الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية: هل التفاؤل ممكن؟

سورية: هل التفاؤل ممكن؟

27.10.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
الاثنين 26/10/2015
إذا كانت مسارات الحرب في سورية تستحق، بحسب الباحث آرون لند، وصف "مقبرة التحليل"، فأكثر من ذلك صحة ودقة أن سورية صارت أيضاً "مقبرة لكل تفاؤل" بنهاية ما لهذه الحرب/ المأساة. وقد ظهر ذلك جلياً منذ التوصل إلى ما يسمى اتفاق "جنيف1"، في حزيران (يونيو) 2012، والذي بدا يومها اختراقاً استثنائياً يؤسس للانطلاق نحو التسوية السياسية، لكنه صار على امتداد سنوات مجرد أداة لكسب الوقت، في سبيل إيقاع مزيد من القتل والدمار بحق السوريين ووطنهم.
وحتى هذه اللحظة، يبدو كل تطور، لاسيما الأبرز أخيراً، والمتمثل في التدخل العسكري الروسي المباشر، قابلاً للتأويل -وبشكل موضوعي أحياناً- بما يخدم رؤية (أو رغبة) الفرقاء على طرفي النزاع. وعلى سبيل المثال، إذا كان هذا التدخل، من ناحية، إعلانا صريحاً بتآكل قدرات نظام الأسد حد أن أوشك على السقوط باعتراف الإعلام المؤيد له، ومعه فشل إيران ومشروعها الطائفي الذي مكن هذا النظام من الصمود خلال الفترة الماضية؛ إلا أنه يظل صحيحاً أيضاً، في المقابل، أن هذا التدخل يتخذ، كما يبدو حتى الآن، دوراً تكاملياً، وليس تنافسياً، مع الدور الإيراني. هذا عدا عن كونه يستهدف كل من يهدد معاقل نظام الأسد المتناقصة جغرافياً، فيما يستثني تنظيم "داعش" حد أنه يتمدد، عدا عن كونه باقياً!
ومثل هذا التناقض في التفسير ينطبق أيضاً على زيارة الأسد إلى موسكو قبل أيام. فإذا ما قيل إنها دليل على قدرة الأسد على الخروج من سورية بعد سنوات من "الإقامة الجبرية"، فإن طريقة الخروج والعودة؛ ليلاً وسراً، ومن دون أي من أعضاء الحكومة في دمشق، يفضي إلى نتيجة مناقضة تماماً للقول بـ"نجاح" روسيا في تدعيم موقف الأسد.
رغم كل ذلك، يبدو ممكناً "المجازفة" بترجيح التفاؤل بشأن جدية المحاولات التي نشهدها اليوم للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب في سورية. والسبب الأبرز لهذا التفاؤل هو الحقيقة القاتمة بأن هذه الحرب لم تعد الآن بالنسبة لروسيا تحديداً "حرب وكالة"، وقريباً قد يكون في الموقف ذاته داعمو المعارضة المتخوفون من المشروع الإيراني، وليس الروسي بالضرورة.
فاستمرار التدخل الروسي بصورته العسكرية فقط، وبالقصف الجوي تحديداً، يعني تعميق التحالف مع إيران برياً؛ بحرسها الثوري ومليشياتها الطائفية متعددة الجنسيات. وهو ما قد يجبر داعمي المعارضة، غالباً، على التصعيد، لاسيما بإدخال مضادات طائرات (بدأ التلويح بإرسالها فعلاً) ستستهدف الطيران الروسي خصوصاً. وتحقق ذلك، ليس يعني بدوره إلا دخول الجميع في حلقة مفرغة، لأن أي تراجع عندئذ لأي طرف، سيكون هزيمة كاملة له. عدا عن أن ذلك قد يفتح على احتمالات تفجير الأوضاع فعلياً حتى خارج سورية، ضمن سياسة "هدم المعبد" على رؤوس الجميع.
الحقيقة أن الجميع يدرك ذلك. وربما باستثناء إيران، فإن الأطراف كافة المعنية بالأزمة السورية، لاسيما روسيا وأغلبية الدول العربية، تحاول الوصول إلى تسوية تقوم على نتيجة "فائز-فائز"؛ تضمن المصالح وماء الوجه على حد سواء لكل الفرقاء. فهؤلاء جميعاً يدركون أنهم وصلوا نقطة لا يمكن معها إلا التوافق على حل، لأن تجاوزها يعني الدخول في "مستنقع اللاعودة" بكل رعبه.