الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريون.. إلى الجحيم

سوريون.. إلى الجحيم

14.12.2013
ماسة بشار الموصلي


القدس العربي
الخميس 12/12/2013
ما عرفنا منذ عقود طويلة معنى أن يكون الإنسان حراً داخل وطنه، يمارس معتقده السياسي بالأريحية التي تمنحها له كلمة ‘الحرية’ وكافة الشرائع المدنية. دائماً كان إنساننا السوري على مدى أربعين سنة مضت يخشى أن ينتقد أخطاء نظام الحكم والحكومات المتعاقبة بموالاتها للبعث الحاكم. يخشى أن يطالب بحق له متى ما اتصل هذا الحق بالنظام وأزلامه، سبل الوصول لمنصب وظيفي وترقيته ضمن إدارات الدولة، هو حلم يقتضي تحقيقه الاستغناء عن كرامته وطأطأة رأسه لمعالي أصغر بعثي ضمن أجهزة ومؤسسات النظام الاستخباراتية والجيش وغيرها.
توالت السنون وإنساننا السوري إن أراد العيش الكريم فعليه حلاً من اثنين، وكلاهما يقتضي سلوك درب الصمت المطبق، أولهما: مجاراة النظام والسكون عن الفساد الذي يتغول داخل مؤسساته، لأجل تأمين مصلحته والتقاط الفتات من المكاسب التي يرميها له أو بمشاركته المكاسب، وثانيهما صمت تام والاكتفاء بأقل سبل العيش المتاحة.
هذا الحصار لإنساننا السوري كان له مثيل في بلاد عربية أخرى، حتى فاض القهر وامتلأت نفوس الناس بالحقد على أنظمة الحكم فانفجرت صيحات الغضب المطالبة بالكرامة والعدالة الإنسانية، صيحات قوبلت بالرصاص فارتفع سقف مطالبها لإسقاط النظام. تكرر المشهد من تونس إلى ليبيا إلى اليمن ومصر فسوريا والسودان والحبل على الجرار، ثورات شعبية عمت العالم العربي في مواجهة أنظمة القمع والاستبداد. حكايات من المآسي سوف ترويها الأجيال القادمة قصصاً ستبقى يانعة في ذاكرتها لا يمكن لها أن تنسى.
ما نجحت ثورة بمعطياتها الأساسية ولا حققت شيئاً من مطالبها الأولى التي قامت لأجلها بهدف الوصول للدولة الديمقراطية، سوى استبدال وجه مستبد بآخر مماثل له بعقلية الاستبداد، والفضل بذلك يعود إلى أدوات دولية اقتنصت الفرصة للتدخل بالثورات بغية تأمين مصالحها في هذه الدول، بينما دخلت الثورة السورية منذ عامها الأول في متاهة خطها النظام الحاكم لها: الطائفية التي شدّ حبائلها على أعناق الشعب عامة ليجعله في حالة اختناق طائفي آيل للانفجار، ويوماً بعد يوم استطاع النظام الأسدي العائلي بالحل الأمني الذي اختاره لأجل بقائه، الاستفادة من بث الفتنة الطائفية حتى جعلها واقعاً معاشاً بين فئة كبيرة من أبناء الشعب السوري.
ومع اختراق الطائفية لنهج الثورة السلمي الذي هدف بداية إلى القضاء على استبداد الحكم وفساده لأجل حياة كريمة وعدالة ومساواة تشمل كافة أبناء سوريا دونما تفرقة، ومع خذلان أصاب الشعب الثائر من سوء أداء الائتلاف المعارض ومن قبله المجلس الوطني، ومع تخاذل المجتمع الدولي ومواقفه البين بين المتأرجحة اتجاه التوافق على حلّ للأزمة السورية، ومع ولوج جماعات إرهابية إلى الداخل السوري للسيطرة على الثورة الشعبية، منها النصرة وداعش وكتائب أخرى أصبحت منتشرة ضمن الأراضي السورية تفتعل أعمالاً تعسفية لا تنتمي لأهداف الثورة المجيدة، ومع عدم التوافق العملي بين كتائب الجيش الحر في عملياته، مقابل ذلك استفحال الاستبداد وإجرام النظام بمساندة فصائل محاربة من حزب الله اللبناني سند النظام الأول، أصبحت الأرض السورية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها حتى غربها ساحة حرب بين قوى جميعها لا ينتمي للوطن سوريا، إيماناً وحباً خالصاً له، جميعها خائن للوحدة الوطنية، يسعى من خلال دخوله هذه الحرب لمصالحه ومصلحة منظمه ومحركه، وما الضحية إلا الشعب السوري البريء من كل أولئك، الذي تمارس عليه كل وسائل القمع ضمن المنطقة التي يعيش فيها والقابعة تحت إمرة وسيطرة فصيل من الفصائل المتحاربة أو جيش النظام، فيعتقل ويخطف ويقتل ويدمر بيته ويهجر ويجوّع.
هذا حال سوريو الداخل، أما من هجّر منهم إلى دول الجوار، فتسري على معاملات إقامتهم قوانين وضعت خصيصاً لحالتهم يمكن اختصار شروطها بـالقول: سوريون.. فإلى الجحيم.
نعم هذ هو حال الشعب السوري الذي أرسل للعالم إرثه الحضاري وبقي هو يغمس لقمة عيشه بنار القهر، سواء بالداخل السوري أو في منافيه العربية التي اضطر إلى اللجوء إليها في محنته اليوم باحثاً عن مأوى له، والتي أصبح بعضها يجد بهذا اللاجئ باباً مشرعاً له كي يشحد على وجوده ضمن أراضيها مكاسب ومساعدات مادية من دول العالم والمنظمات الإنسانية الدولية.
حالة قمة في الألم، دعت كثرا من أبناء الشعب السوري الحر اليوم إلى التساؤل: ما المكاسب التي حققتها ثورتنا إلى الآن؟
سؤال يطرق مسمعي يومياً بقوة، ويجعل قلبي في حالة انكسار من مشاهد القتل والخراب والتشرد والضياع والدمار للأرض والإنسان السوري، مأساة ما مرت عبر التاريخ الحديث في أي من دول العالم التي شهدت حروباً وثورات وفتن.
اللهم آمن من بقي له سقفا يأويه على أرض بلدي سورية، واحفظه سالماً يا ربي من كل سوء تحمله قذائف الغدر باسم حماية الوطن.
 ‘ محامية وكاتبة سورية