
وفي محاولة منهم لوضع حدّ لهذه الحملة، أصرّ مسؤولو الإدارة الأميركية على أن إيران لن تتمكن من الدخول إلى حساباتها المودعة بالدولار. يُذكر في هذا الصدد أن الاتفاق النووي قد رفع الحظر الأوروبي على التعامل مع إيران على نحو محدد ببعض الشروط، إلا أن إيران واجهت صعوبة في الاستفادة من هذه الخطوة؛ لأن معظم الأسواق العالمية تحرص على عقد صفقاتها بالدولار الأميركي. وتتخوف البنوك العالمية من مغبّة مخالفة إجراءات الحظر الأميركية التي لا تزال سارية المفعول والمشروطة بامتناع إيران عن ممارسة نشاطاتها النووية.
وقد حاولت الإدارة الأميركية تجنيد عدة مسؤولين كبار للردّ على انتقادات أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس. وأوعزت لـ«آدم تشوبين»، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والجرائم المالية، بإلقاء خطاب في «مركز الأمن الأميركي الجديد» الأسبوع الماضي حول موضوعية إعادة النظر في العقوبات الأميركية ضد إيران وإعادة تحديدها. وركز «تشوبين» في خطابه على مزايا وأخطار التعامل المتصلّب مع العقوبات الثانوية التي تحكم طريقة عقد الدول الأخرى لصفقاتها مع إيران، وهي التي لم تعد تعترف بها إيران في إطار سعيها لاستثمار الاتفاقية النووية على نطاق أوسع. إلا أن الجمهوريين الذين عارضوا الصفقة النووية بقوة منذ البداية، لا يقتنعون بهذا الطرح، وانتقدوا أوباما ومستشاريه على ما أبدوه من استعداد لفتح مصادر التمويل أمام طهران على مصاريعها لمجرّد أن الإيرانيين يتوقعون مثل هذا الإجراء كثمن لتوقيع الصفقة النووية.
وأشار «تشوبين» في خطاب الأسبوع الماضي إلى «المخاطر» التي يمكن أن تنجرّ عن التمسك بـ«العقوبات القاسية» المفروضة على إيران، وقال إن من شأنها أن تشكل خطراً على الدور المركزي الأميركي في التجارة الدولية والصناعة المالية. وفي المقابل، قال كيفن مكارثي عضو الأغلبية الجمهورية في الكونجرس في حديث أدلى به هذا الأسبوع: «يجب ألا تحصل إيران على المكاسب المالية لمجرد موافقتها الشفاهية على هذه الصفقة النووية غير المحبذة».
* محلل سياسي أميركي متخصص في السياسات الخارجية مقيم في موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
======================
لوموند :سوريا: العودة إلى طريق جنيف
نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «سوريا: العودة إلى طريق جنيف»، تحدثت فيها عن الفرص التي يمكن أن يتيحها التفاوض بين أطراف الأزمة السورية في جنيف تحت إشراف دولي، وخاصة بعد إخفاق الدورات السابقة من مفاوضات جنيف، وإن تكشّف الجهد الدبلوماسي خلال الفترة الماضية عن نجاح نسبي وحيد هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين بعض أطراف الصراع، وذلك بضغط كبير من واشنطن وموسكو على الأطراف المتحاربة في الداخل السوري، وإن لم تشمل هذه الهدنة أيضاً أخطر فصيلين إرهابيين هما «داعش» و«جبهة النصرة». وتساءلت الصحيفة، عما إن كانت العودة إلى ما قبل حال وقف إطلاق النار، وما قبل المفاوضات نفسها، وما قبل التدخل الروسي، هي الطريق الأكثر واقعية لإعادة مقاربة الأزمة السورية في خلفياتها وتعقيداتها وتطلعات السوريين لكيفية إيجاد الحلول الحقيقية لكل ما تكشفت عنه من محن ومشكلات. وأهم من هذا كله إعطاء أولوية للاستجابة لتحديات المأساة الإنسانية ذاتها، الأقل حضوراً للأسف في التداول الإعلامي، ووضعها في صدارة الموضوعات المطروحة على طاولة كل تفاوض مقبل في جنيف، أو في أي مكان آخر.
