الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية بين مطرقة الأسد وسندان المعارضة

سورية بين مطرقة الأسد وسندان المعارضة

11.05.2014
د. أميمة أحمد


القدس العربي
السبت 10/5/2014
لازال الغرب ينظر إلى الرئيس السوري بشار الأسد على أنه الشريك الأساسي في حل الأزمة السورية، وليس المشكلة والعقبة الكأداء في التوصل إلى أي حل سياسي ينهي أزمة العنف، حسب رأي المعارضة.
أمريكا الحليف الرئيسي للمعارضة كما تزعم، وكانت وراء مؤتمرات ‘أصدقاء سورية’ العديدة، تميزت نبرة تصريحاتها بالتأرجح بين ‘بشار يجب أن يرحل’، خاصة بعد مجزرة الغوطتين في 21 أغسطس/آب 2013، وتصريحاتها على لسان جون كيري، التي تشيد بتعاون دمشق على نزع السلاح الكيماوي، وعلى استحياء ‘أصر’ على رحيل الأسد.
والرئيس بشار الأسد لازال يتعامل مع الشعب السوري معاملة السيد ‘للعبد’ الذي كسر نيره وواجهه ‘ارحل يا بشار’، لكن بشار ليس في نيته الرحيل، ويساعده في ذلك سكوت الغرب على المجازر التي يرتكبها بحق الشعب السوري، فلا غرو أن نراه يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية لعهدة ثالثة مع عدة أرانب سباق، وكأن البلد في أمن وأمان، ولو كان هذا الغرب جادا في رحيل بشار لاختار له مخرجا مشرفا نراه ‘بألا يترشح للانتخابات الرئاسية، التي يجب أن تجري تحت رقابة دولية، يسبقها وقف إطلاق النار’، لكن هذا ليس في وارد أحد يريد حل الأزمة السورية، بل ان الفاعلين الدوليين يقومون ‘بتسيير الأزمة’ لتبقى أطول وقت ممكن، ووجدوا بتمسك بشار بالسلطة ظهيرا لإطالة عمر الأزمة.
مضى على انتفاضة الشعب السوري ضد الاستبداد ثمانية وثلاثين شهرا منذ انطلاقتها في 15 مارس/اذار 2011 ، راح خلالها مئات آلاف الضحايا، ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الضحايا، وعدم دقة المعلومات والمصادر كان وراء توقف الأمم المتحدة عن تجديد اعلان عدد الضحايا، كما صرح المتحدث باسم الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل في مطلع العام الجاري، الذي قال في مؤتمر صحافي بجنيف إن ‘آخر إحصاء أعلنته المفوضية في يوليو/ تموز 2013 هو 100 ألف قتيل’. والمعلن بوسائل الإعلام يربو على 170 ألف قتيل. تقول المعارضة انها وثقت أسماءهم بالاسم الثلاثي ومكان الولادة والاستشهاد، لكن غير المعلن قد يرفع الحصيلة أضعافا، حسب تقديرات المتفائلين، إلى أكثر من 500 ألف قتيل قضوا نحبهم في مجازر وتفجيرات واشتباكات وموت تحت التعذيب في سجون النظام، ومن جهة قوات النظام وحسب تصريح لشريف شحادة عضو مجلس الشعب أواخر العام الماضي فان ’200 ألف من الجيش السوري لقوا مصرعهم خلال هذه الحرب’.
حرب لا يمكن وصفها إلا ‘بالحرب القذرة’ عندما يقتتل أبناء الوطن الواحد لأهداف لم تعد أهداف ثورة شعب على الظلم، شعب أراد الحرية والكرامة.
ويتحمل النظام السوري مآلات العنف في سورية، عندما رأى في مطالب الشعب السلمية ‘مؤامرة خارجية تستهدف سورية الممانعة’، قابلها بالحل الأمني، مبررا لنفسه استخدام القوة المفرطة لقمع ما وصفه ب’الإرهاب’، وقد استخدم الترسانة الحربية التي كانت لمواجهة العدو الرئيسي إسرائيل، حولها إلى مواجهة الشعب المطالب بأبسط حقوقه ‘الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص والمساواة في دولة القانون’.
يعود بنا بشار الأسد إلى أسلوب هتلر في الحرب العالمية الثانية باستخدامه البراميل المتفجرة، يلقيها عشوائيا على المدنيين بحجة ضرب ‘أوكار الإرهاب’، فضلا عن القصف المدفعي والطيران الحربي، الذي قصف مخيم اليرموك الفلسطيني في سورية، وقصف بالزوارق الحربية مخيما آخر للفلسطينيين في اللاذقية، اندهشت جماعة الشعارات القومجية ‘أيعقل دولة المقاومة والممانعة أن تضرب المخيمات الفلسطينية، وتحاصرها أشهرا، لتفوح رائحة الموت في شوارع مخيم اليرموك، أطفالا وشيوخا وجرحى. لم يحدث هذا في تاريخ الحروب جميعها، التي كانت تحترم حماية المدنيين، وتمنع القوانين الدولية جعلهم دروعا بشرية، كما فعل بشار في حمص والقلمون والغوطتين وحماة وحلب وإدلب، كان المدنيون رهائن لديه ليجبر الثوار على الانسحاب من مواقعهم. النظام السوري فعلها والعالم يتفرج على المجازر اليومية بدم بارد، بل هناك ‘تحالف مقدس يدعم بشار الأسد ليمعن أكثر بالقتل. إيران اعتبرت الحرب على سورية حربا عليها كما صرح الرئيس السابق أحمدي نجاد، وأكدها الرئيس روحاني، الذي يرى أن سورية خط دفاع إيراني عن مصالحها في مياه البحر المتوسط كما كانت في حقبة الإمبراطورية الساسانية، لهذا تزود إيران النظام السوري بالسلاح والمقاتلين، حيث يوجد زهاء 45 ألف مقاتل إيراني من النخبة يقاتلون في سورية، إلى جانب حزب الله اللبناني، الذي انتشر مقاتلوه في حمص والقلمون، حيث ارتكبوا مجازر مروعة راح ضحيتها مئات المدنيين. وتفيد معلومات من سورية بتأسيس حزب الله السوري، قرينا لحزب الله اللبناني.
