الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية .. مقبرة المشروع الإيراني!

سورية .. مقبرة المشروع الإيراني!

16.06.2015
Admin


د.عبد الله القفاري
الرياض
الاثنين 15/6/2015
تطورات المشهد السوري، والانتصارات الأخيرة للثورة السورية، توحي بأن هذا العام سيكون عام التغييرات الكبرى.. ليس في سورية فحسب وإنما على صعيد المنطقة.
لم تحقق الثورة السورية منذ انطلاقتها عسكريا، ثباتا وقدرة كما تفعل اليوم، فخلال الشهرين الماضيين، حققت انتصارات مهمة في الشمال والشرق والجنوب. تقلصت المساحات التي يسيطر عليها نظام الاسد الى حدود لا تزيد على 20% .
آلة جيش النظام مصابة بالإنهاك الشديد، فبعد اربع سنوات من المواجهات تبدو الرغبة في القتال في حدها الأدنى، والامكانات العسكرية والمادية تتقلص بسرعة، والروح المعنوية في الحضيض، والداعمون لنظام الاسد محبطون ومرتبكون من هذه النكسات المتوالية.
يأتي قاسم سليماني ليراقب الموقف عن كثب. الوعود بالدعم الايراني تأخذ طريقها للحفاظ على ما تبقى، لا القتال من اجل ما فُقد على جبهات واسعة. لا ضمانات للمشروع الايراني الذي يقاتل من أجل الحفاظ على ما تبقى من نظام الاسد. دولة الساحل تطرح نفسها بقوة هذه الايام. انها الخطة الاخيرة للحفاظ على موقع قدم للمشروع الايراني بعد ان فقد الكثير. حزب الله منهك، والسيد متورط في معركة استنزاف كبرى. والضامن الايراني متورط بجيش النظام الممزق الاشلاء.
روسيا لم تعد متحمسة للدفاع على بقايا النظام. لا تريد الرحيل لكنها تستعد لكل الاحتمالات. الولايات المتحدة الاميركية تقلقها الانتصارات الاخيرة لفصائل الثورة تحت هاجس صعود التنظيمات المتطرفة.. إلا انها متوقفة عند حدود العجز عن تقرير بديل للنظام في وسط لا يمكن الوثوق بأي بديل يمكن ان يحافظ على مصالح الولايات المتحدة وأمن اسرائيل في هذه البقعة المتفجرة بكل الاحتمالات.
سورية هذا العام، إما ان تكون مقبرة للمشروع الايراني في المنطقة برمتها، أو ان تكرس هذا المشروع عبر ألعوبة المشروع السياسي الذي يستهدف الابقاء على بنية النظام او ما تبقى منه حتى لو رحل رأسه.
سورية اليوم هي المختبر الكبير لمواجهة جادة للمشروع الايراني بالمنطقة وليس في بلاد الشام وحدها. إذا اندحر هذا المشروع في سورية قطعت أوصال التمدد الايراني، وفقد اهم قواعده على البحر المتوسط واصبح حزب الله او ما سيتبقى منه في جزيرة معزولة في جنوب لبنان.
سورية اليوم الميدان الاكبر لهدم أسس هذا المشروع، القائم على التحالف حد التدخل المباشر في ادارة المواجهات والمعارك اليومية، وإدارة الحرب الشرسة والهدم المستمر والتقويض الكامل.
راقبوا المشهد السوري خلال ما تبقى من هذا العام. التطورات الكبرى ستعجل بالنهايات. قطع رأس الأفعى في دمشق والساحل السوري، سيجعل الذيل في لبنان والعراق واليمن في مواجهة موت بطيء ولكنه حتمي.
كان بإمكان نظام الاسد لو أوتي شيئا من العقل والحكمة والشعور بالمسؤولية، أن يرحم سورية من هذه النكبة الكبرى. وكانت الحلول والامكانات متاحة لو أراد. انما كانت عقلية الاستبداد والعنف واسترخاص الدماء والتحالف مع نظام الآيات الكارثي.. هي من حول سورية الى مختبر للجحيم، وإلى اعظم محنة للإنسان والبشر في الألفية الثالثة
المعركة الكبرى اليوم في سورية وليست في مكان آخر. ولذا تستعيد هذه المعركة تأثيراتها على كل الفرقاء. الادارة الاميركية التي تعاطت مع الشأن السوري على طريقة الحروب الكلامية التي لا تصدقها اجراءات فعلية لوقف النزيف السوري وحلقات الدم وبراميل القتل ومعتقلات التعذيب التي تخجل منها حتى روايات النازية.. بدأت محاولة الترتيب لما بعد الاسد. ولم تكن تسريبات الصحافة الغربية حول ترحيل الاسد الى روسيا بالتوافق مع الادارة الاميركية سوى مؤشر على محاولة احتواء التطورات القادمة.