ومن غير مقاربة شاملة ومؤثرة، وفي ظل تقطع وتردد لقاءات جنيف، وعدم حسمها أو قدرتها على حلحلة مواقف النظام السوري، والمعارضة، وداعميهم الدوليين، لا يكون ثمة شك في أن الحالة السورية ستعاود السقوط من جديد في أتون عنف أشرس بكثير، في حرب عبثية لن يستطيع أي طرف حسمها في النهاية. وهو ما يعني، في المحصلة، أن جماعات العنف والإرهاب، التي استغلت تفاقم المحنة السورية ستحاول خلط الأوراق، والاستمرار في استهداف المعارضة السورية المعتدلة. وكذلك النظام أيضاً وداعموه من الجماعات الشيعية المتطرفة سيستمرون هم أيضاً في استغلال حالة حرب الكل ضد الكل، لجعل التوصل إلى حلول سياسية متفاوض عليها ضرباً من المستحيل أو العبث. وهو ما يعني غوص سوريا في مزيد من العنف والقتل، ما يستلزم جهداً دولياً مضاعفاً لإنهاء هذا الصراع الدموي المرير
======================
جريمة «حزب الله» المنظمة العابرة للحدود
ماثيو ليفيت
متاح أيضاً في English
21 نيسان/أبريل 2016
في أعقاب العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية لاستهداف المؤسسات الإجرامية العالمية التابعة لـ «حزب الله»، من بينها لوائح الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل وتصنيفات وزارة الخزانة، من المتوقع أن يصدر "مدير الاستخبارات الوطنية" تقريراً، بتكليف من الكونغرس، حول هذا الموضوع في المستقبل القريب. وكان من المقرر أن يصدر التقرير في 18 نيسان/ إبريل ولكن تم تأجيل ذلك بسبب حساسية الموضوع ما بين الوكالات الأمريكية المتعددة. فبالإضافة إلى كونه يشكل العامل الأساسي لتحديد ما إذا كان سيتم تصنيف «حزب الله» كـ "منظمة إجرامية عابرة للحدود" أم لا، فإن التقرير سيسلط الضوء على الجدل المستعر منذ فترة طويلة بين الوزارات المختلفة حول كيفية تمييز الأنشطة الإجرامية للحزب.
الخلفية
بموجب "قانون حظر التمويل الدولي لـ «حزب الله»" الصادر في عام 2015، يتعين على الرئيس الأمريكي أن يقدم تقريراً عن "أنشطة الحزب الإجرامية الكبرى العابرة للحدود" في مدة لا تتجاوز 120 يوماً من المصادقة على مشروع القانون. وقد انقضت هذه المهلة في 18 نيسان/ إبريل. وفي الشهر الماضي، فوّض الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤولية التقرير إلى "مدير الاستخبارات الوطنية"، الذي من المتوقع أن يقدّم مكتبه هذا التقرير في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. وفي غضون شهر من تقديم التقرير، يتطلب من الإدارة الأمريكية إطلاع الكونغرس على محتويات التقرير ووضع الإجراءات المقررة لإدراج «حزب الله» على لائحة "المنظمات الإجرامية الكبرى العابرة للحدود" بموجب "الأمر التنفيذي رقم 13581" الصادر في عام 2011.
ومنذ نشأته، يهيمن «حزب الله» على شبكات عالمية تضم أعضاء وأنصار لتقديم الدعم المالي واللوجستي، وحتى العملياتي في بعض الأحيان. ويتمكن الحزب، من خلال هذه الشبكات، من جمع الأموال وشراء الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج والحصول على وثائق مزورة، وحتى أكثر من ذلك. يُذكر أن بعضها هي شبكات رسمية تديرها عناصر «حزب الله» على الأرض وفي لبنان نفسها، إلا أن معظمها تم تنظيمه بشكل متعمد ليكون غير رسمي إلى حد كبير؛ وتسعى هذه الشبكات إلى إبقاء صلاتها مع الحزب ضبابية من أجل توفير قدر من الإنكار. وبشكل عام، يميل هذا المشروع الإجرامي لـ «حزب الله» إلى أن يكون منظماً حول عقد مترابطة بشكل فضفاض ولا يعتمد على صلات هرمية وصولاً إلى سلسلة القيادة.
