الرئيسة \  تقارير  \  سياسة وموارد وأشياء أخرى.. لماذا لا تزرع مصر ما يكفيها من القمح؟

سياسة وموارد وأشياء أخرى.. لماذا لا تزرع مصر ما يكفيها من القمح؟

28.05.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 26/5/2022
قبل حوالي 10 آلاف عام بدأ البشر زراعة القمح في منطقة الهلال الخصيب، ثم في مصر؛ ليصبح من أهم مصادر التغذية للبشر حول العالم على مدار القرون اللاحقة، بل بنا سكان الشرق الأوسط حميتهم الغذائية حول القمح، وكانت مصر أكبر بلاد المنطقة من ناحية استهلاك القمح، ولكن بدلًا عن أن تنتج ما يكفيها منه أصبحت مضطرة لاستيراد جزء من هذا القمح من الخارج؛ لتصبح مصر أكثر دول العالم استيرادًا له.
وقد سارت مسألة الاستيراد في السابق دون كثير من المنغصات، إلى أن أطلقت حرب أوكرانيا، التي اندلعت في 24 فبراير (شباط) 2022، خوفًا من أزمة غذاء قد تضرب منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرها في العالم، فعلى سبيل المثال تعتمد مصر بشكل كبير على استيراد القمح من كل من أوكرانيا وروسيا؛ إذ تنتج مصر 40% من احتياجها من القمح، وتستورد 80% من الباقي من كل روسيا وأوكرانيا؛ والتي تضررت صادراتهما بسبب الحرب والعقوبات.
لماذا لا تزرع مصر حاجتها من القمح؟
للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى طرح سؤالين يجعلان الإجابة ممكنة وهما: لماذا تحتاج مصر إلى كل هذا القمح؟ ولماذا لا تستطيع مصر إنتاج ما يكفيها؟ أو على الأقل رفع الاكتفاء الذاتي من القمح إلى نسب أكثر أمنًا منها الآن؟ وسنركز في إجابتنا على العهود الأقرب للوقت الحالي.
لماذا تحتاج مصر إلى كل هذا القمح؟
تستهلك مصر ما لا يقل عن 18.5 مليون طن من القمح سنويًا؛ بمعدل 182 كيلوجرامًا للمواطن الواحد، وهو أعلى معدل استهلاك للفرد في العالم؛ وللمقارنة فإن بلدًا آخر قريبًا من مصر، ويعتبر الخبز مصدرًا مهمًا للغذاء فيه: هو الأردن، يستهلك المواطن الواحد قرابة 100 كيلوجرام من القمح فقط، أي ما يعادل 55% من استهلاك المواطن المصري فقط.
فالقمح من السلع الرخيصة، وهو أقل فائدة أو تغذية، أو الاثنين معًا، مقارنة بغيره من أنواع الغذاء من الفواكه، والخضروات، واللحوم وغيرها، ولكنه بطبيعة الحال أرخص ثمنًا بكثير منها، ومن المنطقي أن يرتفع استهلاك الأغذية المحتوية على الكربوهيدرات؛ (لكونها رخيصة) كلما قلّ الدخل والثروة، وبالتالي القدرة على شراء نوع آخر من الأغذية.
زراعة القمح في مصر
وللعودة إلى المقارنة بين مصر والأردن، نجد المواطن الأردني يمتلك دخلًا أعلى من دخل الفرد في مصر؛ وذلك إذا ما اعتمدنا على حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن معدلات الفقر في الأردن بلغت تقريبًا نصف معدلها في مصر عام 2019؛ وهو ما يعني بطبيعة الحال احتياج مواطنين أكثر في مصر لنسبة أكبر من القمح في غذائهم، وربما غيرها من الأغذية المحتوية على الكربوهيدرات؛ مثل البقوليات.
ولكن رغم شعبية القمح الكبيرة في مصر؛ لم يكن حال الحمية الغذائية للمواطنين المصريين مطابقة لما هي عليه الآن قبل عقود من الزمان، بل يمكن القول إنها قصة متعلقة بالسياسة أكثر من تعلقها بتفضيلات المصريين، إذ كانت هناك سياسات بعينها هي السبب الأساسي في نمو الحاجة إلى القمح، وخصوصًا المستورد من الخارج.
عدم كفاية الإنتاج: نمو سكاني أم قضية سياسية؟
يحاجج مؤلف كتاب “حكم الخبراء”، تيموثي ميتشل بأن الزيادة السكانية وحدها غير كافية لتفسير ازدياد الحاجة في مصر للغذاء بشكل كبير، ويرى أن أمورًا أخرى تسببت في الزيادة المخيفة في الغذاء؛ وخصوصًا في الفترة التي تلت نهاية عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، أي فترة حكم الرئيس أنور السادات؛ وإن كانت هذه الأسباب بدأت في السنوات الأخيرة لحكم ناصر.
