الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سياسة الانكفاء الأميركية وانعكاساتها السورية

سياسة الانكفاء الأميركية وانعكاساتها السورية

04.01.2014
رضوان زيادة


الحياة
الجمعة 2/1/2014
من أهم ميزات الديموقراطية الأميركية قدرتها على تصحيح ذاتها عبر دورة الانتخابات الدورية، فهكذا وبعد التدخل الأميركي في كل من العراق وأفغانستان وتورط الولايات المتحدة الكبير فيهما مالياً وعسكرياً، وتصاعد الخسائر البشرية نشأ رأي عام واضح من أجل الانسحاب من هذين البلدين والتركيز على القضايا الداخلية الأميركية. وقد استطاع هذا التحول جلب باراك أوباما إلى الرئاسة من أجل تحقيق هذا الهدف، وتاريخياً بعد كل تدخل أميركي خارجي عسكري مباشر في الخارج تعقبه سنوات من الانكفاء والتحول نحو التركيز على السياسات الداخلية. وجدنا ذلك بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حرب فيتنام والآن بعد حرب العراق.
انكفاء السياسة الأميركية الداخلية دفعت سورية منه الثمن الأكبر فلا اهتمام في السياسة الخارجية الأميركية حقيقة بما يجري في سورية، خصوصاً مقارنة بحجم ما يجري وبعدد الضحايا الذين سقطوا، فالسياسة الأميركية تنظر إلى سورية اليوم من زاوية واحدة فقط وهي أن هناك أزمة إنسانية ويجب زيادة حجم المساعدات كلما تعرضت الولايات المتحدة إلى ضغوط داخلية أو من حلفائها الإقليميين.
وعموماً ينسحب ذلك إلى كل منطقة الشرق الأوسط عموماً، ودول الربيع العربي في شكل خاص، وهذا الانكفاء الاستراتيجي الأميركي سيقابله بكل تأكيد صعود للقوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور في المنطقة، وهو ما وجدناه في الدورين الروسي والإيراني اللذين وجدا في الانكفاء الأميركي فرصة استراتيجية لهما للعب دور يفوق حجمهما وتأثيرهما، بل وإمكاناتهما الاقتصادية والسياسية.
سياسة الانكفاء الأميركي تنعكس حتى على كل التفاصيل الداخلية التي تقرر هذه السياسة وتصنعها، فبالنسبة إلى الأشخاص الذين يقررون هذه السياسة، لم تقم الإدارة بتعيين بديل دائم لجيفري فيلتمان الذي كان مساعداً لوزيرة الخارجية كلينتون لشؤون الشرق الأدنى والذي انتقل إلى الأمم المتحدة ليصبح مساعداً للأمين العام بان كي مون منذ أكثر من عام، وهو ما يظهر حجم عدم الاهتمام الذي يظهره البيت الأبيض بالشرق الأوسط، إذ هو لا يستلزم ملء الفراغ الذي خلفه أحد الخبراء والسفراء السابقين بشخص آخر مثله، وإنما يترك الموقع فارغاً ويبقى التعامل مع الملف السوري بكل تعقيداته على مستوى السفير فقط.
ويصح الأمر ذاته إذا قارنا حجم الأموال التي صُرفت على أوروبا الشرقية بعد مرحلة التحول وعلى دول الربيع العربي بعد الثورات لنرى حجم الاهتمام الضعيف، والذي لا يرقى إلى حجم التحول الذي شهدته المنطقة والأثمان الكبيرة لحجم الضحايا البشرية التي تدفعها كل يوم.
لا يبدو أن هناك تغييراً سيطرأ على السياسة الأميركية طالما أن باراك أوباما في البيت الأبيض، أللهم إلا إذا تطورت الأمور في المنطقة وتغيرت أولويات السياسة الأميركية هناك من خلال تغييرات دراماتيكية على الأرض تستلزم تغيير سياسة الانكفاء هذه.
* مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية