الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية و"حق تقرير المصير" الروسي

سورية و"حق تقرير المصير" الروسي

07.03.2017
منار الرشواني


الغد الاردنية
الاثنين 6/3/2017
في تصريحاته الأحدث لصحيفة "الحياة" اللندنية، لا يكاد يأتي نائب وزير الخارجية الروسي مبعوث الرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، بأي جديد على الإطلاق بشأن موقف بلاده من سورية؛ فالكلام عن الوجود الإيراني العسكري الرسمي والمليشياوي ممنوع (الآن على الأقل!)، ومثل ذلك بحث مصير بشار الأسد.
على الرغم من ذلك، فإن للتصريحات المنشورة أمس ميزة إجلاء الموقف الروسي بشكل نهائي من طبيعة الدولة السورية المقبلة، وبشكل أوضح حتى مما تضمنته "مسودة الدستور الروسي" لسورية. إذ تكاد تكون هي المرة الأولى على الإطلاق التي يقرن فيها مسؤول روسي -أو أي مسؤول أجنبي آخر- التسوية في سورية بـ"مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها"، آخذاً بوغدانوف على تركيا ازدواجية موقفها بشأن الموضوع الكردي؛ إذ هي، بحسبه "تؤيد كردستان العراق وترفض كردستان سورية".
وكما هو معروف بداهة، فإن حق تقرير المصير لا يعني إلا الاستقلال/ الانفصال، وبما لا يستثني إقليم كردستان العراق المستقل بالأمر الواقع منذ سنوات طويلة، ويسعى الآن إلى جعله استقلالاً رسمياً يحظى باعتراف دولي. وحقيقة جوهر "حق تقرير المصير" هذه هي ما جعل المسؤول الروسي ذاته، وفي التصريحات ذاتها، يستدرك بأن مثل هذا الحق "ليس مدخلًا جيداً لحل المشكلة اليمنية".
وإذا كان روسيا قد أبقت مصير الأسد معلقاً على الانتخابات التي ستجرى، في داخل سورية وخارجها، غداة التسوية السياسية بإشراف صارم من الأمم المتحدة، كما قال المسؤول الروسي؛ فإن حق تقرير المصير "الروسي" سيتم حسمه مباشرة بالدستور السوري "الروسي" أيضاً، والمقر كأحد أركان انطلاق التسوية.
طبعاً، وكما صار معروفاً منذ زمن، فإن الأكراد في سورية هم محل الاتفاق الوحيد بين روسيا والولايات المتحدة بشأن أي تسوية مقبلة. فحتى إن لم تكن موسكو تطمح إلى استغلال الورقة الكردية لمصلحتها بشكل مباشر، فإنها لا تملك إلا استرضاء واشنطن هنا، ولا سيما أن هذه الأخيرة صارت تمتلك قواعد عسكرية في مناطق الأكراد بُنيت أمام أعين الروس، والإيرانيين طبعاً.
هكذا تبدو النتيجة الأولى المترتبة على جلاء الموقف الروسي هي العودة إلى أول مبادئ السياسة للدول (وليس لإقطاعيات الزعماء الخالدين فساداً واستبداداً)، بأن روسيا لا تختلف عن الولايات المتحدة، واللتين لا تختلفان أيضاً عن إيران وتركيا، لناحية دافعها القائم على تحقيق مصالحها القومية، حتى إن اقتضى ذلك تقسيماً لسورية، أو إبقاءً لبشار الأسد بمسمى رئيس الجمهورية أو العكس.
أما النتيجة الأكثر بدهية، لكنها الأهم، كما تؤكد التجربة العربية خصوصاً، من العراق إلى السودان والآن سورية، فهي أن "حق تقرير المصير" لا يمكن أن يحضر أداة دولية وإقليمية للتقسيم، إلا عندما يتم إنكار حق المواطنين في تقرير مصيرهم باعتبارهم مواطنين –وليسوا رعايا أو عبيداً- متساوين في الحقوق والواجبات ضمن دول حقيقية، وليس ملحقة فعلاً كما اسماً بالزعيم.