الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية الصغرى

سورية الصغرى

12.09.2015
د. موسى شتيوي



الغد الاردنية
الخميس 10/9/2015
يبدو أن الأجواء المتفائلة التي سادت مؤخرا حول إيجاد حل سلمي للأزمة السورية بدأت تتبدد. فقد شهدت الأشهر الماضية حراكاً سياسياً غير مسبوق في المنطقة وعلى الساحة الدولية، من أجل التوصل لحل سلمي.
بداية، فوضت الولايات المتحدة روسيا بإيجاد حل سلمي بحكم علاقتها مع النظام السوري من جانب وتعاونها الكبير مع الولايات المتحدة في التوصل للاتفاق النووي مع إيران من جانب آخر. والحراك الذي قادته روسيا شمل حوارات مكثفة مع النظام والمعارضة السورية، وحتى لقاءات مع القادة السعوديين. لا بل إن روسيا في مرحلة معينة أطلقت تصريحات حول مصير الأسد فهم منها أنها غير متمسكة بالمطلق ببقائه في السلطة، وأطلقت مبادرات لمكافحة الإرهاب من خلال حلف إقليمي يضم سورية والسعودية وغيرهما من الدول.
كذلك، قام مبعوث الأمم المتحدة لسورية بنصيبه من اللقاءات مع الأطراف كافة، وخرج بتصور عام، تم تقديمه للأمم المتحدة وتم إقرار خطوط عامة وعريضة في مجلس الأمن بإجماع الأعضاء الدائمين كافة.
ولكن هناك مؤشرات بأن الجهود المشار إليها سابقاً لم تؤد لنتيجة، وأن التوصل لحل سلمي من خلال مرحلة انتقالية تحافظ على الدولة السورية لم يعد أولوية لسورية وحلفائها، أو بالأحرى لم يعد مقبولاً كحل، خشية أن لا تستطيع إيران وروسيا المحافظة على مصالحهما ووجودهما في سورية، والذي يعتبر بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية لكل منهما.
بالنسبة لروسيا، خروج النظام وليس فقط الأسد من المعادلة السورية، يعني بشكل أو بآخر خسارة استراتيجية لوجودها العسكري في المنطقة، إذ لا توجد ضمانة باستمرار هذا الوجود مستقبلاً. وبالتالي، فلا يبدو أنها ستكون متحمسة لأي حل لا يضمن تلك المصالح. وقد حاولت روسيا جاهدة إقناع الدول الإقليمية والعالمية بأن الأولوية الآن يجب أن تكون لمحاربة الارهاب وليس لتغيير النظام.
كذلك الحال بالنسبة لإيران. فسورية تشكل لها عمقاً استراتيجيا مهماً لن تفرط به، ليس فقط من منظور مصالحها في سورية، وإنما أيضاً من منظور مصالحها وعلاقتها مع حزب الله وشيعة لبنان. وما تصريح الرئيس حسن روحاني قبل يومين بأن الديمقراطية ليست أولوية الآن في سورية إلا دليل على ذلك. وكثير من التقارير تشير إلى أن ايران هي التي تُدير الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر في سورية الآن.
هذه المقدمة تقود إلى استنتاج رئيس، بأنه قد يكون هناك تغير في استراتيجة النظام وحلفائه حول مستقبل سورية. وأن التوجه الآن هو ما يمكن أن نسميه "سورية الصغرى" التي تشمل دمشق والمدن الرئيسة، بالإضافة للساحل السوري، والتي تشمل معظم مناطق العلويين. والاشارة الأقوى نحو هذا التغير أعتقد أنها جاءت من بشار الأسد نفسه، حينما قال بأن جيشه لم يعد قادراً على أن يحمي ويدافع عن كل سورية. لكن الذي لم يقله الأسد أنه سيقاتل للمحافظة على سورية الصغيرة.
أهمية سورية الصغرى بالنسبة للأسد وإيران تكمن ليس فقط في أنها تحافظ على مصالح العلويين وإيران، لا بل لأنها سوف تغير المعادلة الديمقراطية، وتُبقي على تفوق الطائفة العلوية من الناحية العددية. فالدولة الجديدة ستضم كل العلويين وجزءا مهما من السُنّة وجزءا مهما أيضا من المسيحيين. لكن السُنّة لن يشكلوا الأغلبية في الدولة الجديدة، لأن جزءا كبير منهم قد تم تهجيره، والعلويون قد يشكلون نسبة لا تقل عن 40-50 %، بالإضافة للمسيحيين والأقليات الأخرى. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار اتصال هذه الدولة مع المناطق الشيعية في لبنان، فإن العلويين والشيعة سيشكلون الأغلبية في هذه الدولة. وهذا سيؤدي إلى تغيير تاريخي في المعادلة الديمقراطية.
بعد أن أيقنت روسيا وإيران والنظام السوري أن أي حل سلمي مقبول للأطراف الإقليمية والدولية كافة سيهدد مصالحها، أصبحت سورية الصغرى هي الخطة التي يعمل على تحقيقها النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون والروس، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي تحقق هذه الأطراف مصالحها وطموحاتها. والدعم العسكري المفاجئ والقوي من قبل روسيا في الأسابيع الماضية يعزز ذلك، ومفاوضة إيران للأتراك على التناقل الديمغرافي في بعض المدن السورية مؤشر على ذلك أيضا.