الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية ووهم انتصار الرئيس على شعبه!

سورية ووهم انتصار الرئيس على شعبه!

26.11.2013
سليمان أوصمان


القدس العربي
الاثنين 25-11-2013
لعل النظام السوري يعيش وهم الانتصار منذ وقت طويل، تعويضا عن اخفاقاته المتكررة والمزمنة، ولتضليل الشعب وصرف النظر عن ورطته الكبرى في قتل المدنيين بالرصاص الحي والغازات السامة.
إنه انتصار من صنع الخيال، ابطال من الورق، شبيحة ولصوص. فمنذ مجيء البعث الى السلطة عام 1963 وحتى الآن، لم يحقق اي انجاز وطني، لا في الأرض ولا في الفضاء، انما اوهم الناس بانجازات الحركة التصحيحية، وبطولات حرب تشرين التحريرية، ودعم المقاومة ومجابهة الامبريالية العالمية وعلى رأسها امريكا، ولكنه في حقيقة الامر ساهم في ضرب صفوف الفلسطينيين اكثر من مرة وتاجر بقضيتهم لعقود طويلة.
فها هو يوهم العالم ومؤيديه، بأنه يحسم المعركة سياسيا وعسكريا، في ارجاء البلاد، ويدحر الارهابيين والمارقين، وان ابواب النصر تفتح لهم على مصاريعها، لدرجة يقتنع المرء بأن القيادة السورية تدير الازمة منذ بدايتها ببراعة خارقة، اما في الواقع فانها فقدت البوصلة وخسرت الكثير.
وعلى هذا الاساس جرت وتجري عملية غسل العقول والادمغة، وتغييبها عن واقعها، بحيث يساق الشعب كقطيع من الغنم وراء الآلة الاعلامية الكاذبة، ويستمر مسلسل الانتصارات الدونكيشوتية والاصلاحات الزائفة حتى في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ البلاد، اذ يسخر النظام كل طاقاته المخابراتية والامنية، من أجل اقناع مواطنيه بانتصاراته الفانتازية من جهة، وبأن سورية تتعرض لهجمة امبريالية، عالمية من جهة أخرى، بحيث يصور الاعلام السوري الرسمي ان المعركة ليست مع السوريين وحدهم وانما مع عشرات الدول، والانكى من ذلك تأكيد وزير الاعلام عمران الزعبي أنه لا توجد قوة في الأرض قادرة على إسقاط سورية الدولة والوطن والشعب.
ولكن هل التنازل عن الكيماوي يعد انتصارا، وقتل اكثر من مئة الف مواطن انجازا؟ إن النصر الذي يفتخر به النظام اليوم لا يختلف عن انتصارات صدام حسين صاحب (ام المعارك والقادسية)، ومعمر القذافي ملك الملوك، بل هو أشبه بمغامرات دونكيشوت الكرتونية الذي كان يحارب طواحين الهواء. صدام حسين في حربي الخليج الاولى والثانية كان مقتنعا بأن قواته ستدحر الجيش الامريكي وتغرقه في الوحل. غير ان النتائج على أرض الواقع اتت على عكس توقعاته، ولكنه استمر في حلمه حتى سقوط بغداد 2003، وكانت النتيجة انه زج جيشه وشعبه في حروب خاسرة.
لا شيء يسجل لصالح النظام السوري، سوى القتل والخراب، وإشاعة ثقافة الامن والمخابرات، فلم نشاهد أي انجاز تاريخي أو حتى عسكري، على الرغم من ان الطائرات الاسرائيلية كانت تحلق فوق قصور الرئيس أكثر من مرة، ودائما كان النظام يحتفظ بحق الرد، ولنكتشف في ما بعد أن هذا الحق ضاع في خبر كان، وذهب مع الريح، لا بل ان طائراته الآن تقصف احياء دمشق وتقتل الابرياء عوضا عن قصف تل ابيب.
فاليوم يتحدث النظام وآلته المخابراتية عن حسم المعركة في دمشق، واقتلاع جذور الارهاب وانتهاء الازمة، وكأن جبهة الجولان تمر من بابا عمرو، وأن أهل حمص هم الذين فتحوا أبوابهم للعدو، ولكن من خلال نظرة سريعة للاحداث، يتضح ان الانجاز الوحيد الذي حققه النظام، يكمن في استخدامه كل اسلحته الفتاكة ضد شعبه الاعزل، وضرب كل المواثيق والمبادئ الدولية المنادية باحترام حقوق الانسان عرض الحائط، فما من وسيلة أو سلاح الا واستعمل في قمع المتظاهرين وقتل الناس وإبادتهم، وآخرها كانت مجزرة الغوطة بالسلاح الكيماوي.
ان تصوير الاعلام السوري لكل هذا الخراب والدماء، والاشلاء في الشوارع والطرقات، على انه انتصار تاريخي، كي يوهم مؤيديه واصدقاءه بأنه يسيطر على الارض ويتحكم بكل زاوية أو حارة، ما هو الا دليل على ضعفه وهشاشته، ذلك ان النظام الذي يخاف من صوت الاطفال المنادي باسقاطه، وترعبه أغاني الثوار، ما النصر الذي ننتظر منه؟ وأي اصلاح ديمقراطي سوف يحققه؟ وهو الذي ارهب الناس لمدة أربعين عاما، وأذاقهم الويلات والمصائب.
لقد خسر النظام كل معاركه الداخلية والخارجية على مدى عقود طويلة، وليست هناك أية اشارات قريبة أو بعيدة بأنه يحقق انجازات وطنية، بيد انه يصور للعالم أن معركته الحالية، ضد الجماعات المسلحة على وشك الانتهاء وسيفرغ للعب مع الكبار، لأن قدره العيش على خلق الازمات والعداوات. ما من شك ان النظام بدأ يبحث عن انتصار مزيف يحفظ له ماء وجه رئيسه بشار الاسد، الذي لا يزال خارقا في عالمه الخاص، فهو يرى بانه لا يدافع عن سورية فقط وانما عن مستقبل ابناء المنطقة كلها.
‘ كاتب واعلامي من سورية