الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية بين طبول الحرب وفرص السلام.. الحسم العسكري غير مسموح به

سورية بين طبول الحرب وفرص السلام.. الحسم العسكري غير مسموح به

21.06.2013
عبد الحميد صيام

القدس العربي
الجمعة 21/6/2013
انفضت قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني بعد يومين من المداولات حول قضايا عديدة تتعلق بالتجارة والضرائب وشفافية التعامل بين الدول الأعضاء، التي أطلق عليها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قمة التاءات الثلاث، لأن هذه المصطلحات تبدأ كلها بحرف (T) باللغة الانكليزية. الصراع في سورية، وعلى سورية كان موضع خلاف بين سبع من الدول الأعضاء والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي جر المجموعة إلى موقفه، بدل أن يجرجروه إلى موقفهم شبه الموحد.
لقد بدا أن الخلاف حول سورية غير قابل للتجسير في بداية المؤتمر، إلا أن البيان الختامي، رغم غموض بعض فقراته، ثبت مبدأ الحل السياسي، عبر آلية مؤتمر دولي يعقد في جنيف بأقصى سرعة ممكنة. إذن الحسم العسكري لأي من الطرفين غير ممكن وغير مسموح به، لأنه بكل بساطة سيؤدي إلى نتائج وخيمة على سورية ولبنان والمنطقة العربية برمتها، كما أنه سيفسر كهزيمة مذلة لأحد المعسكرين: الأول بقيادة الولايات المتحدة، والثاني بقيادة الاتحاد الروسي، وهو غير وارد في مرحلة التعاون الدولي والتقارب الاقتصادي وتشابك المصالح. ولذا فإنني أختلف مع الذين يعتقدون أن الحرب على النظام السوري وحلفائه باتت وشيكة، وان حلف الناتو يستعد لفرض مناطق حظر جوية محاذية للحدود الأردنية، وأن المعارضة السورية على وشك استلام كميات كبيرة من المعدات المتطورة القادرة على تدمير قوات النظام والانتصار على حلفائه من حزب الله وإيران. نعم هناك مؤشرات كثيرة تصب كلها في خانة اقتراب موعد االتدخل العسكري المباشر، لكن الأمر المؤكد أن إدارة أوباما لا تريد الحرب ولا تسعى لها، ولن تفرض منطقة حظر جوي، ولن تبدأ غدا بإرسال السلاح المتطور لترجيح كفة المعارضة، قبل أن تعطي فرصة حقيقية للحل السياسي، خوفا من تحول سورية إلى دولة فاشلة تعيد إنتاج ميليشيات المحاكم الإسلامية وميليشيات الشباب في الصومال، مما سيترك أبعد الأثر على المنطقة برمتها، خاصة إسرائيل الحليف الأهم للولايات المتحدة والدول الغربية.
معركة القصير نقطة التحول
اعتقد النظام السوري واهما بأن انتصاره في مدينة القصير الحدودية، الذي ما كان يمكن أن يتحقق لولا المشاركة الفعالة لعناصر حزب الله الخبـيرة بحرب المدن والشوارع والأنفاق، انتصارا استراتيجيا وبداية للعد العكسي لهزيمة الجماعات المسلحة، كما يسميها النظام. استعاد النظام ثقته بالنفس وراح يتحدث عن حسم عسكري على كافة الجبهات، حيث نقل معركته التالية إلى حلب وحمص بغية هزيمة المعارضة هناك، التي إن تحققت ستكون قاصمة الظهر بالنسبة للمعارضة وكل الأطراف الداعمة لها، خاصة دول الخليج وتركيا وفرنسا. ومما زاد في ثقة النظام السوري بنفسه وصول دفعة من الصواريخ الروسية س 300، بالإضافة إلى تفاقم الاضطرابات التي انطلقت في إسطنبول ضد سياسة أردوغان، لدرجة أنه راح يقدم النصائح لخصمه اللدود بالاستقالة وطلب اللجوء السياسي في مدينة الدوحة، ردا على نصائح مثيلة قدمها أردوغان في بداية الأزمة السوررية. بعد انتصار النظام السوري وحلفائه في معركة القصير تعرض الرئيس أوباما لضغط شديد وانتقادات حادة من اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، مثل عضوي مجلس الشيوخ جون ماكين ولينزي غراهام، ومن أنصار التدخل الفعال وفرض مناطق حظر جوي من داخل الحزب الديمقراطي، مثل الرئيس السابق بيل كلينتون وسوزان رايس، التي تم نقلها من سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة لتصبح مستشارة الأمن القومي. قام بعدها الرئيس الأمريكي وحلفاؤه باتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات ترسل رسالة واضحة للنظام السوري بأن هذا الانتصار سيكون يتيما ولن يسمح له مواصلة التمدد إلى الشمال بعد القصير. كان أهم تلك القرارات والإجراءات:
1 اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية مما يفتح الطريق واسعا لعمل عسكري محدود.
2 رفع الحظر عن تزويد المعارضة بأسلحة متطورة، خاصة الصواريخ المضادة للدروع والطائرات مما، في حالة تنفيذ القرار، سيقلب موازين القوى لصالح المعارضة.
3 قيام مناورات ‘الأسد المتأهب’ في الأردن.
4 وصول قوات بريطانية فاعلة إلى الأردن.
5 قرار مصر بقطع العلاقات مع النظام السوري وسحب السفير المصري ووضع الثقل المصري خلف المعارضة.
6 إصدار الفتاوى الدينية التي تبارك المشاركة في القتال إلى جانب المعارضة واعتباره نوعا من الجهاد.
الانتخابات الإيرانية نقطة تحول أخرى
جاءت نتائج الانتخابات الإيرانية مفاجئة للجميع ليس فقط بسبب فوز مرشح التيار المعتدل حسن روحاني، بل لأنه فاز بأكثر من 50 من الأصوات، مما لا يستدعى إجراء جولة ثانية بين أعلى مرشحين في حالة ما لم يحصل أي من المرشحين على نصف الأصوات. ماذا تعني الانتخابات الإيرانية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟ الرسالة البليغة التي وجهها الشعب الإيراني لقياداته بأنه معني بالاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للمواطن العادي ورفع الحظر المفروض على إيران منذ عقد من الزمان وإعادة الاعتبار للريال، الذي انخفضت قيمته من السعر الرسمي 1720 للدولار الواحد إلى نحو 8000 بنسبة تضخم تصل إلى 27. هذه الرسالة الأولى للانتخابات. أما الرسالة الثانية فتتمحور حول إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار، وإعادة الاعتبار لنهج الرئيس السابق محمد خاتمي والابتعاد عن سياسة استفزاز دول الجوار، كالبحرين والسعودية والكويت واليمن، عن طريق التحريض والتسليح وتشجيع حركات التمرد والمظاهرات، وزرع الخلايا النائمة، وإحكام السيطرة على العراق وتمويل السلطة السورية ورفدها بالخبراء والمستشارين والسلاح، والوقوف مع النظام وقفة مشارك ومقاتل، وليس تضامنا فحسب. الجماهير الإيرانية تريد تعديلا جذريا على هذه السياسة التي فسرت على أنها اصطفاف طائفي يبدأ من إيران ويمر من العراق وسورية وينتهي بلبنان. هذا الاصطفاف يثير اصطفافا طائفيا سنيا ليحول الصراع في سورية وكأنه صراع بين المذهبـين السني والشيعي، بدل أن يكون بين نظام دكتاتوري وجماهير مظلومة مقهورة، كما يحلو للنظام الإيراني أن يصور الصراع في البحرين.
أما الرسالة الثالثة التي أرسلتها الجماهير الإيرانية للعالم أجمع في هذه الانتخابات فتقول، إن الشعب الإيراني يريد حل الأزمة النووية سلميا، ولا يريد أن يدخل في مواجهة مع أحد، ولا يريد أن يبقى معزولا عن عالم مترابط كأنه قرية كونية واحدة. الشعب الإيراني يريد أن يعود إلى حياته الطبيعية بعد 34 سنة من عمر الثورة الخمينية، يستطيع الطالب أن يختار جامعة يدرس فيها في فرنسا أو الولايات المتحدة أو ألمانيا، ويستطيع السائح أن يقضي إجازته في بريطانيا أو سويسرا أو مصر أو المغرب، من دون نظرات اتهام وتشكيك. باختصار الإيراني اليوم يريد أن يكون جزءا من المنظومة الدولية والاقتصاد العالمي، بعيدا عن الشعارات والمزايدات التي ما جلبت للإيرانيين إلا العزلة والفقر والإقصاء.
لهذه الأسباب مجتمعة نعتقد أن هناك فرصة لعقد مؤتمر ‘جنيف 2 بحضور كافة الأطراف السورية والإقليمية والدولية المؤثرة في الساحة السورية. ولننتظر قليلا قبل الإفراط في التفاؤل، ولغاية اجتماع حاسم يعقد في جنيف يومي 25 و 26 من شهر حزيران/يونيو الحالي، بين نائبي وزيري خارجية الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. فإذا اتفق الطرفان على كثير من تفاصيل المؤتمر، بما في ذلك الدور الذي سيلعبه الرئيس الحالي بشار الأسد في سورية المستقبل ستبدأ الدعوات توجه للأطراف المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة. ونعتقد أن أول من سيلبي الدعوة، القيادة الإيرانية الجديدة التي تريد أن تخرج من أزمتها الاقتصادية وعزلتها الإقليمية والدولية، من دون أن تتهم بأنها فرطت في حلفائها التاريخيين. انعقاد المؤتمر ونجاحه أمل يراود الملايين من السوريين والعرب، الذين يرون ألا حل عسكريا لهذه المأساة التي حلت بشعب عزيز على قلوب أمته. نريد أن نرى الحل السياسي للصراع الدائر في سورية وعلى سورية، يحفظ ما تبقى من البلد ويرسم طريقا للتعافي الأليم بعيدا عن حكم الفرد والعائلة والأجهزة الأمنية من جهة، وعن التكفيريين وأكلة لحوم البشر وخبراء السيارات المفخخة من جهة أخرى.