الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية والقناعات الجديدة

سورية والقناعات الجديدة

17.07.2016
د.باسم الطويسي


الغد الاردنية
السبت 16/7/2016
تطورات متلاحقة على الجبهات العسكرية والسياسية خلال الأسابيع الماضية، تشي بنمط مختلف من التعاطي مع الأزمة السورية بين مختلف الفرقاء الفاعلين في هذه الأزمة. أهم ملامح هذه التطورات، تحقيق المزيد من المكتسبات للنظام السوري الذي بات، بدعم القوى الإقليمية والدولية المتحالفة معه، يحقق المزيد من المكاسب العسكرية والسياسية، إضافة إلى تجميد واضح للمسارات السياسية التقليدية، وفي مقدمتها مسار جنيف، وبدء ظهور ملامح تفاهمات جديدة تعمل على إنضاجها الولايات المتحدة وروسيا مباشرة، كما عكستها تسريبات زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة إلى موسكو.
إلى جانب الوقائع الميدانية، حيث من المتوقع أن تحسم معركة حلب الجارية حاليا الكثير من الرهانات الاستراتيجية والسياسية، ثلاثة تطورات رئيسة تفسر مظاهر وخلفيات القناعات الجديدة، تتلخص في: الأول، بداية تبلور تفاهمات أميركية-روسية جديدة ستتضح ملامحها خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد الوثيقة التي سربتها الصحافة الأميركية الأسبوع الماضي، وتحدثت عن خطة من سبع نقاط تتركز على التنسيق الاستخباري والعسكري في محاربة التنظيمات المتطرفة، وتحديدا تنظيمي "داعش" و"النصرة".
وبحسب هذه الوثيقة، فإن الطرفين يعملان على "تبادل المعلومات الاستخباراتية حول قيادات التنظيمات المسلحة، ومعسكرات التدريب، وأهم خطوط الإمداد التي يستخدمها المسلحون، والمقار الرئيسة للقيادات، وإنشاء غرفة تنسيق مشتركة روسية-أميركية". وعمليا، يعني ذلك أن الروس والأميركيين ينتقلون إلى كسر نظرية الأحلاف التقليدية التي حكمت الصراع حول مستقبل سورية، وجعلت كلا من قطبي النظام الدولي على رأس حلف في هذا الصراع، والانتقال إلى "نظرية التآلفات" بين قطبي النظام الدولي. وهذه النظرية تفترض وجود حد أدنى من التفاهم والتشاور والتنسيق، من دون أن يصل ذلك إلى مستوى التحالف والشراكة.
التطور الثاني، يبدو في أن القناعات الجديدة لدى قطبي النظام الدولي دفعت بها التحالفات الرخوة التي وسمت نصف عقد من عمر الأزمة، والتي أطالت عمر الصراع، وزادت من كلفه على الطرفين. ولعل آخر المحاولات الأميركية قبل هذه الاستدارة، تمثلت في إنشاء "جيش سورية الجديد" الذي لم يحقق الغايات التي أوجد من أجلها، إلى جانب التأثيرات المتزايدة لضغوط اللاجئين والهجرة على الدول الغربية، وكان آخر تلك التأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبدرجة ربما أكثر سلسلة الضربات الإرهابية التي تضرب مناطق متعددة من العالم؛ إذ تأكدت القناعة أن الأزمة السورية هي المفرّخة الأساسية التي تصدر الإرهابيين للعالم.
ثالثا، هناك استشعار سريع وآخر متناغم مع هذه التحولات، برز في المواقف التركية الأخيرة؛ إذ أطلق مسؤولون أتراك تصريحات تشير إلى نوايا ورغبة في إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق. وفي الوقت نفسه، ثمة لقاءات وحوارات أوروبية سورية تتم على مستويات متعددة، الأمر الذي يشير إلى قناعات جديدة قد لا تعني انقلابات سريعة في المواقف، تهدف إلى إعادة تأهيل النظام السوري والقبول به، بل من المؤكد أن القناعة الجديدة تقول إن النظام سيكون جالسا على الطاولة في نهاية اليوم.