ولكن يجب أن لا يخالجنا أي شك في ذلك: فـ «حزب الله» يعمل بشكل واضح كـ "منظمة إجرامية عابرة للحدود"، وقد تم التأكيد على هذا التقييم مراراً وتكراراً وعلنية من خلال تحقيقات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية. على سبيل المثال، في حكمها الصادر في آذار/ مارس 2013 ضد أحد عناصر «حزب الله» حسام يعقوب، خلصت لجنة من ثلاثة قضاة في قبرص إلى عبارات لا لبس فيها توضح أن الحزب "يعمل كمنظمة إرهابية".
«مُركب صفقات الأعمال» لـ «حزب الله»
في شباط/ فبراير الماضي، أسفرت تحقيقات سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وأوروبا عن الكشف بأن الجناح الإرهابي لـ «حزب الله»، أي «منظمة الأمن الخارجي» (التي تُعرف أيضاً بـ «منظمة الجهاد الإسلامي»)، يشغّل كياناً مخصصاً يكرس عملياته لتهريب المخدرات وغسل الأموال في جميع أنحاء العالم. وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال عملية مشتركة شملت وكالات أمريكية كـ "إدارة مكافحة المخدرات" و"إدارة الجمارك وحماية الحدود" ووزارة الخزانة، و"وكالة تطبيق القانون الأوربية" ("يوروبول")، ووكالة "يوروجست" (وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تتعاون قضائياً في المسائل الجنائية)، والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية. وقد امتد التحقيق ليشمل سبع دول، وأدى إلى اعتقال عدد من أعضاء ما يسمى «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» بتهمة الإتجار بالمخدرات وغسل الأموال وشراء الأسلحة لاستخدامها في سوريا.
و «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» ليس عملية منفردة، فقد توصل المحققون الأمريكيون إلى نتيجة أنه تأسس على يد عماد مغنية، الشخصية الإرهابية الأبرز في الحزب، قبل وفاته في عام 2008، ويتم تشغيله حالياً من قبل مسؤول كبير في «حزب الله» يُدعى عبد الله صفي الدين وغيره من العناصر مثل أدهم طباجة. يُذكر أن صفي الدين، وهو ابن عم الأمين العالم للحزب حسن نصر الله، كان ممثلاً للحزب في طهران وساعد المسؤولين الإيرانيين على الوصول إلى "البنك اللبناني الكندي" المنحل الآن، والذي وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على القائمة السوداء في عام 2011 بسبب علاقاته بتهريب المخدرات على نطاق عالمي وبشبكة غسل الأموال و بـ «حزب الله» مباشرة. وعلى نحو مماثل، أدرجت وزارة الخزانة طباجة على لائحتها في حزيران/ يونيو 2015 لتوفيره الدعم المالي للحزب عن طريق شركاته في لبنان والعراق، واصفة إياه بأنه "عضو في «حزب الله» يحافظ على علاقات مباشرة مع كبار العناصر التنظيمية ... من بينها العنصر التنفيذي للحزب الإرهابي، «منظمة الأمن الخارجي»".
ونتيجة لهذا التحقيق العابر للحدود، ألقت السلطات القبض على "كبار قادة" «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» في "الخلية الأوروبية". ومن بينهم محمد نور الدين، "مبيّض أموال لبناني عمل مباشرة مع الجهاز المالي لـ «حزب الله» لنقل أموال الحزب" من خلال شركاته، مع الحفاظ على "علاقات مباشرة مع عناصر «حزب الله» التجارية والإرهابية في كل من لبنان والعراق." وفي كانون الثاني/ يناير صنفت وزارة الخزانة الأمريكية نور الدين وشريكه، حمدي زهر الدين، كناشطيْن في «حزب الله»، مشيرة إلى أن الحزب يحتاج إلى أفراد مثلهما "لغسل العائدات الإجرامية لاستخدامها في الإرهاب وزعزعة الاستقرار السياسي".
الشركاء الإجراميون لـ «حزب الله»
جاء كشف «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» نتيجة سلسلة من قضايا [الجرائم التي حققت فيها] "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية والتي جرت تحت عنوان "مشروع كاساندرا" الذي استهدف "شبكة عالمية لـ «حزب الله» مسؤولة عن توزيع كميات كبيرة من الكوكايين في الولايات المتحدة وأوروبا". ولكن برزت العديد من الحالات الأخرى في المدة الأخيرة التي تم في إطارها ارتكاب الأنشطة الإجرامية المنظمة العابرة للحدود من قبل أشخاص يتمتعون بعلاقات رسمية، وحتى وثيقة جداً مع الحزب.
