الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية.. أرض الثورة اليتيمة

سورية.. أرض الثورة اليتيمة

14.01.2019
خالد بوفريوا


العربي الجديد
الاحد 13/1/2019
كان الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، الذي وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1970، يعمل منذ زمن لإيصال نجله باسل الأسد لوراثة السلطة، ولكن وفاة الأخير جعلت السلطة تذهب نحو بشار الأسد، على الرغم من صغر سنه آنذاك، حيث أعيدت تشكيل شخصيته على يد خبراء سياسيين وعسكريين، كما تم تعديل دستور الدولة، كي يلائم سنه الصغير، وتتحوّل سورية بذلك إلى جمهورية وراثية، أساسها سلالة الدم والقرابة وليس صناديق الاقتراع والخيار الديمقراطي. وبهذا لم يعد مستغربا، أن يفوز بشار في الاستفتاء خلال ولايات رئاسية، ثانية وثالثة..، طوال فترة حكمه لسورية. ولم يعد مستغربا كذلك أن يزدهر القمع والتضيق الأمني وانتهاك الحريات العامة وانتشار جنرالات المال والحيتان والفساد.
وبعد بزوغ ضوء الربيع العربي من تحت المدرعات العربية الجاثمة على شعوبها، كان لسورية حقها من بصيص الضوء هذا، مثل أخواتها من الأقطار العربية، حيث تدفقت الحناجر بهتاف "الله، سورية، حرية وبس" إلى الميادين، مطالبة بالإصلاح والتغيير، والمقصود تغيير بنية السلطة التي يجب أن تفك أسرى سورية، الوطن والدولة، من قيد حزب البعث القائد الرائد إلى دولة تعددية، حيث لا سلطة لأحد على أحد، وقد كانت المدن والأرياف تلتحق ببعضها من كل الجهات، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، فيما النظام يسكتهم بسلاح القمع والترهيب والبراميل والحرب المفتوحة على الشعب.
ومع انشقاقات عن الجيش وتأسس الجيش الحر في يوليو/ تموز 2011، ازدادت المواجهات وخرجت المدن والقرى من خلف قضبان البعث، وبحلول أواخر 2012 كان قد قتل من السوريين أكثر من خمسين ألف، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ما ذكّرنا بالاجتياحات النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وكل هذا لم يكن سوى البداية مما ينتظر الجسد السوري النحيل والمنهوك، حيث ازدادت جلبة النظام وجاءته حشود وتكتلات من حلفاء، أبرزهم من إيران وحزب الله، يقاتلون في صفه، كما تدافع آخرون لصالح الجانب المعارض. ومع استهلال عام 2014 بدأت أوردة نظام الأسد تتمزق لقطع متناثرة والأرض تخرج من قبضته إلى أن تدخلت روسيا عسكريا، فانقلبت الأمور، وبلغ سفك الدماء مستوى خيالي إلى أن ارتوت بوصلة الشام بدماء من هم من عرقها وفصلها وتحولت أرض الثورة اليتيمة إلى ساحة صراع اقليمي ودولي معقد، فيه من الأطماع والكيد ولغة المؤامرات الشيء الكثير.
روسيا أحد أبرز القوى في الصراع الدائر، وهي تدعم نظام الأسد باعتباره الحليف المقرب لموسكو في الشرق الأوسط، وإذا سقط، فستفقد روسيا توازنها في المنطقة، إضافة إلى أنها ستفقد المنفذ الوحيد لها على ضفاف البحر المتوسط (طرطوس).
وبالنسبة لإيران، الحليف العتيق للأسد، يتعلق الأمر بصد نفوذ عدوها الأول السعودية في المنطقة، ولا نستثني الولايات المتحدة الأميركية، فدعمها بعض فصائل المعارضة، وأبرزها "قوات سوريا الديمقراطية" ليس بريئا.
أما تركيا، فتخشى أن يؤدي الحكم الذاتي للأكراد في شمال سورية إلى تقوية النزعة الانفصالية لأكراد تركيا، لذلك شنّت حربا ضروسا ضد وحدات الشعب الكردية التي تصفها بـ"الإرهابية"، لتجد نفسها داخل دوامة هذا الصراع الذي تدخل إليه إسرائيل التي تخشى وصول أسلحة نوعية ومتطورة لحزب الله، لذلك يشن سلاح الجو التابع للكيان الصهيوني غارات ضد مواقع في الأراضي السورية، يقول بأنها تابعة لحزب الله.
اليوم، لم يبق سلاح ولم يستخدم، ولم تبق دمعة إلا وسقطت فوق ركام الجماجم التي استرخصها نظام البعث، وجعلها لقمة مباحة ومتاحة لكل من هب ودب. ومع ذلك، الثورة لم تنتصر، لكنها لن ولم تهزم، ولأهلها في ذمة الإنسانية والتاريخ دين وحكاية.