الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية .. اختبار السلام وخيار الحرب

سورية .. اختبار السلام وخيار الحرب

17.02.2016
طلال صالح بنان



عكاظ
الثلاثاء 16-2-2016
اختتمت، يوم الجمعة الماضي، أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، وبدا أن هناك بصيص أمل وقبسا من نور في نهاية نفق الحرب المظلم في سورية حيث تزدحم فعاليات الدبلوماسية وهدير آليات الحرب في ملحمة غابت فيها آمال وتطلعات السلام لتتوارى خلف جنون الحرب وهوس القتل بكل صوره بدءا بالجوع مرورا بالحصار وانتهاء بالصواريخ الروسية الفراغية التي حولت مدن سورية وقراها إلى ثقب أسود يميت كل صور الحياة للبشر والحيوان والشجر. بعد تأكيد المجتمعين في ميونخ أن خطر التطرف والإرهاب هو التهديد الحاضر والناجز لسلام العالم وأمنه، مهد المؤتمر لاستئناف مفاوضات جنيف آخر الشهر. بإعلان وقف النار ورفع الحصار عن المدن والقرى السورية، واستئناف مد المدنيين المحاصرين بالمؤن وفعاليات الإغاثة الإنسانية الملحة.
إلا أنه ليس من المتوقع حدوث تلك الانفراجة الإنسانية المرجوة لملايين السوريين في داخل بلادهم ولا لأولئك الذين هاجروا أو هجروا من ديارهم طلبا للأمن المذل خارجها. حتى لا تتوقع الإنسانية الشيء الكثير من قرارات مؤتمر ميونخ انبرى وزير خارجية الولايات المتحدة في جدل دبلوماسي وقانوني فيه من السفسطائية الشيء الكثير، عندما قال: إن وقف إطلاق النار لا يعني وقف الأعمال العدائية !
من جانبه الأسد، رفض قرار المؤتمر بوقف القتال زاعما: إن هدف نظامه الأول فرض سيطرته على كافة الأراضي السورية، متجاوزا طموحاته المتواضعة قبل التدخل العسكري الروسي، التي كانت تقتصر على دمشق ومدن الساحل السوري يربطهما ممر ضيق عبر حمص والقلمون ! روسيا لم يكن لديها ما تقوله تعقيبا على قرارات مؤتمر ميونخ، بل تركت لطائراتها أن تنسف ما شاركت في صياغة قرارات المؤتمر لتنشر الموت والدمار في المدن السورية التي لم تزل تستعصي على سلطة وجبروت الأسد ونظامه. يبقى دعاة السلام الحقيقيون يأملون في أن تكون قرارات مؤتمر جنيف بداية لحل سياسي للحرب في سورية، وإلا قرار الحرب، كما قال وزير خارجية المملكة: قائم ولم يسقط.
إذن ما إن انفض المؤتمر وقبل أن يغادره رموز الدبلوماسية المشاركون فيه ظهر مدى ما كان يفرقهم من مواقف وسياسات أمام واقع الأزمة التي يعيشها العالم في المستنقع السوري، لتزيد فرص الحرب.. وتتوارى احتمالات السلام. في واقع الأمر: لا يخرج توصيف الوضع في سورية عن كونه "سيناريو كلاسيكي" للطبيعة الصراعية لعلاقات الدول في بيئة خارجية شبه فوضوية يعاني ميزان القوى بينها، في حلبة الصراع، من خلل خطير.
الإبقاء على خيار الحرب غالبا على فرص الحل السياسي بسبب تعنت نظام بشار والتدخل الإيراني، معناه: إن الأطراف الفاعلة على الساحة السورية تسعى لكسب مواقع على الأرض قبل أن تتحمس لأي حل سياسي. الروس يستعجلون الحسم العسكري. الأمريكيون يستبطئون الحل السياسي ويعرقلون جهود الطرف الآخر من معادلة الصراع المتمثل في قوى المعارضة ومن يؤيدهم إقليميا، حتى ينجز الروس والإيرانيون وقوى النظام الجزء الأكبر من مشروعهم في حسم الأمر عسكريا ! يبقى الطرف الثالث إقليميا مستعدا دائما لدفع ثمن تردده في القتال ورهانه التقليدي على انتصار الحل السياسي، بعد أن اكتفى بمراقبة مسرح الصراع عن بعد بتفاؤل حذر، حتى جاء التدخل العسكري الروسي ليقلب كل الموازين ويأتي على كل آمال السلام وطموحات الاستقرار الإقليمي، بل وأمن العالم.
روسيا تبعث، عن بعد، رسالات للجميع بأنها: لا تقبل الهزيمة على المسرح السوري وأنها مستعدة لأبعد من تصعيد سلوكها العسكري التقليدي في سورية، إلى استخدام السلاح النووي ! واشنطن لا تترك مناسبة إلا وتردد موقفها من تجنبها للتورط مباشرة في المستنقع السوري. تبقى قوى التحالف الإقليمي لمكافحة الإرهاب تجد نفسها مدفوعة دفعا للتخلي عن سعيها وراء الحل السياسي وهي ترى قوى المعارضة، التي راهنت على حصانها ودعمتها ماديا وسياسيا، تفقد يوما بعد يوم مواقع على مسرح عمليات القتال، في الوقت الذي تشاهد فيه قوى إقليمية معادية تجني مكاسب تدخلها المبكر في مسرح العمليات.. بينما يكسب الإرهاب وأدواته، من أمثال داعش وتنظيم الدولة، مزيدا من القوة والنفوذ، بالإبقاء على بشار الأسد ونظامه.
الأمور لا تبشر بخير. في سورية: السلام يمر باختبار صعب.. والحرب يبدو خيارها ضروريا للجميع، رغم تأثيرها على استقرار المنطقة، وسلام العالم وأمنه.