لننظر إلى العنصرين اللذين تم اعتقالهما في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بتهمة التآمر لغسل أموال المخدرات والاتجار بالأسلحة على الصعيد الدولي نيابة عن «حزب الله». فقد عرضت إيمان قبيسي، التي اعتقلت في أتلانتا (بولاية جورجيا)، غسل أموال المخدرات لعميل سري وأبلغته بأن زملاءها في «حزب الله» يسعون إلى شراء الكوكايين والأسلحة والذخيرة. إلى جانب ذلك، ناقش جوزيف الأسمر، الذي اعتقل في باريس في اليوم نفسه في عملية منسقة، إجراء معاملات محتملة خاصة بالمخدرات مع عميل سري، وعرض استخدام علاقاته مع «حزب الله» لتوفير الأمن لشحنات المخدرات. وبشكل إجمالي، أشار المشتبه بهما إلى وجود اتصالات إجرامية في عشر دول على الأقل في جميع أنحاء العالم، وسلّطا الضوء على الطابع العابر للحدود لهذه العملية التي يديرها «حزب الله».
وفي الواقع، فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية تم القبض على ميسّري العمليات الإجرامية للحزب في جميع أنحاء العالم، من ليتوانيا إلى كولومبيا وإلى العديد من الدول بينهما. وقد تم إدراج آخرين على لائحة وزارة الخزانة الأمريكية، بمن فيهم رجل الأعمال قاسم حجيج الذي له صلات مباشرة بـ «حزب الله»، وعضو «منظمة الأمن الخارجي» حسين علي فاعور، وعبد النور شعلان، وهو شخص بارز يعمل على شراء الأسلحة لـ «حزب الله» وتربطه علاقات وثيقة مع قادة الحزب. وعلى حد تعبير مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية، "يستخدم «حزب الله» ما يسمى بالأعمال التجارية المشروعة لتمويل وتجهيز وتنظيم أنشطته التخريبية".
إلا أن تورط عناصر فعليين من «حزب الله» في الأعمال الإجرامية ليس بالأمر الجديد. فبغض النظر عن الأتباع الذين يتبرعون للـ "قضية" من عائدات الأنشطة الإجرامية التي يقومون بها، هناك العديد من الحالات السابقة من شبكات "الجرائم العابرة للحدود" التي يديرها «حزب الله» مباشرة. على سبيل المثال، ترأس "شبكة بركات" في منطقة الحدود الثلاثية في أمريكا الجنوبية ممثل نصر الله الشخصي في المنطقة، أسعد أحمد بركات. وعندما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بركات على لائحتها في عام 2004، لم تترك أي مجال للشك حول مكانته في الحزب، واصفة إياه بأنه "ممول رئيسي للإرهاب في أمريكا الجنوبية استخدم كل جريمة من الجرائم المالية المعروفة، بما فيها شركاته، لتوليد التمويل لـ «حزب الله»... فمن التزوير وإلى الابتزاز، ارتكب هذا الشخص المتعاطف مع «حزب الله» جرائم مالية واستخدم شركات وهمية لضمان المال للإرهاب".
