الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية وموت التعايش

سورية وموت التعايش

28.04.2014
جهاد الخازن


الحياة
الاحد 27/4/2014
في عاصمة سورية التعايش أصبح ذكرى. في عاصمة سورية السكان يتذكرون أيام التعايش الطائفي.
ما سبق عنوانان، الأول في صدر العدد الإلكتروني من جريدة "لوس أنجليس تايمز" في نهاية الأسبوع، والعنوان الثاني للخبر نفسه في قسم الأخبار العالمية.
الخبر مصدره دمشق وكتبه باتريك ماكدونيل، مراسل الجريدة، وهو يقول إن مسيرات يوم الجمعة العظيمة، وهي جزء من عيد الفصح، اقتصرت على مناطق الكنائس وتحت تفتيش دقيق من جنود وميليشيات، بعد أن كانت تضم عشرات ألوف الناس في سنوات ما قبل الثورة.
السوريون في تحقيق الجريدة الأميركية قالوا إنهم لم يفكروا يوماً في الطائفية، إلا أن الكل أصبح يعيش في خوف، ولا منطقة سالمة أو آمنة، والأسبوع الماضي شهد سقوط قذائف في منطقة حي توما من دمشق، وقتل طالب صغير في العاشرة من عمره.
بعض السكان قال إن النظام شجّع على وجود "القاعدة" والمتطرفين في سورية ليزعم أنه يحمي الأقليات من الإرهاب. وقال واحد إنه لم يسأل في حياته عن دين الجيران والأصدقاء والآن الكل يعيش في خوف.
هل بقي شيء جميل في سورية لم تشوهه الحرب؟
في 20/8/2009 كان لي في هذه الزاوية مقال عن سورية بدأ بهذه الكلمات: كنا صغاراً في المدرسة لا نعرف مَنْ هو المسلم ومَنْ هو المسيحي، إن لم يكن اسم الطالب محمد أو حنا، والآن لا يكفي أن نعرف المسلم من المسيحي، بل يجب أن نعرف السنّي من الشيعي.
المقال تبع برنامج "صلاة الأحد" الذي بثه راديو بي بي سي في الرابع من ذلك الشهر وكان عن التعايش بين المسلمين والمسيحيين في سورية. مقدِّم البرنامج مارتن بالمر، وهو لاهوتي بريطاني، تنقل بين حلب ودمشق، وبدا مذهولاً بروعة التاريخ، وبالعلاقة الأخوية والود بين المسلمين والمسيحيين في سورية فقد رأى نساء محجبات في الكنائس خلال زفاف صديقاتهن المسيحيات.
عدت إلى الموضوع في 4/2/2013 بعد مجزرة في حلب حيث لي أصدقاء لا أعدِل بهم أحداً في الدنيا، وبينهم تلك الشابة العبقرية التي تُعِد الآن لدكتوراه في الفيزياء النووية في كاليفورنيا.
التحقيق الأميركي يتحدث عن المسيحيين في سورية وكأنهم صلّوا "صلاة الخوف" في عيد الفصح، فمن التعايش إلى حرق كنائس وخطف راهبات وفرض جزية.
على سبيل التذكير، في القرآن الكريم: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزِل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. (سورة المائدة، الآيتان 82 و83).
لا أصدّق ولا أريد أن أصدق أن سورية تغيرت، فالتعايش شيء محفور في النفوس والقلوب، والإرهاب لا يمكن أن يغيره.
أعرف سورية قبل أكثر الناس، بمن فيهم السوريون، وأذكر يوماً وأنا وأصدقاء من الطلاب المراهقين لم نجد فندقاً يقبلنا مع وجود معرض دمشق الدولي فذهبنا إلى المسجد الأموي في الثالثة أو الرابعة صباحاً، ولم يسألنا الحارس هل نحن مسلمون أو مسيحيون، وإنما سأل: قدّيش الساعة؟ وعندما رددنا بالعربية أدخلنا لننام. اليوم أقرأ أخبار سورية وأتمنى أحياناً أن أنام فلا أصحو.
