الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية.. عفوٌ أم قتل؟

سورية.. عفوٌ أم قتل؟

20.10.2018
حسان الأسود


العربي الجديد
الخميس 18/10/2018
وأخيراً صدر عفوٌ رئاسيٌ من سيادته، فهل سيُخلى سبيل المجرمين الذين نادوا بالحرية وطالبوا بالكرامة؟ هل أشفق عليهم الأب المسؤول عنهم، وإن عصوه وشقّوا طاعته؟ تفوّق المجرم علينا بما لديه من تنظيم واستخدام أمثل لأدواته القذرة، على الرغم من انحطاط هدفه ودناءة أساليبه وقذارة مشاريعه، وفشلنا بجدارة ما بعدها جدارة، على الرغم من عدالة قضيتنا وأحقيّة مطالبنا ونقاوة سريرتنا، ويبدو أنّ ما كنّا نحسبه نقاط قوّة فينا كان نقاط ضعفٍ لا أكثر.
من يعفو عمّن؟ أيعفو القاتل عن القتيل والمجرم عن الضحيّة والجاني عن المجني عليه، أم يترجّى منه الغفران والمغفرة؟ إنّه زمن اللامعقول واللامنطق، فكل شيء صار فيه وارداً وممكناً، فمن أمنَ العقوبة أساء الأدب، والمجرم ظلمَ فأمنَ فبغى ونامَ قرير العينِ، مطمئنّاً لحماية النظام الدولي المهترئ.
هل يعفو القاتل عن دموع الأمّهات وأحزانهنّ المقيمة في الصدور منذ سبعٍ عجاف؟ هل يعفو المجرمُ عن دماء الأبرياء التي سفكتها آلته العسكرية وأجهزة مخابراته الهمجيّة؟ هل يعفو الحاقد اللئيم عن تنهّدات الأطفال بانتظار آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا تحت الأنقاض، أو باتوا في غيابات الزنازين؟ تشي الأسئلة المطروحة بقدر لا يُوصفُ، ولا يُحتملُ من القهر والألم والمرارة، والإجابات المنتظرة أقسى وأمرّ وأدهى، فمن بيده القلم لا يكتب نفسه من الأشقياء، ومن بيده مفاتيح المعتقلات يستطيع أن يرسم لوحة الغياب والحضور لآلافٍ مؤلّفة من البشر والأرواح الهائمة بلا أمل.
على الرغم من عدم الجدوى، وجب الشرحُ ليضطّلع الناسُ على تعريفاتٍ مذكورة في كتب
"شائعات تطلقها أجهزة متخصصة في أفرع المخابرات لتحقيق غايات محددة" القانون، وموضوعة على رفوف الديكتاتوريّات الأبديّة. من حيثُ القانون فإنّ العفو العام في سورية بالتعريف: هو قانون يصدر عن السلطة التشريعية، أو مرسوم تشريعي يصدر عن رئيس الجمهورية بصفته مفوضاً بالتشريع في حالات معينة، فيشمل جريمة أو عدداً من الجرائم، ويكون من شأنه محو الصفة الجرمية عنها، أو يشمل عقوبة بعينها، فيسقطها أو يخفض من مدتها وله مفاعيل أخرى تتعلّق بوقف الملاحقة القضائية أيضاً وإخلاء سبيل الموقوفين والمحكومين.
والعفو العام سلطة في يد المشرّع، يستعملها حينما يريد أن يسدل ستار النسيان على بعض الأفعال، لأسباب سياسية أو اجتماعية، ويرى أن المصلحة العامة تقضي برفع آثار هذه الأفعال عن الأشخاص الذين قاموا بها. لهذا فإن المجال الأوسع للعفو العام هو الجرائم السياسية، وبعض الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، والجرائم العسكرية، والجرائم قليلة الأهمية.
إلاّ أن العفو العام كثيراً ما يصدر لحسابات خاصة بالسلطة الحاكمة، كالعفو الذي يصدر على أثر تغيير نظام الحكم، أو بعد عمل سياسي مهم، أو بمناسبة تسلم رئيس جديد مقاليد السلطة العليا في البلاد.
وآثار العفو العام على ما بينتها المادة 150 من قانون العقوبات هي الآتية:
أولاً: يُسقط العفو العام، من حيث المبدأ، الجريمة والعقوبة معاً، فإذا كانت الدعوى العامة لم ترفع بعد، أو رفعت ولم يصدر فيها حكم مبرم، ثم صدر قانون العفو العام، أصبحت غير ذات موضوع، وتوقفت إجراءاتها. أما إذا صدر العفو العام بعد صدور حكم جزائي مبرم، سواء أكان المحكوم عليه قد بدأ بتنفيذه أم لا، فيسقط هذا الحكم وتزول جميع آثاره القانونية. ومعنى ذلك زوال كل عقوبة أصلية أو فرعية أو إضافية، وعدم حساب الحكم في التكرار أو اعتياد الإجرام أو وقف التنفيذ، وشطبه كلياً من السجل العدلي للمحكوم عليه.
ثانياً: لا يشمل العفو العام تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح إلاّ إذا نص قانون العفو صراحة على ذلك.
ثالثاً: لا ترد الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة، أو الأشياء التي صدر قرار بمصادرتها.
رابعاً: لا أثر للعفو العام على الحقوق الشخصية، وتبقى هذه الحقوق خاضعة لأحكام القانون المدني وفق أحكام المواد (148 من قانون العقوبات، و436 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
مناقشة الأمر من ناحية قانونية مهمّة لمن ليس لديه اطلاع على المفاهيم القانونية من غير المختصّين، فثمّة فهم خاطئ لدى الناس لمصطلح العفو العام، فهم يظنّون أنه يعني تبييض السجون عن بكرة أبيها، وهذا وهم لا أساس له من الصحة.
الآليّة التي يعملُ بها جهازُ النظام إصدار عفو عن مرتكبي الجرائم الجنائية، مثل القتل والسرقة 
"ما من شيء يمكن أن يصدر عن هذا النظام ويكون في صالح الناس" والاتجار بالمخدرات والتزوير وتهريب الآثار والعملات وغيرها من الجرائم التي تمسّ الفئات الداعمة للنظام، والتي تطمئن حاضنته الشعبية فقط لا غير. لا يتوقّع عاقلٌ أن يخلي هذا النظامُ سبيل المعتقلين، وأن يتنازل عن أكبر ورقة ابتزاز سياسي مجاناً، أو أن يجفّف منبعاً مهما من منابع الاسترزاق والسرقة والسطو على مدّخرات السوريين ومقدّراتهم.
كلّ ما في الأمر مجرّد شائعات تطلقها أجهزة متخصصة في أفرع مخابرات النظام، لتحقيق غايات محددة، منها على سبيل المثال لا الحصر تبييض صفحة جهة ما، أو قياس ردود أفعال الناس على مسألة ما، أو التحضير للقيام بإجراء ما.. إلخ.
لقدّ علّمنا هذا النظام، منذ نشأته على يد المؤسس حافظ الأسد، أنّ ما من شيء مجاني أو طبيعي، أو بالأحرى ما من شيء يمكن أن يصدر عنه ويكون في صالح الناس، كلّ ما يمكن أن ينتجه شرٌّ بحت، وهي قرينة مطلقة غير قابلة لإثبات العكس.
ما زال المشهد العام في سورية يتراوح بين تقاسم النفوذ وتثبيت مناطق السيطرة وترسيم حدود مناطق خفض التصعيد، وصراع حلفاء الأمس فيما بينهم على اقتسام الكعكة الغنيمة وتوجيه الرسائل إلى الداخل والخارج بشأن الخرائط المتغيّرة كل يوم وكل ساعة. ما هو ثابت حتى الآن العجز البنيوي لدى ما تبقّى من مؤسسات الثورة والمعارضة عن القيام بدور الفاعل والاكتفاء بدور المفعول به، وبالتالي ترك الناس نهباً للشائعات، وعرضة للابتزاز والقلق والترقّب.
ثمّة الكثير الكثير أمامنا لنستوعب دروس التاريخ البعيد والقريب، ولنهضم وجبات المعرفة والتجربة التي تراكمت منذ مارس/ آذار عام 2011، ولندرك أننا إن لم نتحرّك الآن فقد نندثر وأحلامنا إلى الأبد.