الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سياسة تركية جديدة تترجم في الملف السوري

سياسة تركية جديدة تترجم في الملف السوري

28.08.2016
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 27/8/2016
اعتمدت تركيا خلال حكم العدالة والتنمية الذي بدأ عام 2002 تقريبا توجها جديدا تمثل في العودة بقوة نحو الشرق كعمق ديني وتاريخي وسوق اقتصادي واعد يتناسب مع مشروعها النهضوي المنشود، يضاف له رغبة في التريّس المشرقي مع الأخذ بالمتغيرات الإقليمية والدولية من خلال تجسير العلاقات الدولية بين دول الشرق والغرب أو لنقل بين الدول المطلّة على بعضها في القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وإفريقيا، آخذين بالاعتبار الموقع الجيوستراتيجي للجغرافيا التركي.
لتحقيق الهدف البارز أعلاه، مرّت السياسة الخارجية التركية في جملة متغيرات مع قدوم العدالة والتنمية، فبدأت بسياسة "صفر مشاكل". وقد بلغت أعلى درجات النجاح، محققة أقصى مدى يمكن أن تبلغه نهاية العام 2010 رغم تعرضها لبعض الانتكاسات مثل تأزم العلاقات مع إسرائيل على خلفية سفينة مرمرة عام 2009.
جاءت الثورات العربية وما تبعها من أحداث لتقضي على كامل المحصول الذي جنته سياسة "صفر مشاكل" مع تزايد العزلة الدولية المقصودة ضد تركيا بعد إدراك الدول الكبرى والإقليمية أن سياسة أردوغان تختلف كثيرا ولا تكاد تصبّ في وعاء مصالحها في المنطقة.
بدأ التحول التركي بعد تغيير حكومة أحمد داود أوغلو، وتسارعت وتيرته بشكل ملفت بعيد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو الفائت، الأمر الذي منح فريق أردوغان فرصة ذهبية نادرة لترتيب البيت الداخلي والتخفف من أثقال وقيود السياسات الخارجية السابقة والاندفاع بأصى طاقة ممكنة لتحقيق الأهداف الموضوعة حتى عام 2023 رغم بعض المطبّات التي ستواجهها وسط محيط شديد التعقيد والتبدل والتشابك.
التغيير الذي طال السياسة الخارجية بعد الانقلاب هدفه تعزيز مكانة الحكومة داخليًا واعتماد سياسة خارجية أكثر استقلالية وقوة في تنفيذ تطلعاتها الإقليمية. ولهذا بدأت الحكومة تتّبع نمطا جديدا تكتفي فيه بالاستجابة للتطورات المحلية والدولية بالقدر المطلوب. تتجلى أوجه هذا النمط بالالتفات أكثر إلى مصالحها وعدم الاهتمام كثيرا للغضب الأمريكي أو الاكتراث لمصالحه إذا لم تتقاطع مع مصالحها. وما نراه من تدخل عسكري مباشر لها في الشمال السوري سواء كان بهدف خلق منطقة آمنة أو فقط لإبعاد الكرد إلى شرق نهر الفرات فهو يرفع من احتمالية التوجه التركي الجديد القائم على تعدد المسارات والتوازن ما أمكن بين دورها عضوا في الناتو وبين مصالحها التي تتطلب درجة أعلى من التنسيق والحوار والتفاهم مع كل من إيران وروسيا وإسرائيل إلى جانب الدول العربية التي تعتبرها صديقة لها مثل السعودية. وفق هذه الرؤية لن تخرج تركيا من الناتو ولن تخفف من التعاون مع واشنطن وهي ترى نفسها جسرا عابرا للعلاقات بين دول المنطقة. وإذا كان وجودها في الناتو يرفع من قيمتها في الحسابات الروسية، فإنه في الوقت نفسه يمنحها ميزة طرح نفسها وسيطا بين روسيا والناتو. وربما لاحقا بين إران والسعودية وبين الإخوان المسلمين، المعارضة السياسية الأبرز في العالم العربي، والنظم السياسية القائمة.
التحول بدأ في تركيا لكن الانعطاف سيكون أشبه بقاطرة كبيرة تحتاج إلى مساحة أوسع ووقت بطيء حتى تكمل عملية الالتفاف، والتحول يأتي لتنفيذ الرؤية التركية القديمة في أن تصبح قوة إقليمية في مناطق اوراسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
في الملف السوري هناك ثواب لا تملك تركيا المساومة عليها، مثل خلق بيئة آمنة وغير معادية على طول حدودها، التأكيد على ما تراه حقا لها في أن يكون لها كلمة وازنة في أي ترتيبات تجري في الشمال السوري وتحديدا في حلب، القضاء على أي قوة كردية عسكرية أو نزعة انفصالية، الحيلولة دون تفكك سوريا، المساهمة في خلق نظام في دمشق غير معادي لها ومتعاون وشريك اقتصادي، توظيف اللاجئين السوريين على أراضيها ضمن مشروعها النهضوي داخليا وفي تعزيز نفوذها داخل سوريا الجديدة.
ولعل المخاوف التركية بشأن الأكراد من القضايا القليلة التي توحّد بين تركيا وسوريا وإيران إلى جانب المخاوف من انهيار الدولة السورية الذي سيؤدي إلى حدوث مشاكل داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود معها. وقد حرصت تركيا خلال عملية التصالح مع روسيا، على إزالة العقبات في شمال سوريا التي تمنعها من استهداف تنظيم الدولة والميليشيات الكردية. والأرجح أن عملية تدخل تركي أوسع في الشأن السوري ستكون في المرحلة القادمة وفق رؤية متعددة المسارات مع الفاعلين في الورقة السورية، حلف الناتو، السعودية وقطر، وإيران وروسيا.