ويقول ميتشل إن عدد سكان مصر نما بمعدل 2.1% بين عامي 1965-1980، بينما نما الإنتاج الزراعي بنسبة 2.7%؛ ما يعني أن نمو الغذاء في مصر كان أعلى من نمو السكان، ومع ذلك، وخصوصًا في الثمانينات؛ بدأت مصر استيراد كميات ضخمة من الغذاء، وتظهر بيانات البنك الدولي أن المصريين يستهلكون سعرات حرارية أكبر بكثير من دول تملك دخلًا أعلى من دخلهم بكثير.
الخبز المدعم المصنوع من القمح المستورد
ورغم أن البيانات تظهر متوسط سعرات حرارية مرتفعًا جدًا مقارنة بالدخل؛ فإنها تظهر في الوقت نفسه مؤشرات تدل على سوء التغذية؛ ففي عام 1988 عانى قرابة 60% من الأطفال في مصر من سوء تغذية طفيف أو متوسط، كما أن دراسة حول فقر الدم في القاهرة أظهرت أن 80% من الأطفال تحت عمر العامين، و90% من النساء الحوامل يعانون من نقص الدم، فكيف يمكن تفسير هذه البيانات المتضاربة؟ وكيف تفيدنا في معرفة لماذا تحتاج مصر إلى كميات كبيرة من القمح اليوم؟
ويمكن تفسير ذلك، بحسب ميتشل، بارتفاع الدخول بشكل ملحوظ في مصر؛ مع عدم توزيعه بشكل عادل، وارتفاع دخول الطبقات العليا، وبعض فئات الطبقة الوسطى بشكل كبير؛ ما أدى إلى تحولهم من استهلاك الحبوب إلى استهلاك اللحوم أكثر وأكثر، وبالتالي تغيّر عاداتهم الغذائية.
وترافق هذا التحول الكبير في الحمية الغذائية لدى هذه الفئات مع تحول آخر على مستوى استخدام الحبوب داخل مصر؛ فحُوّلت كثير من هذه الحبوب لإطعام الثروة الحيوانية في مصر، والتي أصبح الطلب عليها مرتفعًا بسبب ارتفاع دخول الشرائح العليا من المجتمع.
لكن الطفرة النفطية ومعدلات نمو السبعينات المرتفعة نسبيًا، وإن كانت متذبذبة، لم تؤدّ فقط إلى ارتفاع دخول الفئات العليا في المجتمع؛ وبالتالي تغير أنماط استهلاكهم للغذاء، ولكن أيضًا رفعت دخول الفئات الدنيا ولو بشكل غير متساوٍ، واستطاع صندوق النقد الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أخيرًا إقناع الحكومة بالبدء في رفع الدعم عن كثير من السلع، بالتوازي مع تحسن حال السياحة، وارتفاع عدد الأجانب في البلاد، وهم من ذوي الدخول الأعلى من دخول المصريين.
وبحسب ميتشل فإن هذه التغيرات هي التي أدت إلى ارتفاع استيراد الغذاء بشكل كبير في مصر، عن طريق رفع الطلب على اللحوم؛ والتي تحتاج إلى كمية أكبر بكثير من الحبوب التي تدخل في أعلاف المواشي، وبالتالي نقصان حصة الفقراء من الغذاء، لحساب الفئات الأغنى التي ارتفع طلبها على اللحوم.
في نفس الوقت قدمت الحكومة المصرية دعمًا كبيرًا على القمح، ما أدى إلى انتقال تفضيلات الفئات الأفقر من استهلاك حمية غذائية أكثر صحية مبنية على الذرة والبقوليات؛ إلى حمية معتمدة على القمح بالدرجة الأولى للفئات الأفقر، واللحوم للفئات الأكثر غنى.
ولتضح الصورة أكثر؛ يذكر ميتشل أن سكان مصر نموا بنسبة 75% بين 1966-1988، بينما نما الإنتاج الزراعي بنسبة 77%، لكن نمو استهلاك الحبوب كان بمعدل 148% في نفس الفترة، بينما لم يزد استهلاك المواطنين من بقية الحبوب إلا بنسبة 12%، وذهب الباقي منها لإطعام الثروة الحيوانية، وقاربت الذرة على الاختفاء من الحمية الغذائية المصرية، والتي كانت تشكل بالإضافة إلى الشعير 53% من غذاء المصريين في عام 1966، إلى 6% عام 1988.
