الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية في القاعة المستديرة

سورية في القاعة المستديرة

26.09.2016
يمان دابقي


العربي الجديد
الاحد 25/9/2016
قُبيل الإعلان عن شهادة الوفاة للهدنة في سورية الناتجة عن اتفاق الوزيرين، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، عقد مجلس الأمن جلسة طارئة وخاصة للملف السوري في 21 من سبتمبر/ أيلول الحالي، لإحياء الهدنة، ووضعها على المسار الصحيح، لتشكّل نواة صلبة تمهّد الطريق إلى تفعيل محادثات السلام لعلّها تنقذ ما تبقّى من السوريين.
امتلأت قاعة مجلس الأمن بمن يدّعون السلام والحفاظ على الأمن والسلم العالمي، وأبرز الحاضرين الدول الخمس دائمة العضوية، وهم نفسهم ورثة الحرب العالمية الثانية التي كانت سبباً رئيساً في تجمّعهم، والمهم الآن الجلسة الطارئة تحوّلت إلى مناورة وتبادل للاتهامات بين الوزيرن كيري ولافروف، بشأن مسبّب ومرتكب الجريمة البشعة التي استهدفت قافلة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة قبل الجلسة بيومين، حيث تسببّت بحرق 18شاحنة، بما فيها من مواد إغاثية، إضافةً إلى مقتل 12 شخصاً من طاقم الهلال الأحمر، أحدهم المدير العام للهلال الأحمر.
تصاعدت الاتهامات بين الجانبين، لتصل إلى حدّ التخوين، وتحميل كلّ طرف المسؤولية بانهيار اتفاقية وقف الأعمال العدائية، وانتقلت عدوى التوّترات إلى كلّ الأطراف الحاضرة، على مستوى وزراء الخارجية، لتتحوّل القاعة إلى مسرح كبير، استغلّ به كلّ طرف عرض عضلاته وإسهاماته في خدمة السوريين، كنوع من التبرير والتنصل من المسؤولية الأخلاقية، واللغة السائدة للجميع ازدواجية في المعايير.
اللافت أنّه، في الوقت الذي يتبادل فيه الوزراء أطراف الحديث تحت قبّة مجلس الأمن، على الطرف المقابل، وفي التوقيت نفسه، كان البيت الأبيض مشغولاً في عرقلة مشروع قانون لمعاقبة الأسد، وكان ينص على معاقبته لارتكابه جرائم حرب ضد المدنيين السوريين خمس سنوات.
ولم يكن الجانب الروسي أيضاً أكثر غرابة من الأميركي، فحضور لافروف في مجلس الأمن لم يمنع الطائرات الروسية من الاستفراد في حلب، حيث استهدفت أحياء حلب الشرقية المحاصرة بأربعة عشر غارة روسية بقنابل وقذائف حارقة فوسفورية جعلت ليل حلب صباحاً لن ينساه الحلبيون على مرّ العصور.
كان نظام الأسد على علم بكلّ ما يجري، وكيف لا يعلم وهو المستفيد الأكبر من كلّ ما يجري، فبينما كان مندوبه بشار الجعفري يدلي بدلوه في مجلس الأمن، ويستخدم وينتقي الألفاظ المنمّقة التي استخلصها من الفكر البعثي، تقدّمت قوات الأسد ومليشياته المرتزقة في حلب، لتزيد الخناق على المدنيين، من إحكام الحصار والتقدّم من عدّة محاور من الجهة الغربية عند مشروع 1070، إضافة إلى وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق حي الوعر في ريف حمص، للاستمرار في مسلسل التهجير القسري، لتأمين طوق العاصمة، لتصبح مستقبلاً بما أسماها سورية المفيدة.
وبالعودة إلى القاعة المفرغة، أنهى الجميع ما كان مدوّناً في أوراقه، وأقرّوا بأن لا حلّ عسكرياً في سورية، ولا بدّ من إحياء الميت، مشيرين إلى الهدنة وتثبيتها على قدمين لتهيئة الظروف السياسية لاستئناف المحادثات. وليست هذه النتيجة جديدة، حتى على أطفال سورية الذين باتوا يقولون إنّ السلام أصبح يكتب على جدران المقابر، فكم من اجتماعاتٍ سابقةٍ، لم تفرز إلا التقاط صور لشخصيات سياسية، تتصدّر وسائل الإعلام، وتتعاون بالخفاء لتتبادل الصفقات من تحت الطاولة.
لا يزال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يفرض نفسه طرفاً لإحياء السلام بقوة السلاح، ويزداد يوماً بعد يوم تمسّكاً بالحسم العسكري في سورية، وتثبيت الأسد في دمشق، وهمّه استغلال الوقت المتبقي للإدارة الأميركية، والحصول على قرار من مجلس الأمن، يشرعن به الوجود العسكري، لا سيما فيما يتعلّق بالجزء الخفي من اتفاق كيري لافروف بتحقيق شراكة مع واشنطن للقتال ضد جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة الإسلامية، فالضغط هنا على الأميركان أتقنه بوتين بكلّ أساليب التعنّت والاستفزاز، وزاد من تعنته بإرساله أخيراً ثلاثة آلاف مقاتل إلى سورية، إضافة إلى حاملة طائرات أميرال كوزينتسوف للانضمام إلى السفن الحربية في المنطقة، استعداداً لإجراء اختبارات لتلك الأسلحة على المسرح السوري.
أما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فكعادته غير مستعجل على أيّ حسم في سورية، لأنه منشغل في لملمة أوراقه المبعثرة للخروج من مقرّ الرئاسة مع الإرث الشخصي له، والذي قد يتوّجه، في آخر إنجاز له، في تحرير الرقة السورية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية.