الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية بين مطرقة الطائفية وسندان الانتهازية

سورية بين مطرقة الطائفية وسندان الانتهازية

18.07.2013
يوسف بلحاج رحومة

القدس العربي
الخميس 18/7/2013
تتواصل تعقيدات القضية السورية بعد أن امتد تأثيرها إلى دول الجوار، فالفاعليات المذهبية الطائفية هي الرائدة على مسرح الأحداث. كما أن المشهد النمطي ظل على حاله منذ اندلاع الأزمة السورية، فروسيا تراهن على المحور الشيعي العلوي للحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط انطلاقا من إيران وصولا إلى سواحل المتوسط، أما الولايات المتحدة فتراهن على الإسلام السني لتعميق نفوذها والحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط. وفي الأيام الأخيرة امتد الصراع المذهبي الطائفي إلى جنوب لبنان حيث شهدت مدينة صيدا أعنف المواجهات المسلحة بين جماعة سنية متطرفة يقودها الشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني، مخلفة عشرات الجرحى والقتلى من الجانبين. كما لم تسلم مصر من الفتنة المذهبية حيث قُتل أربعة من الشيعة بطريقة بشعة. ويبدو أن القضية السورية امتد تأثيرها على القضية الكردية في تركيا، حيث أظهر النظام التركي الكثير من الليونة في تعامله مع حزب العمال الكردستاني الذي يقبع زعيمه أوجلان في السجون التركية، فالنظام السوري كان داعما قويا لحزب العمال الكردستاني، لذلك تسعى تركيا لاتقاء شر النظام السوري الذي قد يلعب على القضية الكردية لإثارة التناقضات في تركيا. ولم يسلم قطاع غزة من امتداد الأزمة السورية، إذ أعلنت حركة حماس عن القطيعة مع حركة الجهاد الإسلامي، وقد بانت التناقضات بين حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة والتي تميل نحو المحور الإخواني التركي القطري، وبين حركة الجهاد الإسلامي التي تميل نحو حزب الله وإيران والتي اختارت الحياد في القضية السورية.
وأعلنت مجموعة أصدقاء سوريا بعد اجتماعها في الدوحة السبت الفارط عن قرارها تقديم مزيد الدعم العسكري للجيش الحر. وتأتي هذه المساعدات لإحداث ‘التوازن’ حتى لا يواصل النظام السوري بسط نفوذه على المزيد من الأراضي السورية، خاصة بعد حسم معركة القصير. فالولايات المتحدة تريد إرغام النظام السوري على تقديم مزيد التنازلات خلال مؤتمر جنيف القادم وبالتالي الوصول إلى تسوية ترضى الجميع شرقا وغربا.
تأتي عملية ‘تسليح المعارضة السورية’ التي أعطت لها واشنطن الضوء الأخضر لعدّة اعتبارات، فمواصلة النظام السوري زحفه نحو السيطرة على مزيد المناطق سيؤدي إلى طرد آلاف الجهاديين الذين قد ينتشرون على المستوى الإقليمي القريب والمتوسط متسببين في تهديد أمن الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، لذلك وقع تفضيل إطالة عمر الأزمة حتى يبقى التناقض المذهبي هو السائد، وبالتالي استنزاف سوريا كنظام ودولة وشعب من جهة، واستنزاف التنظيمات الجهادية من جهة ثانية، في انتظار التسويات التي قد تأتي في المستقبل آخذة بعين الاعتبار الجهاديين الذين يمثلون قنابل إيديولوجية موقوتة قابلة للانفجار شرقا وغربا. ومن جهة أخرى تنظر عديد الأطراف إلى سورية على أنها كعكة لا يجب التفريط فيها، فهناك عديد الدول ‘الجائعة’ المتمثلة خاصة في فرنسا وانكلترا تنتظر بفارغ الصبر عقود التنقيب عن النفط والغاز، وإعادة إعمار سورية لمجابهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في أوروبا.
لقد أثبتت الأحداث أن النظام السوري ليس سهل المنال، باعتباره يحمل في جرابه خبرة عشرات السنين في إدارة الأزمات واللعب على التناقضات وإثارة الأزمات الجانبية. ولا أحد يمكنه إثبات أن الشعب السوري يساند ‘المعارضة’ بجناحيها السياسي والعسكري. وتبقى سورية شعبا ودولة وحضارة هي الضحيّة.