سيئ إلا قليلًا.. ماذا يعني التحول من الذرة إلى القمح؟
بحسب مسؤول بـ”منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)” (يحتفظ “ساسة بوست” باسمه)؛ فإن المنطقة العربية تحتل المرتبة الثانية في أسوأ حمية غذائية في العالم، وأحد أهم أسباب ذلك هو استهلاك نسب كبيرة من الكربوهيدرات في الغذاء؛ والقمح على رأسه طبعًا.
وبحسب المسؤول فإن من الواجب على المنطقة تغيير حميتها الغذائية، لتصبح أكثر صحية وأقل اعتمادًا على الكربوهيدرات؛ ولذلك فإن التحول نحو زيادة الاستهلاك من اللحوم ليس سيئًا بالضرورة، كما أنه كان يمكن أن يعالج مشكلة القمح في مصر، بالتحول نحو أغذية يمكن توفير أمن غذائي أفضل فيها.
وتشير البيانات إلى حالة سيئة من عدم المساواة في الدخل والثروة في مصر؛ ما يعني أن الانتقال نحو استهلاك اللحوم محصور في فئات معينة تستطيع الحصول عليها، أما بالنسبة للفئات الدنيا فهي لا تستطيع شراء اللحوم والدواجن وغيرها من الأغذية يوميًا؛ ما يعني أن الضغط على استهلاك الحبوب سيزداد نتيجة لازدياد عدد السكان من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الزيادة في الحاجة للحبوب المستخدمة في الأعلاف؛ والتي تزاحم القمح في الإنتاج المحلي.
ويعيش في مصر اليوم ما يقارب 30% تحت خط الفقر، ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن 60% من سكان مصر إما فقراء أو تحت تهديد الفقر، ولا يمكن أن نتصور أن من هو مهدد بالفقر – إن لم يكن فقيرًا – يستطيع اعتماد حمية غذائية يتكون جزء أساسي منها من اللحوم والدواجن؛ بل قد لا يستطيع حتى اعتماد كثير من الخضار والفواكه؛ بسبب فرق سعرها الكبير عن الخبز والبقوليات.
وبحسب ميتشل فإن زراعة البرسيم بهدف إطعام الحيوانات يستهلك أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة في مصر؛ يمكن القول إنه بسبب سوء توزيع الدخل والثروة في مصر فإن الأبقار، والأغنام، والدواجن، تستهلك من حصة الغذاء المفترض أن تكون من نصيب غالبية المواطنين؛ ليستطيع جزء من السكان أكل اللحوم، بينما يضطر الباقون إلى تناول حمية أقل صحية، ويواجهون اليوم خطر انقطاعها من السوق أو ارتفاع سعرها بشكل كبير، وربما إلغاء الدعم عليها!
الأمن الغذائي الضروري vs هوامش الربح العالية
في القرن التاسع عشر تخيل الاقتصادي الأسكتلندي ديفيد ريكاردو عالم تجارة مفتوحة وتنافسية، لا تختار فيه الدول لصناعة كل ما تحتاجه، بل تقوم بدلًا عن ذلك باحتساب الأفضلية النسبية التي تجنيها من الاستثمار في سلعةٍ ما على حساب غيرها، مقابل استيراد ما تقرر الدول عدم إنتاجه.
زراعة القمح في مصر
ووفقًا لهذه النظرية من المنطقي أن تقلل مصر المساحة المزروعة بالقمح؛ ونزرع بدلًا عنها الفواكه المناسبة للمناخ المصري، ثم تصدرها للخارج بسعر أعلى بكثير من سعر القمح، وتستخدم جزءًا من ربح صادرات الفواكه لشراء المزيد من القمح، وهذا هو الحال في مصر اليوم؛ فمصر تزرع ما يقارب 7% من أرضها القابلة للزراعة بالحمضيات وحدها، وهي جزء من محاصيل أخرى تزرع في مصر؛ كان يمكن زراعة القمح بدلًا عنها.
ونظريًا لا توجد شائبة على هذا المنطق، ولكننا نعيش اليوم أحد العيوب العملية لهذا المنطق في الاستثمار، والذي يغلب الربح على الأمن الغذائي، ويضع مصر في خطر عدم القدرة على شراء جزء من القمح الذي تحتاجه من الخارج.
ومع ذلك يقدم المسؤول بمنظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة الأمن الغذائي، الذي أجرى “ساسة بوست” حديثًا معه، تعريفًا غير مألوف للأمن الغذائي؛ فهو بحسبه يتضمن القدرة السياسية والاقتصادية على استيراد الغذاء، لا مجرد إنتاجه داخل البلاد.
