الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية في ألعاب الأمم

سورية في ألعاب الأمم

17.12.2014
حسن قاسم



الحياة
الثلاثاء 16-12-2014
سبق لروسيا، التي ضاقت ذرعاً بأزمتها، أن رفضت إقراض اﻷسد بليون دوﻻرٍ أميركي، ما يمكن تفسيره كضغط عليه للقبول بخطة دي ميستورا لتجميد الصراع، والتي أبدى اﻷسد قبولاً مبدئياً بها دون أي مبرر عملياتي، في حلب خصوصاً، وهي جبهة ﻻ يُظهر فيها درجة كافية من الضعف تدفعه للقبول بالتجميد. في حين يستمر اﻷميركيون بسياساتهم الرمادية المراوحة، والتي ﻻ يبدو من أفقٍ لها عدا استمرار استنزاف الحليف الروسي للأسد، استنزاف وصل درجاتٍ بات فيها الروس أضعف من احتمال حدتها بعد انخفاض أسعار النفط، واحتمال امتداد الانخفاض ليشمل أسعار الغاز، حيث تشكل المادتان ما نسبته 61 في المئة من مجمل الصادرات الروسية في النصف الأول من 2014، وتُقدر الخسارة السنوية لروسيا جراء تدهور أسعار النفط وحده بـ 109.5 بليون دولار، تدهور حافظت السعودية على آخر عتباته عند 67 دولار للبرميل بعد رفضها خفض معدل الإنتاج في اجتماع أوبك الأخير.
على الجانب الآخر، تحاول تركيا، ومنذ بداية الثورة، دفع الإدارة الأميركية نحو سياسةٍ أكثر إنتاجاً وجذريةً في سورية، ولا يُبدي الأتراك ضيقاً أقل حيال سياسة أميركا الاستنزافية في سورية، وإن لأسبابٍ مختلفةٍ عن الأسباب الروسية، ضيق عبّر عنه الرئيس إردوغان في تصريحاته الأخيرة، عندما وصف سياسة أميركا في سورية بالوقحة، وهي درجة غير مسبوقة من التصعيد في سلسلة تصريحات الرئيس التركي المنتقدة للإدارة الأميركية.
ومع ذلك، سيكون من الصعب المراهنة على هذا التقارب الموضوعي بين تركيا وروسيا لجهة التوصل لحلٍ وإن بشكلٍ تمهيديٍّ في سورية، فالروس ﻻ ينظرون للتجميد كمدخلٍ لحلٍ في الوقت الراهن، وإن نظروا ﻻحقاً، فإن مدخلاً كهذا لن يفضي لحلٍ مقبول سورياً على اﻷقل، إن لم يكن إقليمياً (تركيا بشكلٍ خاص) أو دولياً (أميركا)، تجميد الصراع سيتيح لروسيا فرصة التقاط أنفاسها، وقد تكتفي تركيا بالتلويح به، لإعادة خلط اﻷوراق في وجه اللاعب اﻷميركي، وتعكير صفو اطمئنانه ﻻستمرار حربه الاستنزافية في سورية، أملاً في دفعه لتغيير سياساته نحو اتجاهاتٍ أكثر إنتاجاً، ما يتلاءم مع التطلعات التركية التي عبر عنها المسؤولون الأتراك في غير مناسبة. ولعل زيارة الخطيب اﻷخيرة إلى موسكو تأتي في سياق استثمارٍ تركيٍّ في اﻷزمة الروسية للضغط على اﻷميركيين، وإشعارهم أن الصراع ليس على درجة اﻻستقرار التي يظنون، وأن منافذ فاتهم سدها جيداً قد تُفتح على ما لم يحتاطوا له كفاية. انطلق الخطيب من الدوحة إلى موسكو، وهو مما يجب أخذه في الاعتبار، وعاد منها ليزور مخيماً للضباط المنشقين تشرف عليه السلطات التركية وتمنع زيارته دون إذنٍ مُسبق، في تحركٍ يوحي بأن استثماراً تركياً في الأزمة الروسية قد بدأ. ولعل التصاعد في حدة التصريحات اﻷميركية تجاه اﻷسد، وربط الرئيس أوباما نجاح الحرب على داعش، التي سبق لتركيا أن تحفظت على الاستراتيجية الأميركية فيها، بإزاحته أولاً، يأتي في سياق محاولة أميركا تهدئة حلفائها، برسالة يمكن قراءتها؛ أن ليس من الضروري القيام بمناورة من هذا النوع، رسالةٌ رد عليها الرئيس إردوغان بتصريحات تؤكد اﻻعتراض الحازم على سياسة أميركا تجاه حلفائها.
حتى الآن، لا يمكننا التأكد من نجاح تركيا في استثمارها هذا، لكن المؤكد أن نشاطاً ديبلوماسياً أميركياً انتاب الملف السوري عقب زيارة الخطيب الموسكوفية، وسيكون من المشروع الاعتقاد بأنها سببٌ له، أو أن السبب يعود لتوسع مساحات سيطرة فصائل إسلامية أقرب لتركيا في الشمال السوري، على حساب فصائل سبق أن صنفها اﻷميركيون كمعتدلة وكانت في حسابات دعمهم، وهو أيضاً مما يصب في سياق الضغوط التركية على الحليف الأميركي المراوح، وإن بأدوات تختلف عن الاستثمار في الأزمة الروسية، استثمار ستزيده زيارة بوتين لأنقرة قوةً، حيث لا يمكن، بل ومن غير المنطقي، الاكتفاء بالتأكيد على الطابع الاقتصادي لها، ما قد يُمَكن الاستثمار التركي من تجاوز نتائج زيارة المعلم اﻷخيرة إلى موسكو، وينذر بتحوله ضغطاً ﻻ يمكن للأميركيين تجاهله، وهم مقبلون على اجتماعٍ مصغرٍ لأصدقاء سورية الأكثر مباشرةً للملف، تبدو تركيا الأشد حماساً له.