الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية .. عندما تتقاطع مصالح الدول في الحلول

سورية .. عندما تتقاطع مصالح الدول في الحلول

13.05.2013
د.على الخشيبان

الرياض
الاثنين 13/5/2013
    الحل في سورية ليس حلاً عسكرياً كما يبدو ولن يكون حلاً سياسياً سهلاً فحتى إسرائيل التي تتوعد حزب الله الذي يدخل كطرف في النزاع السوري من خلال حرب يشنها بنفسه هناك من يقترح أن تكون طرفاً في حل الأزمة السورية وهذا يفسر تلك التقاطعات الكبرى
لم يكن أكثر المتشائمين يعتقد أن زمن الأزمة السورية سيطول إلى هذا اليوم وذلك قياسا على السرعة التي حدثت بها الثورة المصرية والتونسية والليبية، كما لم يفكر أحد بتلك التقاطعات الدولية في سورية وتعقيدات الأزمة السورية فالجميع كان يعتقد أن النظام السوري لن يصمد طويلا..
والحقيقة أن النظام السوري لم يكن ليصمد أمام هذه الثورة لولا تلك التقاطعات الدولية والمصالح المنتشرة على أرضة والتي لعبت إلى هذا اليوم لصالح بقاء النظام.
بدأت الأزمة السورية على شكل ثورة صغيرة مظاهراتها تقام ليلا بعيدا عن أعين النظام ولكنها تنشر عبر قنوات التواصل الاجتماعي ثم بدأت تكبر هذه المظاهرات مع بدء الاعتداء المباشر من قبل النظام على المتظاهرين بعد اقل من شهر على قيام الثورة حيث كانت الاعتقالات هي السمة البارزة في بداية الثورة ومع تزايد حجم الثوار وكثرة المظاهرات والدعم المحلي والإقليمي المباشر وغير المباشر قرر النظام السوري دخول معركة قمع الثورة بجيشه.
لم يكن التاريخ غائبا عن هذه المرحلة الأولية من الثورة فأول صفحات التاريخ التي تم إيقاظها كانت صحيفة مجزرة حماه الشهيرة والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من سكان المدينة ومعظمهم من جماعة الإخوان المسلمين، وأعتقد أن تاريخ مجزرة حماة هو الذي أشعل الثورة السورية في رؤوس الشعب السوري حيث بدأت تتشكل مجموعات للمقاومة بهدف إنجاح الثورة، كما أن مجزرة حماة كانت المحفز الرئيس للجماعات الإسلامية التي تشكلت فيما بعد كجماعات مقاتلة على الأرض.
بعد مرور اشهر على قيام الثورة السورية والتي انطلقت في بداية عام 2011 م بدأت الصورة تأخذ مسارا مختلفا على الأرض وعلى المستوى الدولي وتشكلت المجموعات المحاربة دون تصنيف وبدا واضحا الاختلاف في عناصر المقاومة سواء من هم في الداخل أو من هم في الخارج ولم تنجح المؤتمرات التي عقدها المجلس الوطني كثيرا فحجم التفاوت في وجهات النظر والتمثيل بدا كبيرا، وكانت هذه الاختلافات أكثر الأسئلة المقلقة للغرب الذي يطالبه العالم بالتدخل، ولكن السؤال الدائم كان : كيف يتدخل ولصالح من يتدخل..؟
بدت هناك مصالح متقاطعة على مستويين الأول المصالح الدولية فالولايات المتحدة ويشاركها بعض الدول الغربية لا تريد تصدير الحرب إلى إسرائيل التي تحتل أرضا عربية فدخول إسرائيل كطرف في العملية العسكرية سيكون سبباً لازمة أخرى.
سورية ستكون الممر الوحيد للأسلحة المنقولة إلى حزب الله العدو الأساسي لإسرائيل، ولذلك فإن إسرائيل لن توافق على أي قرار يحيدها عن الأزمة السورية ما دامت هناك احتمالات قائمة بنقل أسلحة متطورة من إيران إلى حزب الله عن طريق سورية، هذه المعضلة الأولى التي تجعل الولايات المتحدة في مسار معقد يصعب من خلاله الوصول إلى حل سريع للازمة السورية سواء بالتدخل العسكري أو الحل السياسي.
إسرائيل لن ترضى بفرض حظر جوي على الأجواء السورية لأنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى نقل الأسلحة المتطورة من إيران إلى حزب الله عن طريق سورية وهذا ما سوف يفشل فكرة الحظر الجوي، وما قامت به خلال الأيام الماضية من ضربات جوية داخل الأراضي السورية يدل على ذلك.

