الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سياسة بايدن الخارجيّة: استمراريّة معدّلة لديبلوماسية أوباما 

سياسة بايدن الخارجيّة: استمراريّة معدّلة لديبلوماسية أوباما 

25.11.2020
هشام ملحم


واشنطن
النهار العربي 
الثلاثاء 24/11/2020 
عودة الرئيس المنتخب جوزف بايدن الى الوجوه المألوفة التي هيمنت على السياسة الخارجية والأمنية للرئيس السابق باراك أوباما، كان متوقعاً، فهو يعرف هؤلاء المسؤولين، وعمل مع بعضهم لسنوات عديدة، وهو يثمّن خبرتهم الواسعة، وعلاقاتهم المتشعبة داخلياً وخارجياً، ولذلك ليس مستغرباً أن تتسم سياساته الخارجية بنوع من الاستمرارية المعدّلة لسياسة أوباما، والتي كان بايدن جزءاً أساسياً فيها. ولكن العالم الذي ورثه باراك أوباما في 2008 من جورج بوش الابن، يختلف جذرياً عن العالم الأسوأ والأكثر تعقيداً الذي سيرثه بايدن من ترامب ظهر العشرين من كانون الثاني (يناير) 2021. 
هناك قلق في أوساط فريق بايدن المعني بالسياسة الخارجية والأمنية، من أن يفلح الرئيس دونالد ترامب بتقييد أيديهم في المستقبل من خلال اتخاذ قرارات لن يكون من السّهل نقضها في المستقبل، مثل فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الصين وإيران لمنع إدارة بايدن من بداية جديدة مع الدولتين، أو لتصنيف حركة المتمردين الحوثيين في اليمن كتنظيم إرهابي، وهي مسألة لا تزال قيد نقاش داخلي. وهذا التصنيف سوف يقيّد من قدرة الولايات المتحدة في المستقبل على حل النزاع اليمني. 
 وسوف يعلن بايدن اليوم عن تعيينه لأنطوني بلينكن وزيراً للخارجية، وجيك ساليفان مستشاراً لشؤون الأمن القومي، وليندا توماس غرينفيلد التي خدمت كمساعدة لوزير الخارجية خلال حقبة أوباما، كمندوبة لواشنطن في الأمم المتحدة، وجانيت يلين التي كانت رئيسة للمصرف المركزي خلال ولاية أوباما، كأول وزيرة للخزانة. وسوف يعود وزير الخارجية السابق جون كيري الى الحكومة ولكن هذه المرة كمبعوث رئاسي خاص لشؤون البيئة. وقال مسؤولون في حملة بايدن إنه قرر تعيين أليهاندرو مايوركاس كأول مهاجر (من كوبا) وزيراً للأمن الوطني، وأفريل هاينز كمديرة للاستخبارات الوطنية، وهي أول أمرأة تحتل هذا المنصب المهم. 
وبايدن علاقات قديمة مع بلينكن وساليفان وكيري. ويحظى هؤلاء بسمعة جيدة حتى في أوساط السياسيين والمشرعين الجمهوريين وليس بينهم من يعتبر شخصية مثيرة للجدل. ويأمل بايدن في حال تصديق مجلس الشيوخ على هذه التعيينات (تعيين ساليفان وكيري لا يتطلب تصديق مجلس الشيوخ) أن يبدأ الفريق عمله بسرعة، لأن أعضاءه يعرفون الكونغرس ولديهم خبرة في كيفية صنع القرارات وعلاقات قوية مع مراكز البحوث ووسائل الإعلام. كما أن بعضهم مثل بلينكن وساليفان ويلين وكيري معروفون لحلفاء واشنطن، خصوصاً في أوروبا. بلينكن الذي ولد من أبوين يهوديين في مدينة نيويورك، انتقل الى فرنسا حين كان في التاسعة من عمره مع والدته بعدما تزوجت من رجل يهودي قضى سنوات طفولته في معتقل أوشفيتز الرهيب الذي قتل النازيون فيه حوالي مليون يهودي، ووضع كتباً عن المحرقة. وبلينكن يتحدث الفرنسية بطلاقة. 
 نهج الاستمرارية الذي سيعتمده الثلاثي بايدن - بلينكن - ساليفان سيكون مقبولاً الى حد كبير في الدول الأوروبية التي سترحّب بعودة الولايات المتحدة الى اتفاق باريس حول التغير المناخي، خصوصاً بعد تعيين جون كيري مبعوثاً رئاسياً بهذا الشأن. المهمة الأخرى والملحة لفريق بايدن في أوروبا تتمثل في استعادة ثقة دول أوروبا بالولايات المتحدة كحليف قوي يعتمد عليه في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي العلاقة التي زعزعها الرئيس ترامب وكاد أن يقوّضها باسم سياسة "أميركا أولاً" التي تنبذ الأحلاف والمنظمات الدولية. 
ولكن نهج الاستمرارية لن يكون عملياً في التعامل مع الصين التي أصبحت ليس فقط منافساً اقتصادياً قوياً لأميركا في العالم، بل أيضاً أصبح خصماً استراتيجياً عنيداً في منطقة شرق آسيا حيث تهدد مصالح واشنطن الاستراتيجية ومصالح حلفائها التقليديين. بايدن ومساعدوه يدركون أن إعادة العلاقات مع الصين الى ما كانت عليه خلال حقبة أوباما ليس ممكناً أو واقعياً، وأن على الإدارة الجديدة اعتماد نهج أكثر تشدداً في التعامل مع الصين. وفي هذا السياق، هناك من يقول من بين مستشاري بايدن إنه من الأفضل الحفاظ على بعض العقوبات التي فرضها ترامب على الصين، واستخدامها كوسيلة لتعديل سلوكها، إن كان في مجال التجارة، أو في المجال الاستراتيجي. ولكن كما في أوروبا حيث سيعمل بايدن على إحياء العلاقات مع الحلفاء القدامى، فإنه سيحاول إحياء العلاقات مع اليابان وكوريا الشمالية وأستراليا والفيليبين وتايوان وفيتنام وتعزيزها لصدّ السياسات العدائية للصين، مثل محاولاتها السيطرة على جزر متنازع عليها. 
 كما أن نهج الاستمرارية في حالة إيران، أي محاولة إحياء وتعديل الاتفاق النووي الدولي الذي وقّعته إدارة الرئيس أوباما في 2015 وانسحب منه ترامب في 2018، سوف يكون صعباً للغاية لأسباب داخلية إيرانية وأميركية حيث هناك معارضة قوية في البلدين لأي تقارب، ما يعني أن العودة الى الاتفاق القديم ليست عملية، على الرغم من أن بايدن وبلينكن قالا في أكثر من مناسبة إنهما يرغبان باستئناف المفاوضات للبناء على الاتفاق القديم، إذا عادت إيران، كخطوة أولى للالتزام ببنوده.  
الإيرانيون، كما أكدت وكالة الطاقة النووية الدولية مؤخراً، زادوا من إنتاجهم من اليورانيوم المخصّب بما يفوق الكمية المسموح لهم بها وفقاً لاتفاق 2015. ويتوقع الخبراء في الشؤون الإيرانية أن تشترط إيران إلغاء العقوبات التي فرضها عليها الرئيس ترامب قبل أي نقاش نووي جديد. كما أن إيران، وحتى دولاً أخرى، كانت طرفاً في اتفاق 2015 مثل الصين وروسيا، سوف تسأل إدارة بايدن كيف يمكن الدخول في اتفاق دولي معها، وأن تضمن التزام أي إدارة جديدة في المستقبل ببنوده؟ أيضاً ليس من الواضح حتى الآن، ما هي الحوافز التي سيستخدمها بايدن لإقناع إيران بأن يشمل أي اتفاق نووي جديد برنامجها الصاروخي الذي تواصل تطويره. أيضاً هل ستتعلم إدارة بايدن من الخطأ الفادح الذي ارتكبته إدارة الرئيس أوباما بعدم ربط الاتفاق النووي بالسلوك السلبي والتخريبي لإيران في الدول العربية؟ ولكن ما هو واضح، هو أن إدارة بايدن سوف تحاول العودة الى الطريق الدبلوماسي في علاقاتها مع إيران، على الأقل في البداية. 
الرئيس الجديد وأعضاء فريقه، سوف يحاولون العودة الى أسلوب تعامل إدارة أوباما مع "عملية السلام" بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإبقاء بعض الأمل في إمكان إحياء "حل الدولتين" وهو ما تحدث عنه بلينكن، الذي كرر، كما فعل بايدن، رفض الإدارة الجديدة ضم إسرائيل أراضيَ جديدة في الضفة الغربية. ما هو مؤكد أيضاً، هو أن بايدن وبلينكن وهما حليفان ديموقراطيان تقليديان لإسرائيل، لن يستخدما المساعدات الأميركية السخية لإسرائيل كأداة للضغط عليها لتعديل سياساتها. 
الرئيس بايدن الذي سيرث من ترامب قوات أميركية محدودة في أفغانستان والعراق، سوف يواصل النهج الذي بدأه الرئيس أوباما بتخفيض "البروفيل" العسكري الأميركي في المنطقة، والى حد أقل الدور السياسي والدبلوماسي فيها، وإن كان سيستأنف الدعوات الأميركية التقليدية لدول المنطقة لاحترام حقوق الإنسان، وهي مسألة تجاهلها كلياً الرئيس ترامب. ما رشح عن مداولات فريق بايدن ومستشاريه، وما قاله كل من بايدن وبلينكن خلال الحملة الانتخابية هو أن علاقات الولايات المتحدة مع كل من السعودية وتركيا، سوف تخضع لمراجعة، يمكن أن تضع ضغوطاً جديدة على هذه العلاقات القديمة.