:0r�sa�� �� -SY style='font-size:14.0pt;font-family:"Simplified Arabic"; mso-ascii-font-family:Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri;mso-bidi-language: AR-SY'>والمشكلة هنا أن إصدار تلك الفتاوى، وهي تمثل في حقيقتها مواقفَ سياسية
وأحكاماً اقتصادية وتوجهاتٍ ثقافية، يتطلب وجود دراسات وتحليلات في غاية العمق والتنوع والشمول من جهة الاختصاص.. وحيث إن تخصص الغالبية العظمى من الشخصيات التي تعمل على هذا المشروع، إن لم يكن جميعهم، ينحصر في إطار العلوم الشرعية، فإن من الصعوبة بمكان أن تتوفر الشروط العلمية اللازمة التي تضمنُ كونَ المسألة قيدَ البحث قد فُهمت ودُرست بالشكل المطلوب. وبالتالي، فإن الفتوى أو الحكم الصادر بخصوصها سيحمل، لا محالة، درجةً من النقص والقصور. الأمر الذي
يمكن أن يؤدي إلى ظهور تَبعاتٍ عملية غير محمودة النتائج، هذا إذا لم يؤدِّ الأمر بمجمله إلى حصول كوارث على أكثر من صعيد.
ومع الاحترام المطلوب للمتخصصين في العلوم الشرعية، غير أن الصراحة والواقعية يقتضيان التأكيد بأن عصر الموسوعات الكبرى المتمثل في بعض العلماء انتهى منذ زمن بعيد. وأصغرُ إنسانٍ يمتلك شيئا من العلم الأصيل بالدين في هذا الزمان ويحترم نفسه، يستحي أن يدعي معرفته بجوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والتاريخ والثقافة والأدب والعلوم.
لقد آن الأوان لنأخذ بكل جدﱢية التعقيدَ البالغ الذي أصبح طابَعَ الحياة
اليوم، ونُدرك الحيوية الهائلة التي صارت تميز واقعنا المعاصر، والتي بات من المستحيل إدراك أبعادُها أو التعامل معها بعيداً عن جملةٍ من الفنون والعلوم والتخصصات التي مازالت ثقافتنا الإسلامية والعربية والسورية زاهدةً فيها، وفي مقدمتها تخصصات العلوم الاجتماعية.
ففي حين كانت العوامل التي تؤثر في الماضي في حياة الإنسان، وفي مصير الأمم والشعوب، محدودةً عددياً، ومحصورةً في بيئته الجغرافية وواقعه الاجتماعي والسياسي المعيّن. تزايدت تلك العوامل اليوم وتنوّعت بشكل يستعصي على الحصر.
وفي حين كان العلماء فيما مضى يتّصفون بالموسوعية، فنجدُ أحدهم عالماً في الدين والاجتماع والفلك والطب والكيمياء وما إليها، صارت غايةُ المُنى لعلماء اليوم أن تكفي حياتُهم للإحاطة الشاملة الدقيقة ليس بعلمٍ واحدٍ فقط، وإنما بأمرٍ جزئي في علمٍ من العلوم.
وأصبح من أهم ملامح هذا العصر أن كثيراً من تلك العمليات الحياتية العفوية التي كانت تمارسُها المجتمعات، أو التي كان الأفراد يقومون بها في الماضي، صارت اليوم علوماً تُدرّسُ في المدارس والجامعات، تُكتبُ حولها المقالات والكتب والأبحاث، وتُقام لها حلقات البحث والندوات والمؤتمرات.
وفي الخلاصة، فإنه لم يعد هناك تقريباً شيءٌ من أمور البشر يُمارسُ عفوياً في هذا الزمان. وإذا كان في بلادنا من لا يزال يعتقد ذلك بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال، فإنما ينتج ذلك عن جهلٍ بهذا العصر وبهذا العالم، وبالإنسان الذي يعيش فيهما. وبالتالي، فإن من الطبيعي أنه لا يستطيع إنسانٌ يحمل رسالةً أو قضية أن يعيش كما يستحق أن يعيش في هذا العصر وفي هذا العالم، فضلاً عن أن يؤدي رسالته ويخدم قضيته، ما لم يدرك تلك الحقيقة الكبرى أولاً، ثم يتحرك وفقاً لمقتضياتها في واقع الحياة.