الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية: لا «نصرة» ولا «قاعدة»

سورية: لا «نصرة» ولا «قاعدة»

12.04.2013
حسام عيتاني

الحياة
الجمعة 12/4/3013
انتكاسة جدية منيت بها الثورة السورية بإعلان تنظيم «دولة العراق الإسلامية» توسيع «حدودها» وتغيير اسمها لتصبح «دولة العراق والشام الإسلامية».
التوضيحات التي أصدرتها جبهة النصرة في شريط منسوب لزعيمها أبو محمد الجولاني، زادت الأمور سوءاً على سوء. فبعد عامين من اندلاع الثورة السورية وبعد سقوط أكثر من مئة ألف ضحية، يتقدم السيد أبو بكر البغدادي لإعلان رغبته في الاستيلاء على الثورة وإقامة دولة إسلامية في العراق والشام يباركها له زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في شريط آخر كمقدمة لقيام دولة الخلافة.
نفي «النصرة» علمها المسبق بقرار البغدادي لا يخفف من جسامة الخطب بل يزيده. ذلك أن الفرع المحلي من «القاعدة» لم يعترض على ضم بلده إلى «الدولة» الجديدة. بل، بادر زعيمه إلى مبايعة الظواهري والتعهد بمواصلة العمل تحت لواء «القاعدة».
لا ينبغي التقليل من خطر هذه المواقف والبيانات على مسيرة الثورة السورية. فاستغلال البيانات والترويج لها من قبل الآلات الدعائية التابعة للنظام السوري وأنصاره انطلقت بأقصى طاقاتها فور نشر أقوال البغدادي والجولاني والظواهري، لتشويه صورة الثورة ووصمها بالإرهاب ومنع أي تقدم سياسي وإعلامي لها في العالم باعتبارها مجرد غطاء لسيطرة القاعدة على سورية وإعادة تأسيس الإمارة التي خسرها التنظيم في أفغانستان.
الكلام الذي نشره رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب على صفحته على الفايسبوك والرافض لفكر القاعدة والداعي الثوار في الداخل إلى التعامل مع هذا الأمر بما يناسب مصلحة الثورة، سليم تماماً. لكنه، مثل غيره من مواقف الائتلاف والشيخ الخطيب، تنقصه الأدوات المادية القادرة على تحويله إلى فعل سياسي وميداني.
بل إن المشكلة أكبر من ذلك. فمن ناحية تخوض القوى الأبرز في الثورة معركة قاسية للحد من هيمنة تنظيم «الإخوان المسلمين» على مؤسساتها وعملها، تضطر القوى ذاتها إلى التصدي لتوسع نفوذ «النصرة» الأفضل تنظيماً وتسليحاً وتدريباً بين الأجنحة المقاتلة في سورية ضد النظام، حتى باب يجوز الحديث عن ثورة شعبية يحاصرها فصيلان من الإسلام السياسي، لا تنقصهما الأموال والأسلحة والعدة الأيديولوجية، وفوق كل ذلك، الرغبة في الاستحواذ على السلطة وقطف الثمرة فور سقوط بشار الأسد.
المشكلة ليست في تأخير الدعم الخارجي الذي لا يأتي أصلاً، ولا حتى في خسارة أجزاء مهمة من الرأي العام العالمي الذي تتبدل صورة الثورة السورية لديه من هبة شعبية ضد طاغية دموي إلى حرب طائفية يمثل أحد أطرافها تياراً دينياً متشدداً لا يتورع عن قتل من يخالفه الرأي أو العقيدة، فحسب، بل إن الأهم قد يكون التغيير العميق في مزاج السوريين الصامدين إلى اليوم في الداخل والمصممين على حمل الثورة إلى انتصارها الأخير.
لا جدال في أن الإسلام جزء مهم من وعي السوريين وأنه دخل الثورة منذ أيامها الأولى بصفته هذه، وكردّ على الممارسات الطائفية الصريحة لنظام الأسد. ولا شك في أنه سيكون أحد مكونات الدولة السورية المقبلة. لكن هذا شيء والمساعي التي تقوم بها «النصرة» و«القاعدة» للهيمنة على الحيز السوري بأسره، شيء آخر تماماً.
ولا ضير من الإصرار على أن الضغط الذي تمارسه «النصرة» على المجتمع السوري سيؤدي في حال نجاحه في تحقيق أهدافه، إلى دفع سورية نحو حقبة قد تطول من المغامرات المكلفة والعدمية.