الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية قبضة من النور

سورية قبضة من النور

13.01.2015
حسن العاصي



العربي الجديد
الاثنين 12-1-2015
أن يموت لاجئون سوريون بسبب البرد والصقيع، ونقص مواد التدفئة في مخيمات اللجوء داخل الدول العربية التي توجد مخيمات للاجئين فوق أراضيها، ونحن نعيش في الألفية الثالثة، عار كبير على الأمتين العربية والإسلامية أولاً، وعلى المجتمع الدولي المنافق ثانياً، وعار على الإنسانية جمعاء.
أن يموت أحد داخل سورية من المحاصرين في بعض أماكن إقامتهم جوعاً، والطعام على مسافة أمتار، فهذا انهيار وانحطاط لكل القيم والمُثل الإنسانية، فما جدوى أية قيمة أخلاقية، ما دام جوهر الحياة نفسه أصبح مهدداَ بالفناء.
أن يموت آلاف السوريين، ومثلهم من الفلسطينيين السوريين، غرقاً في أعماق البحار، ويتحولون طعاماً للأسماك، وهم يحاولون النجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم هرباً من جحيم الحرب، ثم يقعون فرائس بين أيدي المهربين وتجار البشر، قبل أن يتلاشوا هم وأحلامهم في حياة كريمة في عرض المحيطات، لهو فضيحة الفضائح لهذا العالم المجنون المنافق الذي يتشدق بمعزوفة حقوق الإنسان، لكنه نسي أن يخبرنا أن ما يعنيه هو الإنسان الغربي، ولم يكن يقصد بطبيعة الحال السوري، أو العربي.
أن يكون الشغل الشاغل لوزارات الداخلية العرب إصدار حزمة قوانين، تليها حزمة أخرى خاصة بالسوريين، تفرض عليهم الحصول على تأشيرات مسبقة لدخول هذه الدول، وتقوم بالتضييق عليهم في الدول التي يقيم ملايين من اللاجئين السوريين على أراضيها، بحجة المحافظة على البنى التحتية لهذه الدول وعدم استهلاكها، أو بحجة عدم منافسة العمال المحليين، على اعتبار أن اللاجئ السوري العامل أكثر مهارة منهم، واقل أجراً وتطلّباً، أو بذرائع تتعلّق بالأمن العام والسلامة لتلك الدول وتصوير اللاجئ السوري مصدر خطر محتمل، فهذا والله لمنكر عظيم.
أن يتم الاعتداء على اللاجئين السوريين، نهاراً جهاراً، في دول عربية من بعض المواطنين، أو من رجال أمن، والتشفِّي منهم لأسباب مرتبطة بالتاريخ أو الجغرافيا، فهذا عيب كبير ونقيصة بحق السوريين.
أن تتم سرقة مواد إغاثية ومساعدات عينية تقدمها بعض الدول إلى اللاجئين السوريين، على الرغم من أنها قليلة وقليلة جداً، ولا تفي اللاجئ الحد الأدنى من متطلباته الإنسانية، أن يسرق هذه المواد بعض القائمين عليها من موظفي تلك الدول التي يقيم اللاجئون على أراضيها، أو بعض موظفي المنظمات الإغاثية، وإعادة بيع هذه المساعدات إلى اللاجئين، لعمري إنها من أمهات الكبائر.
سورية كانت الدولة العربية الوحيدة التي فتحت مطاراتها ومراكز حدودها البرية والبحرية أمام العرب جميعاً بجنسياتهم كافة، من دون أية تأشيرات من أي نوع، فالعربي كان يدخلها ويعامل معاملة السوري من دون أي تمييز، وكان يحق له التملُّك وإقامة شتى أنواع المشاريع التجارية.
سورية كانت الدولة الوحيدة التي لم تقم خياماً للاجئين على مر التاريخ، لأن العربي فيها ظل أخاً عزيزاً وصاحب بيت. لم يكن يرضى السوريون أن يشعر العربي بأي مهانة وهو بينهم، فهكذا تعاملوا مع الفلسطينيين، وبعدهم اللبنانيين والعراقيين واليمنيين والجزائريين، وغيرهم من العرب الذين تدفقوا على سورية بمئات الآلاف في فترات زمنية متعاقبة، إثر أحداث دامية شهدتها بعض الدول.
عرب عاشوا في سورية سنوات قليلة، أو عشرات السنين، بكل احترام ومحبة، من دون إساءة لهم بأية طريقة، معزَّزين مكرمين. فتح كل السوريين، من دون استثناء، صدورهم وقلوبهم، قبل بيوتهم، للعرب الذي هربوا من بلدانهم، بسبب الحروب أو لأسباب أخرى، وعاملوهم كأنهم أحد أفراد الأسرة من دون مبالغة. 
نشعر بالحزن الشديد وبالخزي والعجز، حين ننظر ونتابع مأساة سورية ومعاناة السوريين في الداخل والخارج، فهؤلاء الكرام أصبحوا يعانون من شظف العيش، بل من المجاعة، وتهددهم الأمراض التي صارت تفتك بهم، ناهيك عن حرمان جيل من مقاعد الدراسة، وضياع جيل آخر.
هؤلاء السوريون فقدوا منازلهم وأراضيهم الزراعية، ووظائفهم ومنشآتهم، ومدارسهم، والكثير منهم فقد جزءاً من أفراد عائلته، قتلاً أو خطفاً أو غرقاً. يعيش هؤلاء السوريون اللاجئون، الآن، من دون وطن في خيم لا تقيهم حر الصيف، ولا صقيع الشتاء، من دون أبسط مقومات الحياة الكريمة، ومن دون معالجة ومن دون أدوية، ومن دون طعام كاف، ومن دون وسائل تدفئة، ومن دون أمل في مستقبل قادم.
على شعوب الدول التي يقيم اللاجئون السوريون فيها أن يستفيدوا من وجود آلاف الحرفيين المهرة والصناعيين والأطباء والمهندسين وعشرات آلاف الفنيين غيرهم، وأن يتعلموا من السوريين المهارة في الصناعة، لأن السوريين أمهر العرب في الصناعات المختلفة، من صناعة الأغذية والحلويات الشامية الشهيرة، إلى صناعة القطن والجلود والملابس وغيرها.
أيها العرب، إن لسورية وللشعب السوري ديناً كبيراً في أعناقكم جميعاً، وهذا هو الوقت المناسب لتسديد دينكم. أيها العرب، افتحوا للسوريين صدوركم قبل بيوتكم، واحتضنوهم أينما وجدوا.