الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا .. مذبحة العصر

سوريا .. مذبحة العصر

12.05.2013
سمير الحجاوي

الشرق القطرية
الاحد 12/5/2013
يمكن القول إن المذبحة التي يقوم بها نظام بشار الأسد الإرهابي في سوريا هي مجزرة العصر بلا منازع، لأنها مذبحة تتم تحت بصر العالم وسمعه وأمام الكاميرات على الهواء مباشرة دون أن يتدخل العرب أو أحد في الدنيا لإنقاذ الشعب السوري من المجزرة.
هذا التصرف من العرب والعالم يمثل الدرك الأسفل للسقوط الأخلاقي والإنساني، فالإنسانية تعني نصرة المظلوم والدفاع عن المظلومين والتداعي لحماية الضحايا من البطش والقتل، وهو ما لا يحدث في سوريا.
ما يجري في سوريا من قتل وذبح وتنكيل يعني أن الأمة العربية تعيش في مرحلة انحطاط لا مثيل له في التاريخ، فهذه الأمة لا تجري فيها دماء العروبة ولا تتلبسها عقائد الإسلام، وهذا يفسر لماذا يخذل العرب سوريا والسوريين، فلا نداء الإخوة ولا النخوة ولا الحمية ولا الشرف يعني شيئا للعرب، وخاصة الأنظمة العربية، التي تكتفي بدور المتفرج، أو من يرغب بإبعاد النار عن بيته، حتى لو قتل كل السوريين.
تخطئ الأنظمة العربية إذا ظنت لوهلة واحدة أنها ستبقى في منأى عن الحريق السوري، ويخطئ العرب إذا تخيلوا أن دماء السوريين لن تغرقهم في مستنقع النار الذي يؤججه الأسد وحلفاؤه من "حلف الشيطان الأسود"، وهذه النار لن تحرق السوريين فقط، بل ستطال الجميع، ولن يتأخر ذلك، فالوضع في سوريا يختلف عن لبنان الذي احترق 16 عاما دون أن يتدخل أحد، فالثورة السورية تعيد ترتيب الأوراق في المنطقة والعالم، وهي ثورة تحولت إلى حرب شاملة ليس بين شعب مظلوم ونظام ظالم مستبد فقط، بل تحولت إلى صراع عقائد واديان وايديولوجيات ومصالح، دفعت الجميع إلى التورط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا يتجلى من خلال المعارك التي تدور هناك، فالجميع في المنطقة والعالم يقفون على خط النار والبعض تجاوز خط النار إلى داخل الحريق نفسه، فحزب الله وإيران ونوري المالكي وحلفاؤه دخلوا إلى "الجحيم السوري" وهو جحيم بدأ بحرقهم فعلا، وللتأكيد على ذلك فإن الحلف العلوي الشيعي يخوض معركة عقائدية شعارها "هدم دمشق حجرا حجرا" وتخريب سوريا كلها وتدميرها وقتل شعبها إذا رفض هذا الشعب الاستسلام للأمر الواقع، وهذا ما يظهر جليا في معارك القصير التي يحاصرها عناصر مليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني وقوات الدفاع العلوية "الشبيحة"، فهنا نحن أمام حلف "شيعي علوي" لا يستطيع أحد في العالم أن ينكره، وهذا يفتح الباب أمام صراع شامل بين المسلمين والشيعة سيمتد من باكستان وحتى لبنان، وهي معركة يحاول الجميع أن يتفادها إلا الشيعة، فهم مصرون على التقاط ما يعتبرونه "الفرصة التاريخية" لإقامة "دولة الأئمة " تمهيدا لإخراج المهدي الغائب من سردابه، إنهم يريدون إخراج المهدي من السرداب بإدخال العرب والعالم في النفق، يتزامن ذلك بالطبع مع الطرف الآخر الذي يريد أن يخرج الهيكل المزعوم من سردابه، وهدم المسجد الأقصى لإقامة هذا الهيكل مكانه، وهذا ما يحاول اليهود أن يقوموا به في القدس وفلسطين.
بين إخراج الغائب من السرداب وإخراج الهيكل من غياهب الظلمات رابط عقائدي لا يخفى على أحد، وما يربط بينهما هو ذلك الحبل السري العقائدي الأيدلوجي الخطير، فاليهود يريدون إنزال المسيح لكي يقتل كل "الكفار" والشيعة يريدون إظهار المهدي لكي "يقتل العرب" ويدمر دمشق حجرا حجرا ويغرق البصرة.
فقط اليهود والشيعة يلعبون لعبتهم "على المكشوف" بدون مواربة، وكل الآخرين من العرب والغرب يحاولون التغطية على هذا التوجه وإعطاءه وجها سياسيا عاديا، واعتقد أن جورج بوش الابن وصحبه يدركون ما يجري في سوريا ببعده العقائدي الديني، أما أوباما وبوتن وكاميرون واولاند فهم ما زالوا يطبقون أنظمة قياس سياسية قديمة في سوريا، لكن المشكلة الأكبر أن الأنظمة العربية تدفن رأسها في الرمال وكأن شيئا لا يحدث، ويعتمدون على "حسابات خاطئة" تستند إلى رؤى قاصرة قصيرة المدى غير إستراتيجية على الإطلاق، ويغضون الطرف عن أن العرب يمكن أن يتحولوا إلى "لقمة" في فم إيران الشيعية وحلفائها من الشيعة العرب، وهو ما ينطبق على روسيا التي تتورط في حرب دينية كبيرة ستجعل منها طرفا ربما ينقل المعركة في مرحلة لاحقة إلى عقر دارها، فكم من الشعوب التي لها ثارات كبيرة عند الروس، ليس أولهم الشيشان وليس آخرهم جورجيا وأفغانستان.
الكل يترك سوريا حتى يدرك أنها أصبحت خطرا داهما، وعندما يدركون تكون سوريا قد تحولت إلى خطوط تماس عسكرية وحضارية بين الأمم كلها، وهي ساحة ستجر إليها الكيان الإسرائيلي ومن خلفها أميركا وإيران وروسيا وحزب الله، أما تركيا التي تكتفي بدور إبعاد النار عن حدودها فستكون في وسط المعمعة، والأنظمة العربية التي تحاول أن تبقى كراسي الحكم ستجد نفسها هي الأخرى في وسط المعمعة ليس لأنها ستتدخل، اطلاقا، ولكن لأن الشعوب العربية ستنتصر لسوريا والسوريين وسيذهبون إلى هناك للقتال إلى جانب الشعب السوري، وإذا ما تدخلت هذه الحكومات دون وصول الشباب العربي إلى سوريا فهي ستدخل في صراع معه مما يعني أن المعركة انتقلت إلى هذه الدول، فإما أن يذهب الشباب إلى سوريا للقتال إلى جانب السوريين أو أنهم سيقاتلون الأنظمة التي ستمنعهم.
سقوط الأسد ونظامه وشبيحته كفيل بأن يضمن الهدوء في المنطقة ردحا من الزمن، وغير ذلك فإن الحرب ستبتلع الجميع حتى لو بنوا سدودا شديدة وسكنوا في حصون منيعة.. فلن تمنعهم حصونهم من النار .. ولهذا أقول للعرب والغرب وروسيا والصين .. اسقطوا الأسد قبل أن يسقطكم كلكم في واد لا قرار له .. والأيام بيننا.