من كان يقول في بداية الثورة السورية ان الادارة الاميركية تشتري الوقت لإعادة تأهيل نظام الاسد لم يكن يجازف.. ومن كان يقول إن هناك فيتو اسرائيليا على ترحيل النظام لم يكن يضرب رجما بالغيب.. الشواهد اليوم كثيرة بعد اربع سنوات قاتلة ومدمرة وستترك اثرها لسنوات طوال.
نظام الاسد اليوم في مركز العناية الفائقة الايرانية.. وقد يعيش بعض الوقت لكن لن يكون بإمكانه القيام بشيء ذي شأن، إلا ان تولت ايران الحرب بكاملها نيابة عنه حتى تصنع بديلا عنه، وهنا ستقع في مأزق أخطر قد يدمر النظام الايراني برمته.
مواجهة المشروع الايراني تبدأ من سورية وستنتهي بها. الباقي هي مجرد تداعيات للضغط والتأجيج ولن يكون بمقدور الحكم في ايران اليوم مواجهة استحقاقات عسكرية واقتصادية باهظة الكلفة اذا ما استمر هذا النزيف لفترة أطول.
اذا سقط المشروع الايراني في سورية، فستكون بقية الامتدادات الايرانية في المنطقة مجرد تداعيات سرعان ما تسقط او تنحسر للحدود الادنى. سقوط المشروع الايراني في سورية سيُمكّن اللبنانيين من صناعة توافقات جديدة تبعد عنهم سيطرة ودموية ونفوذ حزب الله الذي قبض على القرار اللبناني لعقود.
إذا سقط المشروع الايراني في سورية، سيؤثر في الوضع العراقي. وسيدفع بالقوى المناهضة للمشروع الايراني لتبوء موقعها المناسب وبثقة أكبر لتخليص العراق من هيمنة فارس الجديدة.
إذا سقط المشروع الايراني في سورية، فسيدرك الحوثي وحلفاؤه باليمن ان الذراع الطويلة لن تمتد لإنقاذه وسط هذا النزيف المدمر، ما يجعله يدرك حجمه ويعود يبحث عن البقاء وسط مشهد تتغير فيه موازين القوة وتنحسر فيه قدرات الامداد وتتراجع فيه قدرات التدخل المباشر لإنقاذه.
اذا سقط المشروع الايراني في سورية، ستتوقف براميل النظام ولن يعود المدنيون صيدا سهلا لنظام شرد نصف شعبه ولم يعد بيت الا وهناك قتيل او مصاب او معتقل في أسوأ ظروف الاعتقال والموت البطيء.
المخاوف من صراع الفصائل بعد سقوط النظام مشروعة، والمخاوف من هيمنة النصرة او تنظيم الدولة واردة، ولكن من قال إن حروب الفصائل وهي محتملة ستكون وبالا على السوريين اكثر مما صنع نظام الاسد خلال اربع سنوات من القتل والتشريد والتدمير؟
أين سورية اليوم من سورية التي نعرفها.. ماذا تبقى بها سوى عاصمة محاطة بالدمار ومدن ساحل تتوجس بقلق كبير مما تحمله لها الايام القادمة. من صنع تلك الاحقاد وفتت الروابط الوطنية وأيقظ الطائفية القاتلة وراكم التردي وصنع البشاعات؟
لن تنجو سورية بسقوط النظام مباشرة، ولكن ستجد نفسها امام استحقاقات لن تدع المزيد من القتل هو الوسيلة الفاعلة للسيطرة والهيمنة. سيجد السوريون انفسهم امام معادلة صفرية قاتلة فلا يكون هناك سوى الفناء او التوافق. ولن يكون التوافق سلما لصعود طاغية آخر.. ستتحرر المنطقة من كل الطغاة وسيجدون ان تاريخهم لم يكن سوى صفحة سوداء في تاريخ شعوبهم. الصورة ليست وردية، الصورة بلون الدم القاني.. الصورة بحجم ما خلف نظام لم يعتد على الحياة الا بوجود الاقبية والسجون المعتمة وزنازين التعذيب والاغتصاب والقتل البشع والبطيء.
كان بإمكان نظام الاسد لو أوتي شيئا من العقل والحكمة والشعور بالمسؤولية، أن يرحم سورية من هذه النكبة الكبرى. وكانت الحلول والامكانات متاحة لو أراد. انما كانت عقلية الاستبداد والعنف واسترخاص الدماء والتحالف مع نظام الآيات الكارثي.. هي من حول سورية الى مختبر للجحيم، وإلى اعظم محنة للإنسان والبشر في الألفية الثالثة. سجل البشاعات سيطارد جيلا بأكمله في بلاد الشام.. وتدمير الانسان من الداخل وتشويهه من أعظم الكوارث التي يمكن ان تصاب بها الشعوب.