الرئيسة \  برق الشرق  \  سياسة خارجية جديدة لألمانيا- عودة محور برلين باريس موسكو

سياسة خارجية جديدة لألمانيا- عودة محور برلين باريس موسكو

21.12.2013
هيثم عياش


برلين /‏18‏/12‏/13
عاد وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير يوم أمس الثلثاء 17 كانون أول/ ديسمبر الى مكتبه بوزارة الخارجية بعد مرور اربعة أعوام على مغادرته ذلك المكتب إثر هزيمة الديموقراطيين الاشتراكيين بانتخابات عام 2009 التي أدت الى عودة الديموقراطيين الاحرار الى وزارة الخارجية بعد خروجهم منها عام 1998 اثر نجاح الحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي قاده المستشار السابق جيرهارد شرودر .
ويعرف شتاينماير بثعلب اوروبا لاطلاعه على السياسة الاوروبية والدولية بشكل واسع ومعرفته بخفايا ما يدار بالبيت الأبيض والكرملين  فهو كان يشغل قبل استلامه الخارجية عام 2005 رئاسة دائرة المستشارية الالمانية ورجل المهام الصعبة بها ومسئول مباشر عن المخابرات الخارجية لألمانيا ووراء تمتين قوة العلاقات الالمانية الفرنسية زمن الرئيس السابق جاك شيراك والعلاقات الالمانية الروسية زمن الرئيس الروسي السابق والحالي فلاديمير بوتين حتى أصبح هناك محور اوروبي أُطلق عليه محور برلين باريس موسكو هذا المحور الذي ساهم الى حد كبير عدم مشاركة جميع دول الاتحاد الاوروبي بالغزو الامريكي للعراق عام 2003 فقد قادت برلين زمام المعارضة بالتعاون مع باريس وبدعم كبير من موسكو وقد منيت الدول الاوروبية التي شاركت امريكا بمغامرتها بالعراق مثل ايطاليا واسبانيا  والدانمارك وغيرها من الدول الشرقية بهزيمة موجعة لا تزال تعاني منها ماليا واقتصاديا  جراء المشاركة باحتلال العراق .
كانت سياسة الديموقراطيين الاشتراكية مع الخضر التي وقف وراءها شتاينماير بعلاقتها مع واشنطن تنتهج سياسة   الند  للند وأرغمت برلين واشنطن باحترام سياستها والسماع لكلمتها حتى وصف وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد راومسفيلد المانيا وفرنسا باوروبا العجوز لأنهما عارضتا السياسة الامريكية في الشرق الاوسط والعالم بينما  وصف  اسبانيا وبولندا وغيرهما بأوروبا الشابة والشجاعة . وما ان انهارت حكومة الديموقراطيين والخضر حتى تنفست واشنطن الصعداء الا أنها أصيبت بخيبة أمل عندما قامت حكومة مسيحية اشتراكية تقودها المستشارة انجيلا ميركيل ويقود سياستها الخارجية / السياسي الاشتراكي / شتاينماير  الذي استطاع تمتين محور برلين مع باريس وموسكو بشكل أقوى من ذي قبل .
وبالرغم من غضب برلين على نظام دمشق اثر الحرب التي قادها ما  يُطلق عليه بحزب الله اللبناني ضد الكيان الصهيوني في صيف عام 2006 وخروج بشار اسد من جحره متهما الرياض والقاهرة بالجبن لتقاعسهما عن نصرة حزب الله في الحرب التي دارت علما انه لم يُطلق اي رصاصة على طائرات الكيان الصهيوني التي قامت بقصف قصره في اللاذقية اثناء وجوده به مختبئا بأحد غرفه التحتية عزل العالم نظام اسد في مقدمته المانيا غضبا للسعودية وغضبا من إثارة القلاقل بمنطقة الشرق الاوسط ، ساهم شتاينماير بإعادة نظام دمشق الى الحظيرة الدولية عندما دعا وزير خارجية نظام دمشق وليد المعلم الى برلين أوائل كانون ثان/يناير من عام 2007 اثر استلام المانيا زعامة الدورة الاولى لرئاسة الاتحاد الاوروبي آخذا منه العهد تعاون دمشق مع المجتمع الدولي بقضية اغتيال رفيق الحريري وعدم اثارة القلاقل بمنطقة الشرق الاوسط والتقليل من بسط ايران نفوذها بالمنطقة المذكورة ، كما ساهم شتاينماير بوقف نية واشنطن نشر صواريخ دفاعية جديدة باوروبا جراء معارضته لهذه الصواريخ لانها تعني العودة الى الحرب الباردة وبالتالي من اجل عدم فقدان برلين ثقة موسكو ، كما ساهم شتاينماير مع وزير المالية السابق / السياسي الاشتراكي / بيير شتاينبروك  الحيلولة دون وصول الازمة المالية والاقتصادية التي اجتاحت العالم الصناعي عامي 2008 و 2009 من وصولها الى المانيا واستردا حوالي 600 مليون يورو كان مصرف التنمية الالماني قد ارسلها خلسة الى مصرف / برودر / الامريكي / لمساعدته على البقاء حيا ، هذه السياسة ساهمت بغضب ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش على المانيا واصفها بالابتزاز وان الاشتراكيين شوكة موجعة بأعين امريكا  ووراء قطيعة امريكية مع المانيا وبعض الدول الاوروبية .
