الرئيسة \  مشاركات  \  سورية وحديثُ التقسيم

سورية وحديثُ التقسيم

12.03.2016
د. محمد عادل شوك




لطالما غنَتْ فيروز ( يا جبل البعيد خلفَك حبايبنا )، في رمزية ذات دلالة إلى الفواصل الجغرافية التي حالت دون رؤية الأهل و الأحباب، و هو الأمر الذي جسَّده مهندسو سايكس ـ بيكو في خارطة المنطقة في أوائل القرن العشرين، حينما غدت التضاريس معالم جيوسياسيّة على حساب التاريخ، في مسعى من الأوربيّ للاستحواذ على نصيب من تركة العثماني المريض.
و هو الأمر الذي لا ينسجم مع ( الكاوبوي) الأمريكي، المولع بمواسم الكرنفالات ذات الألوان الجميلة، الذي رأى في الدولة الوطنية الجامعة،ذات العلم الواحد ( على وَهْنِها )،عائقًا دون مشروعه في الفوضى الخلاّقة، التي سيضمن من خلالها المزيد من الولاء من المُعتمَدين الجُدُد.
سواءٌ أقلنا: فيدرالية، أو لا مركزية؛ فالأمرُ لا يعدو اِنشغالاً بقتل الناطور عن قطف العنب، فأمريكا التي وجدتْ في ثورات الربيع العربي إزالةً لمعالم البصمة الأوربية، مجسّدةً بالدولة الوطنية ذات الأبعاد التضاريسية، و الفكر القومي المناهض للمشروع الإسلامي، الذي قامت عليه الدولة العثمانية؛ أرادتْ أن تلّون هذه الخارطة مستقبلاً، بألوان زاهية تبهرُ العين، مستمدة من تاريخ رايات أهلها.
 حيث رايات الأمويين البيضاء و الخضراء، و التحالف العباسي الفارسي السوداء، و الشيعة ( الطالبيُّون، و الفاطميُّون، و العبيديُّون ) البيضاء، و الأكراد الصفراء، و بين هاتيك الألوان تتموضع رايات الأقليات الدينية، و الإثنية الأخرى.
جميلةٌ هي ألوان الكرنفال الأمريكي القادم ( البيضاء، و الخضراء، و السوداء، و الصفراء )، و ستزدان بها خارطة المنطقة عوضًا عن التشوّهات التضاريسيّة،التي حفلت بها عند الوزيرَيْن: سايكس ـ بيكو.
و سيُمسك بها النَّسْرُ الأمريكيُّ الأصلع عوضًا عن غصن الزيتون و حزمة السِّهام، و يطوف بها في الأرجاء السورية في قابل الأيام، و سيسمعُ السوريون كثيرًا من عبارات الرفض و الشجب و الاستنكار لها، في مقابل همهمات لا تُخفي سرورها بذلك.
إزاء ما تنتظره الجغرافية السورية المعاصرة من استحضار الوقائع التاريخية، يرى كثيرٌ من المراقبين أن تُشير الأصبع، إلى مَنْ كان له قَصَبُ السَّبْق في إعمال ريشة الفنّان الأمريكي فيها.
إنّ التقسيم الذي ينتظرها جيوسياسيًّا لَهُوَ أمرٌ واقع ٌنفسيًا و مجتمعيًّا، إلى الحدّ الذي لا رجعة عنه؛ فأغلبُ المكوِّنات الإثنيّة تتوجَّس خيفةً من الأخرى، ولاسيّما بعد التدخُّل الروسي في ( 30/ 9/ 2015 ) الذي هجَّر المكوِّن التركماني لصالح الدويلة العلويّة، و أعطى شُحنة من الاندفاعة لشريحة من المكوِّن الكردي، للطغيان على جيرانهم من العرب و التركمان، في ريفي الرقة و حلب الشماليين.
و كذا الحال مع المكوِّنات الطائفية؛ حيث الأمر قد بلغ أوجه مع المكوِّنين: العلويّ و الشيعي، و بنسبة محدودة من الدروز، تجاه الأغلبية السُّنيَّة، و أمّا الحالُ مع المكوِّنات الدينيّة الأخرى فتكاد تكون في إطار المسيطر عليه.
إنّ أصحاب النزعات المُغرقة في الراديكاليّة: الطائفيّة ( علويّة، شيعيّةً، سُنيَّة، درزيّة )، و الدينيّة ( آشورية،أزيديّة)، و الشوفينيّة ( عربيّة، تركمانيّة، كرديّة )، عليها من الإثم و الوِزرعلى القَدْر الذي تناغمَتْ فيه مع الرغبة الأمريكية؛ فكان لها فضل الشروع في هذا التشظّي المجتمعيّ، و الجغرافيّ.
و سيكون جُلُّ الخطيئة من نصيب هذا النظام، الذي آثرَ بقاء الأسد ( أبًا، ثُمَّ ابنًا ) على حساب وطنٍ بأكمله ( جغرافيا، و تاريخًا ).