المحصلة
«حزب الله» ضالع بعمق بالمؤسسات الإجرامية المنظمة، ويدير شبكات غير مشروعة خاصة به في حين يشارك أيضاً في نشاطات تقوم بها كيانات إجرامية أخرى. ويستند النقاش بين الوكالات الأمريكية حول كيفية تصنيف هذه النشاطات على تمييز لا يحدث فرقاً كبيراً من الناحية العملية. ففي بعض الحالات، تقوم عناصر إجرامية في «حزب الله» بتنفيذ التعليمات التي تحصل عليها مباشرة من مسؤولي الحزب. وفي حالات أخرى، يتشارك أعضاء الحزب أو مؤيديه عائدات جرائمهم مع «حزب الله» ولكن لا يعملون دائماً تحت إشرافه. وفي الحقيقة، يُنظم الحزب أنشطته الإجرامية وعملياته السرية عمداً لتكون مبهمة قدر الإمكان، وبغض النظر عن النموذج المستخدم، يكون الحزب هو المستفيد النهائي.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الارتفاع الأخير في التحقيقات الجنائية إلى تخويف الحزب. ففي خطاب ألقاه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نفى الأمين العام للحزب حسن نصر الله نفياً قاطعاً الاتهامات القائلة بأن «حزب الله» متورط في الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وجرائم أخرى، متحدياً متهمي الحزب بقوله "أحضروا لي أدلة على ذلك!" وهذا ما تم إنجازه، قضية بعد الأخرى، مع الأدلة الوافرة التي قدمتها وكالات إنفاذ القانون الأمريكية والأوروبية. وكجزء من أعمالها المعتادة، تحقق هذه الوكالات بالأنشطة الإجرامية وبالتالي تتمتع بالنظرة الأفضل للحكم على انخراط أي جماعة في جريمة منظمة عابرة للحدود. وفي هذا الصدد، إن وكالات الاستخبارات في وضع صعب وغير مناسب، لذلك يجب أن يعكس التقرير الذي سيصدر في المستقبل من قبل "مدير الاستخبارات الوطنية" الاستنتاجات المتكررة التي توصلت إليها وكالات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية ووزارة الخزانة. وكما بيّن نفي نصر الله على شاشات التلفزيون، تابع المحققون العديد من القضايا المتعلقة بـ «حزب الله» بحيث لا يمكن للحزب بعد الآن التظاهر بتجاهلها. كما لا يجب على "مدير الاستخبارات الوطنية" تجاهلها أيضاً.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن
======================
التايمز: تركيا تستخدم معسكرات اللاجئين كسلاح ضد الأكراد
النشرة الدولية
الأحد 24 نيسان 2016   آخر تحديث 07:56
 
اشارت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية الى أن الجميع في جنوب تركيا كان في انتظار مطالعة وجه المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل التي دعمت المهاجرين بغض النظر عن أي شيء أخر، لافتة الى ان الاستعدادات الكبيرة لزيارة ميركل لم تسمح للكثيرين برؤيتها، موضحة أن بعض المهاجرين المحظوظين فقط هم من تمكنوا من ذلك في معسكر نيزيب في غازي عنتاب وان زجاج نوافذها الحافلة التي كانت تقلها كان مطليا باللون الأسود.
واوضحت الصحيفة ان ميركل قامت بالزيارة للوقوف بنفسها على أوضاع المهاجرين في تركيا والاطلاع على سير الاتفاق بين الاتحاد الاوروبي وتركيا بخصوص أزمة المهاجرين وهو ما دفعها للحضور إلى هذا المعسكر الواقع على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود السورية، مشيرة الى ان "الكثير من المنتقدين في تركيا لسياسات الرئيس رجب طيب إردوغان يعتقدون انه أبرم الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي لمصالح حزبية على رأسها محاربة الاكراد"، لافتة إلى ان "المخيم يقع على بعد عشرات الكيلومترات من نحو 22  قرية كردية في إقليم كهرمان مرة وهو الإقليم الذي عرف تاريخيا بانه خط الدفاع الاول للأكراد في مواجهة الدولة التركية".
واضافت الصحيفة "العمل يجري حاليا على بناء مدينة جديدة في المنطقة التى يقطن فيها حاليا نحو 3 ألاف كردي بحيث تصبح هذه المدينة الجديدة ملاذا لنحو 30 ألف مهاجر سوري بحيث يتم تمويل الإنشاءات من اموال الاتحاد الاوروبي التى سيدفعها بمقتضى الاتفاق وتبلغ نحو 4.7 مليار جنيه استرليني".
======================
إندبندنت :وثائق «تنظيم الدولة» المسربة كنز معلومات حقيقي
THE INDEPENDENT
الأحد، 24 أبريل 2016 01:22 ص
وثائق «تنظيم الدولة» المسربة كنز معلومات حقيقي وثائق «تنظيم الدولة» المسربة كنز معلومات حقيقي
قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن تحليل آلاف الوثائق المسربة من أراضي تنظيم الدولة بسوريا والعراق، أعطت فكرة جديدة وحيوية عن خلفية وخبرات المقاتلين الأجانب المنتمين للتنظيم.