المصالح الروسية ايضا تنقسم بين وجودها في المنطقة من خلال قواعدها العسكرية في سورية وبين تحالفها مع إيران حيث تدافع روسيا عن إيران بطرق دبلوماسية ماهرة فهي تدرك أن وجود إيران في الأزمة السورية سوف يوفر الحماية لإيران من الغرب، كما سوف يجعل الغرب يضطر إلى الحوار المباشر مع روسيا وهناك سوف يكون المشروع النووي الإيراني قاسما مشتركا في الحوار معها.
هذه التعقيدات تجعل أيضا من حزب الله البوق الذي يستطيع الصراخ متى ما أصاب النظام السوري ألم تحسه إيران التي تدير النظام بشكل دقيق، بل إن هناك فرضية تقول إن إيران هي من تخلص من قيادات النظام السوري في التفجير الذي راح ضحيته خلية الأمن التي ضمت كبار القادة من الجيش السوري ووزير دفاعه، كما أن حزب الله سيكون جاهزا للدعم الإيراني الذي قد يصله عن طريق سورية الغارقة بالفوضى، وهنا يجب أن ندرك أن استمرار الثورة السورية يصب في مصلحة إيران التي تستخدم هذه الثورة كورقة لمفاوضة الغرب حتى لو وصل الأمر إلى التضحية بالأسد وليس النظام.
المستوى الثاني وهو المستوى المحلي فقد أصبحت ارض المعركة مليئة بالمحاربين إلى درجة أن الغرب وغيرهم لم يستطيعوا تحديد هوية من يقاتل على الأرض وهم يعملون بكل قواهم على تحديد الفئات الممثلة للشعب السوري لأن أرض المعركة مليئة بالجماعات الإسلامية التي تحارب لأهدافها الخاصة بينما يفقد الجيش الحر موقعه، ومن شدة التناقضات على الساحة أن أصبحت مصادر المعلومات مقلقة إلى درجة كبيرة حيث تعلن كل جهة تحقيقها انتصارات على جيش النظام، هذه الصورة على الأرض - تزيد الطين بلة - كما يقولون بل لا يمكن الجزم حتى اليوم عن الجهة التي تمثل الشعب السوري لأن السباق في ارض المعركة كبير جدا.
الحل في سورية ليس حلاً عسكرياً كما يبدو ولن يكون حلاً سياسياً سهلاً فحتى إسرائيل التي تتوعد حزب الله الذي يدخل كطرف في النزاع السوري من خلال حرب يشنها بنفسه هناك من يقترح أن تكون طرفاً في حل الأزمة السورية وهذا يفسر تلك التقاطعات الكبرى وهذا يوصلنا إلى السؤال المحير: كيف والى أين سوف تنتهي الأزمة في سورية وكم سيطول زمنها..؟
في الحقيقة يصعب التكهن في قدرة الغرب على حمل الحل السياسي إلى ارض الواقع كما يصعب التكهن على قدرة الجيش الحر على تعريف نفسه فهو يعيش في ارض المعركة وبحاجة إلى يد العون من كل من يقاتل هناك لذلك لن يكون من السهل تمييز من هو الجيش الحر، ومن هي الجماعات الأخرى سواء الإسلامية أو الطائفية التي سوف تتكون مع مرور الوقت للدفاع عن نفسها.
المهمة الأساسية للغرب قد تبدو في إقناع روسيا للضغط على إيران للتخلي عن تدخلها في سورية وتحييد حزب الله عن المعركة وعلى الجانب الآخر تقوم أمريكا بذات العمل مع إسرائيل ويقوم العرب بالعمل على دعم التنوع للمجلس الوطني بمساعدة تركيا وجلب ممثلين جدد من الجماعات المعتدلة في الداخل ومن ثم إعطاء النظام الخيار الوحيد إما الحوار مع هذه القوى أو السقوط بالحرب..