ولما استلم الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي مفاتيح قصر الاليزيه  عام 2007 اثناء حكومة المسيحيين الاشتراكية ساءت علاقات برلين مع باريس اذ استطاع المسيحيون أخذ علاقات برلين مع باريس الى جانبهم ولما حاول الاشتراكيون الالمان  أثبات وجودهم السياسي في فرنسا عزلهم ساركوزي واصبح يستند على المستشارة ميركيل ولما انهزم الاشتراكيون بانتخابات عام 2009 صفا الجو لساركوزي والمستشارة ميركيل ووزير خارجيتها السابق جويدو فيسترفيليه بتقوية العلاقات مع واشنطن من جديد وتهميش محور برلين باريس مع موسكو الأمر الذي كان وراء تشجيع الادارة الامريكية بتنفيذ سياستها باعادة نشر صواريخها باوروبا وتشجيع موسكو بنشر صواريخ دفاعية لمواجهة الغطرسة الامريكية ووضع المسيحيون والديموقراطيون الاحرار طلب وطموحات برلين بالحصول على مقعد دائم بمجلس الامن الدولي في ادراج طاولة المستشارية والخارجية الالمانية الى أجل غير مسمى مع تأكيد فيسترفيليه ان سياسة المانيا الخارجية سياسة سلمية . هذه السياسة كانت وراء تراجع سمعة المانيا على الصعيدين الاوروبي والدولي اضافة الى العربي . فقد حرصت حكومة المسيحيين الليبرالية / الديموقراطيين الاحرار / على علاقات قوية مع الكيان الصهيوني بينما كانت هذه العلاقات زمن الاشتراكيين والخضر والاشتراكيين المسيحية  قائمة على احترام وعلاقات عادية . فرئيس وزراء الكيان الصهيوني اريل شارون ومن بعده نتنياهو لم يزورا برلين في عهد الاشتراكيين غير مرة واحدة وما ان  استلم فيسترفيليه السياسة الخارجية لألمانيا حتى أصبحت زيارات نتنياهو الى برلين متكررة وتم بين برلين وتل ابيب قيام لجان وزارية مشتركة وامتنعت برلين أثناء عضويتها بمجلس الامن الدولي عن التصويت لصالح او رفض حظر طيران فوق ليبيا عندما اتخذ مجلس الامن الدولي عام 2011 ذلك القرار الامر الذي ساهم ضياع سمعة المانيا الجيدة من اوروبا وحلف شمال الاطلسي / الناتو , ومن بعض الدول العربية  ، كما ساهمت سياسة المستشارة ميركيل بتجاوز بعض الدول الاوروبية لمشاكلهم المالية ازدياد الكراهية لالمانيا معتقدين ان برلين تريد التربع على الزعامة الاوروبية وابتزاز فقراء اوروبا .
وما ان استلم منصبه من جديد إلا وأكد شتاينماير يوم أمس الثلاثاء 17 كانون أول/ ديسمبر بكلمة القاها بوزارة الخارجية رغبته بتحسين العلاقات مع موسكو منتقدا الكرملين بسياسته التي ينتهجها في سوريا جراء محاباته النظام السوري ودعمه المطلق له وبالتالي ابتزاز موسكو لكييف اقتصاديا وماليا وتهديد الكرملين للحكومة الاكرانية بعدم الاقتراب من اوروبا .
وبالرغم من تأكيد شتاينماير ان ماساة الشعب السوري من نظامه هو من همومه الرئيسية اذ كان قد بادر مع بعض أعضاء كتلة الديموقراطيين الاشتراكية والخضر القيام بحملة جمع تبرعات للاجئين السوريين قام هو بتوزيعها على معسكراتهم بتركيا ولبنان والاردن خلال شهر حزيران/يونيو من عام 2013 الحالي وافتتاحه فرعا لدى كتلتهم الاشتراكية يهتم بقضية الشعب السوري الا انه يخشى من تغيير سياسي لالمانيا تجاه المعارضة السورية التي تتعرض لانتقادات من الاشتراكيين لأن  زعماء هذه المعارضة مختلفون  وكان قد المح بكلمته التي ألقاها يوم أمس الثلاثاء 17 الشهر الجاري حرصه التعاون مع الرياض وانقرة والدوحة لإنهاء ماساة السوريين ممتنعا عن الاجابة حول رايه بمؤتمر جنيف / 2/ المزمع عقده  يوم 22 كانون ثان/يناير المقبل .