ونقلت الصحيفة ما نشره مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأميركي، من أن كل الأدلة تشير إلى أن الوثائق حقيقية وتكشف المعلومات الشخصية لأكثر من 4 آلاف مقاتل، انضموا لتنظيم الدولة بين عامي 2013 و2014.
وقال محللون إن المعلومات المستخرَجة من الوثائق تفيد من أجل فَهم تدفق المقاتلين الأجانب للتنظيم، مشيدين بأنها خطوة مهمة في تحليل دوافع التنظيم وتقنياته.
ولفتت الصحيفة النظر إلى أن الوثائق وفرت نظرة على معلومات مفصلة عن مقاتلي التنظيم، وتكشف أسماءهم الحقيقية وكُناهم وأعمارهم ودرجة تعليمهم وخبراتهم القتالية وجنسياتهم.
وكشف محللو مركز مكافحة الإرهاب أن تنظيم الدولة به مقاتلون من 77 دولة. إذ ينحدر عدد كبير منهم من دول عربية، فيما بلغ صفوف البريطانيين 26 مقاتلا وهو عدد أقل بكثير من نظيره الألماني والفرنسي.
ومن بين أبرز الملامح التي كشفت عنها الوثائق المسربة مستوى تعليم المقاتلين، إذ أكمل معظم المنضمين تحت لواء مقاتلي تنظيم الدولة الثانوية العامة، فيما حصل كثير منهم على تعليم عال أو درجة جامعية.
ويصف تقرير مركز مكافحة الإرهاب مقاتلي التنظيم بأنهم «من ذوي خلفية تعليمية جيدة بشكل عام»، فبالرغم من أن بعض المقاتلين لم يتلقوا أي تعليم رسمي إلا أن هناك عددا يماثلهم من حاملي الدرجات التعليمية المتقدمة، مثل الاقتصاد وعلوم الحاسب واللغة والفيسيولوجي.
======================
الاندبندنت: لعبة استخباراتية “ماكرة” في سوريا
وخصّصت صحيفة الاندبندنت مساحة وافية للموضوع السوري، فأجرت مقابلة مع أمين عوض، رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط، تحدث فيها عن عدم وفاء المانحين بوعودهم للاجئين السوريين.
كما أجرت الصحيفة قراءة لتقرير أعده قبل اسبوع الصحفي سيمور هيش، واتهم فيه تركيا بشن اعتداء بغاز السارين على دمشق. اضافة الى تخصيصها صفحة ثالثة للبنان المجاور لسوريا، وملف المخطوفين اللبنانيين في السجون السورية.
لعبة ماكرة
خصصت صحيفة “الاندبندنت أون صنداي”، صفحة كاملة لمقال كتبه باتريك كوكبيرن تحت عنوان “لعبة إم آي 6، سي آي إيه وتركيا الماكرة في سوريا”.
يقول كوكبيرن: “يضغط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وسفيرته لدى الامم المتحدة سامانثا باور، من أجل توفير مزيد من الدعم للمتمردين السوريين، رغم وجود أدلة قوية على أن المعارضة السورية المسلحة يسيطر عليها المقاتلون الجهاديون الذين يشبهون تنظيم القاعدة في المعتقدات والأساليب. فالهجوم الأخير الذي شنه المتمردون على اللاذقية، شمال سوريا، والذي سجل في البداية قدرا من النجاح، كان بقيادة جهاديين شيشان ومغاربة”. ويمضي الكاتب قائلاً: “بذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها للإبقاء على سرية دورها في تزويد المعارضة السورية بالسلاح، من خلال وكلاء وشركات وهمية. وهذا ما يجعل المقال الذي نشره سيمور هيرش في “لندن ريفيو أوف بوكز” الأسبوع الماضي تحت عنوان “الخط الأحمر وخط التهريب: أوباما، أردوغان، والمتمردون السوريون” مثيراً للاهتمام”. ويلفت كوكبيرن الى ان “الاهتمام تركز على جماعة جبهة النصرة التي تحصل على مساعدة من الاستخبارات التركية” على حد قوله، و”التي قد تكون وراء الهجوم بغاز السارين على دمشق في 21 اغسطس/ اب، في محاولة لجر الولايات المتحدة الى تدخل عسكري للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد”.
اما الامر الاخر الذي اشار اليه سيمور هيرش، ولم يحصل على الاهتمام الكافي، وفقاص لكوكبيرن، “فهو خط التهريب الذي سمته “سي اي ايه” بـ”خط الجرذان”، وهو شبكة توريد اسلحة الى المعارضين تقف وراءها أمريكا وتركيا والسعودية وقطر. تأتي المعلومات في هذا الاطار ضمن صفقة سرية للغاية، حتى الآن، وردت في تقرير صادر عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الهجوم الذي شنه رجال الميليشيات الليبية على القنصلية الامريكية في بنغازي في 11 سبتمبر/ أيلول 2012 والذي قتل فيه السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز”.
وبحسب الاندبندنت، “تقتضي الصفقة المرفقة بعملية لوكالة الاستخبارات المركزية ، بالتعاون مع الاستخبارات الخارجية البريطانية، إرسال أسلحة من ترسانات معمر القذافي الى تركيا ومن ثم توزيعها عبر الحدود الجنوبية التركية مع سوريا”.
ويمضي كاتب المقال قائلاً: “تشير وثائق الصفقة الى اتفاق تم التوصل اليه في مطلع العام 2012 بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، والسعودية وقطر لتوفير التمويل. وأنشئت شركات وهمية قيل انها أسترالية، وظفت جنود أمريكيين سابقين تولوا مهمة الحصول على الاسلحة ونقلها. وبحسب هيرش، فإن حضور الاستخبارات البريطانية مكّن سي آي إيه من تجنب ابلاغ الكونغرس بعملياتها كما يقتضي القانون، بما انها ستظهر هنا كقوة تنسيق واتصال”.
شبح التعهدات
وفي الصحيفة ذاتها، يجري جايمي ميريل مقابلة مع مسؤول بارز في الأمم المتحدة تحت عنوان “دول العالم تفشل بالالتزام بتعهداتها تجاه سوريا”.
وينقل الكاتب عن المسؤول تحذيره من أن المجتمع الدولي “سيطارده” جيل من الأشخاص الذين يعيشون في معاناة، كما ستطارده موجة من التهديدات الأمنية إذا فشل في الالتزام بتعهداته المالية التي قطعها لملايين اللاجئين السوريين. ففي مقابلة حصرية مع صحيفة “الإندبندنت أون صنداي”، خرج أمين عوض، رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط، بهذا التحذير مع ظهور أرقام جديدة تشير الى طلب الأمم المتحدة من المانحين 6.5 مليارات دولار، لم يتم استلام سوى خمسها فقط.
وأشار عوض الى “الحرب الأهلية التي طال أمدها” في سوريا والتي ترغم 120 ألف شخص على الفرار من البلاد كل شهر. وقال: “هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين تتسبب في توتر مع المجتمعات المضيفة في منطقة الشرق الأوسط، حيث أنهم يضعون حملاً غير عادي على القدرة على التحمل وعلى قطاع الخدمات، مثل توفير المياه النظيفة والتعليم والرعاية الصحية”.
 
======================
كاتب روسي: أمريكا أطلقت الخطة “B” في سوريا
بواسطة بوابة الوطن  - 12 ساعةمضي   @بوابة الوطن
كتب فلاديمير موخين في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، أن واشنطن شرعت عمليا في تنفيذ خطتها “باء” في سوريا بأيدي جهات تركية وعربية لدعم ما يسمى بـ”المعارضة المعتدلة” هناك.
وأشار إلى انسحاب جملة من الزمر المسلحة من الهدنة المعلنة في سوريا والتحاقها بتنظيم “جبهة النصرة” في شن الهجمات على مناطق في محافظات اللاذقية وإدلب وحلب، فضلا عن تسجيل نشاط ملحوظ لهذه الجماعات في ريف دمشق.
ولفت النظر إلى أن استئناف العصابات المسلحة نشاطها شمال سوريا، يترافق بسيل من المواد الإعلامية التي تطعن بجهود الحكومة السورية على مسار السلم والتسوية
وأشار في استطلاع لوسائل الإعلام الغربية والعربية، إلى ورود أكثر من 100 نبأ من نوع واحد راجت يوم أمس وتحدثت عن ضربات جوية للجيش السوري طالت معرة النعمان في ريف إدلب مما أدى إلى مقتل أكثر من 40 مدنيا، وكل ذلك، نقلا عمّا يسمى بـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” في لندن.