وروسيا التي أفل نجمها بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وجدت في النظام السوري ظهيرها لتقاتل عن آخر معاقل نفوذها بالشرق الأوسط، فوضعت جسرا جويا بين موسكو ودمشق لتزويد النظام بأحدث الأسلحة، بلغت قيمتها زهاء 10 مليارات دولار أمريكي حتى مطلع العام الجاري، هي ديون على الشعب السوري جيلا بعد جيل.
والصين التي لا تعد من لاعبي المنطقة سياسيا، ترى نفسها اللاعب الرئيسي في إعادة إعمار سورية، ولديها عمالة فائضة، وتراهن على بقاء الأسد ليمنحها عقودا بمليارات الدولارت لمشاريع البناء، فدعمها السياسي كانت له أهمية كبيرة في مسار الصراع في سورية بين نظام مستبد وشعب يريد الحرية.
بينما أصدقاء الشعب السوري، تلاشى بريق تصريحاتهم أمام تصاعد العنف في سورية، ودخول تنظيمات مسلحة من دول عديدة، ليست يدُ النظام وحلفائه بعيدة عن استقدامهم لتبرير القتل الوحشي. الحصلية المرئية، ليست دقيقة بالتأكيد، زهاء 10 ملايين سوري بين نازح ومهجر في مخيمات خارج سورية، في الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وقد انتشر السوريون المهجرون على خلفية الأحداث إلى دول عربية وغربية، يعانون الأمرين ليس فقط المعيشة، بل الأوراق الرسمية في بلدان أغلقت فيها السفارات السورية.
دمار البلد بلغ حسب تقديرات أولية أكثر من 75 من البنية التحتية، منها آلاف المدارس والمشافي تهدمت جراء القصف، فأصبح لدينا جيل كامل بلا تعليم، وأغلبية الشعب بلا خدمات صحية. بينما المعارضة، لم تكتف بالتشرذم، سواء المسلحة منها أو السياسية، بل تحولت من العجز عن مواجهة متطلبات الشعب إلى ‘ندابة في جنازة’ تتهم المجتمع الدولي بخذلانها، وأن الثورة يتيمة، وأن العالم يتآمر عليها.. إلخ، والمضحك المبكي أن مؤتمرات واجتماعات المعارضة، سواء الائتلاف أو الأحزاب التي طفرت على مستنقع الثورة، تزيد تكاليف الاجتماع الواحد عن ثلاثة ملايين دولار أمريكي، بين تذاكر سفر وإقامة في فنادق خمسة نجوم وتنقلات وغيرها من مصاريف. أليس فعل كهذا ينفي عنها صفة المعارضة عندما تلهو بقوت الشعب الجائع المحاصر؟ والمعارضة المسلحة تحول قادتها إلى أمراء حرب، وقد حدثني مقاتلون عن أوضاعهم التي اندهشت منها، كيف لقائد كتيبة أن يقايض نظيره في منطقة أخرى على سلاح أو أسرى، وهناك جماعات مجرمة منتشرة في كل مكان، تختطف وتطلب الفدية، تنهب ولا أحد يقوى على مساءلتها، منها اللجان الشعبية للنظام، وقسم آخر يصف نفسه بانه معارضة.
بالتأكيد النظام نشر الفوضى على هذا النحو ليقول للناس ‘أنا أو الفوضى’ لكن الأمر  كما نراه – خرج من يد النظام ومن يد المعارضة أيضا، لقد تحولت سورية إلى ساحة صراع مصالح دولية، جميعها تلتقي عند مصلحة أمن إسرائيل، وبالتالي تدميرسورية ‘فرض عين’، لذا عليهم أن يسكتوا على مجازر بشار الأسد، لاعتقادهم بانه حتى لو هدأت الأوضاع تحتاج سورية لعقود طويلة لتصل إلى ما كانت عليه عام 2011.
المؤسف أن النظام لا يرى غير نفسه في مرآة الماء، ومعارضة هزيلة عاجزة، بينت الأيام أن اغلبها تجار سياسة لا سياسيين، فوقع الشعب بين مطرقة النظام الذي بلغ حد الإجرام غير المسبوق في التاريخ، وبين معارضة مصطنعة في أروقة مؤتمرات خُلبية، تتلاشى فاعليتها يوما بعد يوم.
لم يعد أمام الشعب السوري سوى إيجاد قيادة تمثله من داخله وداخل سورية، هي الوحيدة المخولة لتتحدث باسمه وباسم ثورته.
إن فرض وجود قيادة للثورة على الأرض يفرض بالضرورة رضوخ العالم لها، لأن هذا العالم يقول الآن: ‘هل داعش والنصرة بديل بشار الأسد؟ مهما كان سيئا هو أفضل منهم’، لذا اعتبروه شريكا أساسيا في الحل، كنا نتمنى أن يتسم بالعقلانية ويكون شريكا بالحل، لكنه للأسف العقبة أمام أي حل.
 ‘ كاتبة سورية