الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية... و "الرجل المتنور في عالم غير عقلاني"!

سورية... و "الرجل المتنور في عالم غير عقلاني"!

03.10.2016
محمد مشموشي


الحياة
الاحد 2/10/2016
يمكن القول، بلغة الاقتصاديين ورجال المال والأعمال، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يستثمر" الآن ومنذ أكثر من سنة في سوق ضعف الآخر أو حتى في غيابه شبه التام. وفي سورية تحديداً، ومن خلالها في المنطقة كلها، يبدو "استثمار" بوتين هذا الأكثر نجاحاً في مواجهة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لا يلوي على شيء أكثر من "خروج تاريخي"، أو "خروج الى التاريخ"، من وجهة نظره، من البيت الأبيض بعد أقل من ثلاثة أشهر.
وعندما قال الباحث في "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ستيوارت باتريك، في تقريره عن خطاب أوباما الأخير في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، انه كلام رجل متنور (enlightened man) في عالم غير عقلاني (unreasonable world)، لم يكن يتحدث إلا عمّا سبقت الإشارة إليه: "الاستثمار" السياسي الرخيص، في عالم غير عقلاني ومن جانب قيادات فيه، في حرب بالغة الوحشية وغير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية في سورية، في مقابل غياب أميركي كامل عن الساحة باسم "التنوير" في الثقافة والفكر السياسيين من جانب إدارة أوباما.
وقد لا يناقش المرء كثيراً في لاعقلانية هذا العالم، بخاصة في الفترة الحالية، لكن كلاماً كثيراً جداً يمكن أن يقال، بل ينبغي أن يقال، في ماهية وأحقية وجدوى "التنوير" في مثل هذا العالم. من شأن "التنوير" هنا، لا سيما عندما يكون صاحبه في مركز صناعة القرار، أن يكون نوعاً من الرومانسية الشخصية، أو حتى المثالية التي قد تقنع أكاديمياً أو مثقفاً حالماً بعالم آخر، لكنها لن تؤتي بالتأكيد إلا المزيد من لاعقلانية هذا العالم، فضلاً عن إنزال الويلات بشعوبه وبمستقبلها، وزيادة سفك الدماء البريئة في صفوفها.
ولعل هذا بالذات ما تحصده إدارة أوباما الآن، ليس في سورية وحدها إنما في المنطقة وفي الولايات المتحدة نفسها أيضاً، وما يجنيه في المقابل "استثماراً" من دون رأسمال فعلي، بوتين أولاً ومعه المرشد الإيراني علي خامنئي من جهة ورئيس النظام السوري بشار الأسد من جهة ثانية.
وبالمعنى الأميركي تحديداً، هل تبعد عن هذا الحصاد ظاهرة مثل ظاهرة دونالد ترامب الممجوجة والغريبة في الولايات المتحدة؟
أياً يكن، لا شك في أن ضعف (عملياً، غياب) السياسة الأميركية الواقعية في سورية والمنطقة، هو الذي جعل كلاً من بوتين وخامنئي والأسد (وربما غيرهم في العالم) يفتح سوقاً استثمارية ناجحة فيهما خلال العام الماضي. والدليل، ليس فقط تراجع المعارضة السورية الحقيقية في أكثر من رقعة في هذا البلد، إنما أيضاً توسّع رقعة الإرهاب وانتشاره في أوروبا وفي الولايات المتحدة ذاتها. وإذا كان من معنى لتأكيد الأسد، وهو يعلن موافقته على الاتفاق الروسي- الأميركي الأخير، انه سيواصل العمل لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية من معارضيه، فليس سوى القول إن ذلك، في اعتباره واعتبار بوتين، جزء من الخطة التي اتفق عليها جون كيري وسيرغي لافروف، وحرصا معاً على عدم كشف تفاصيلها.
عملياً، لا تفسير لما تشهده حلب الآن، وعلى حساب تاريخ هذه المدينة العريق ووقوفها ضد النظام، ودماء شعبها المسفوحة، الا أن هذا هو الواقع.
وقد لا يكون مبالغاً فيه اعتقاد بعضهم بأن سياسة بوتين في سورية قامت أساساً على نظرية الغياب الأميركي عنها وعن المنطقة، اعتماداً من جهة على ما سماه الباحث الأميركي "الرجل المتنور" المقيم في البيت الأبيض، ومن جهة أخرى على فترة الانتخابات الرئاسية التي تجعله مجرد "بطة عرجاء" في الداخل كما في الخارج.
... أوليس تحدي الكونغرس، ربما لأول مرة في التاريخ، لقرار أوباما استخدام "الفيتو" في قضية ما يسمى تشريع "جاستا"، جزءاً من الصورة العامة لواشنطن في هذه الفترة، وحتى لمقولة "التنوير" ذاتها لدى أوباما وإدارته؟
غني عن البيان أن لا أحد يمكنه أن يناقش الحاجة إلى سياسة تعتمد "التنوير" الفكري، بخاصة في دولة مثل الولايات المتحدة لها يد في كل شيء تقريباً في العالم. كما لا أحد يناقش قول أوباما مثلاً إن من غير المعقول "أن يملك 1 في المئة مثل ما يملكه 99 في المئة من سكان هذا العالم". لكن ما يبقى هو السؤال: كيف يمكن مقاربة ذلك في ما وصف حقاً بأنه "عالم لا عقلاني"... في تقاسم الثروة، كما في ممارسة السياسة والسلطة ومراعاة القيم الأخلاقية على حد سواء.
لا حاجة للقول إنه في الغاب، لا مكان لكلمة في القاموس، تدعى الحمل... أو "التنوير"، وفق ما ذهب إليه الباحث ستيوارت باتريك في وصف مَنْ لا يزال يقيم حتى الآن في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.