والملفت في هذه الأنباء، أن جون كيربي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وفي تعليق على هذه “الضربة” قال: “نرجح أن تكون القوات الجوية السورية هي التي نفذت هذا الهجوم
هيئة الأركان العامة في الجيش السوري، نفت من جهتها صحة هذه الأنباء جملة وتفصيلا، نظرا لأن الطائرات الحربية السورية لم تشن أي غارات تزامنا مع توقيت الحادث المزعوم، وعززت نفيهاهذا، “بأنه يتم في الوقت الراهن تسخير جميع الطاقات وتركيزها على صد هجمات الإرهابيين في محافظتي اللاذقية وحلب”.
دمشق من جهتها، تؤكد حسب موخين، أن ما حدث في معرة النعمان، عمل تخريبي ترافق بسيل كبير من الأخبار التضليلية بما يخدم مناهضي الرئيس السوري بشار الأسد.
من جهتها، ترجح وسائل الإعلام السورية أن تكون قطر وراء تزويد المسلحين بالصواريخ الصينية المذكورة عبر السودان، فيما أسقط المسلحون هذا العام ثلاث طائرات حربية سورية، حسب مصادر صحفية.
وفي التعليق على ما يشاع بصدد الصواريخ الصينية وغيرها التي في حوزة المسلحين، أكد موخين، أنه وإذا ما صدقت هذه الأنباء، فإن قوات الجيش السوري سوف تعاني الأمريّن، حيث ستصبح بين ناري المسلحين والمدفعية التركية المستمرة بين الفينة والأخرى في استهداف مواقع الجيش السوري.
ولفت النظر في هذا السياق، إلى ما نشرته صحيفة “حرييت” التركية مؤخرا نقلا عن مصدر عسكري، أن أنقرة قد استقدمت أعدادا كبيرة من الدبابات والمدافع ذاتية الحركة وعززت بها مواقع الجيش التركي الممتدة على طول الحدود مع شمال سوريا، وذلك “في إطار مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في وقت تعكف فيه تركيا نفسها على تمرير مسلحي التنظيم المذكور وتؤازرهم.
وأشار إلى أن تجدد نشاط المجاميع المسلحة شمال سوريا في إطار ما يسمى بالمعارضة المعتدلة، إنما تمخض عن دعم تركي مستجد، حيث أن الزمر الخارجة من الهدنة لم تلتحق بها قبل أن قصمت عمليات الجيش السوري ظهرها وبعثرت عناصرها.
ولفت موخين النظر في تحليل نشاط المسلحين الملحوظ شمال سوريا، إلى أنه وإذا ما استطاعوا الاستيلاء على خان تومان، فإن ذلك سيتيح لهم قطع الطريق الدولية بين حلب ودمشق من جديد
وذكر أنه، فيما أعلنت دمشق عن التحاق متطوعين عراقيين تابعين لـ”حركة النجباء” بالقوات الحكومية السورية شمال البلاد، تؤكد صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلا عن مصادر رسمية أمريكية، أن موسكو قد نشرت في حلب واللاذقية بطاريات مدفعيتها لرفد الجيش السوري، وذلك رغم نفي روسيا المتكرر إرسال أي قوات برية إلى سوريا.
وبالوقوف على تأكيدات الصحيفة الأمريكية ومصادرها الرسمية، خلص موخين إلى أن ذلك إن دل على شيء، فعلى نية واشنطن نفسها القيام بخطوات كهذه، حيث أعلن ستيف وورن الناطق الرسمي باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، أن قاذفات بلاده “بي-52، التي جرى نشرها مطلع الشهر الماضي في قطر، ما انفكت طيلة أسبوع تستهدف مواقع “داعش” في العراق وسوريا، دون أن يسمي أيا من هذه الأهداف، أو يحدد أماكنها.
وفي ختام التعليق، أعاد موخين إلى الأذهان تركيز واشنطن في السابق على تقديم الدعم للأكراد شمال سوريا، ولم يستبعد في هذه المناسبة، أنه وإذا ما أعلنت رسميا عن انطلاق خطتها “باء”، فإن ذلك سيعني أن طائراتها سوف تقدم الدعم لما يسمى بـ”المعارضة السورية المعتدلة” عبر ضرب قوات الجيش السوري ومواقعه.
======================