وقبل الحرب الأوكرانية كانت مصر تستطيع فعل ذلك، لكنها اختارت أن تُركّز مشترياتها من مصدرين اثنين بالدرجة الأولى، معرضة بذلك نفسها لخطر انعدام الأمن الغذائي؛ فمصر تستورد 80% من قمحها من أوكرانيا وروسيا، وبينما تشهد الأولى حربًا على أرضها، تتعرض الثانية لعقوبات وقيود تجارية شديدة الصرامة نتيجة تلك الحرب.
ويضيف المسؤول في “الفاو” أن على الدول التي تواجه ضرورة استيراد نسبة كبيرة من غذائها أن تعقد اتفاقات كثيرة مع دول مختلفة، وأن يكون لديها مراكز أبحاث عابرة للتخصصات، بهدف تقييم أوضاع المصادر المختلفة للغذاء والتحوط ضد مخاطر فقدان هذه المصادر؛ فأوكرانيا كانت بؤرة نزاع نشطة منذ ثمانية أعوام، ولكن لا أحد بمصر فكر في تنويع مصادر القمح قبل بدء الحرب.
أيضًا فمصر كانت تختار شراء القمح الروسي والأوكراني بسبب انخفاض سعره فقط، وليس بسبب أي مبرر آخر، ومع ذلك لم تقم الحكومة المصرية بشراء كميات ضخمة من القمح لملء مخزون يكفيها لفترات طويلة، ويمنحها وقتًا ثمينًا في حال اندلاع أزمة مشابهة للأزمة الحالية بهدف إيجاد بدائل أخرى.
ففي أبريل (نيسان) 2022 كان المخزون المصري يكفي لـ2.6 شهر فقط، مع البدء – متأخرًا – بمحاولة عقد اتفاقيات استيراد قمح من الهند، التي أعلنت إيقاف صادراتها من القمح بسبب الموسم المخيب للتوقعات هذا العام، وحاجة الهند للحفاظ على محصولها من القمح في الفترة الحالية، فاجتمعت المصائب مرة واحدة، ودون وجود خطط بديلة.
هل يمكن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر؟
في عام 1960 كانت لدى مصر اكتفاء ذاتي من القمح بنسبة 70%، إلا أنها انخفضت الآن إلى أقل من 45%، صحيح أن جزءًا من ذلك كان بسبب الانتقال إلى حمية غذائية معتمدة على اللحوم والدواجن بشكل أكبر من قبل بعض الفئات، لكن علينا أن نتذكر أن مصر تضاعف عدد سكانها قرابة أربع مرات خلال هذه الفترة، وكان لذلك أثر كبير على انخفاض قدرة مصر على توفير نفس النسبة من الاكتفاء الذاتي.
وبحسب بيانات البنك الدولي فإن مصر تمتلك اليوم ما لا يزيد عن 0.2% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وبمساحة أقل من 30 ألف كيلو متر مربع، بينما لديها ما نسبته 1.26% من سكان العالم، أي أن حصة مصر من سكان العالم تبلغ ستة أضعاف حصتها من الأراضي الصالحة للزراعة.
وتعني هذه النسبة المنخفضة من الأراضي الصالحة للزراعة؛ بالإضافة إلى النقص في مياه الري، بحسب المسؤول في منظمة الغذاء والزراعة، أن مصر لن تستطيع الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح بحال من الأحوال؛ فحتى لو وجدت الأراضي الصالحة للزراعة لن تستطيع إرواءها بالمياه، وجزء من ذلك عائد إلى انخفاض حصتها المائية عما سبق.
إذ تعاني مصر عجزا مائيا يطول نصف احتياجاتها، لذا تستورد ما يعادل 30% من حاجتها من المياه على شكل محاصيل من الخارج، بمعنى أن الاستيراد يوفر على مصر مشكلة إيجاد مياه الري غير المتوافرة في الداخل، عن طريق استيراد المحاصيل المروية في مكان آخر من العالم بدلًا عن ذلك.
وبحسب دراسة أجراها الباحث في مجال الزراعة سينثولد أسينج من جامعة فلوريدا الأمريكية؛ فإن معضلة مصر الأساسية في مسألة القمح هي الزيادة السكانية المرتفعة، والتي تقدر اليوم بـ2.2% سنويًا، والتي تعني أن حاجة مصر من القمح ستتضاعف ثلاث مرات مع نهاية القرن الحالي.
تتوقع الدراسة أن إنتاج مصر من القمح سينخفض على المدى البعيد بسبب عاملي التغير المناخي، وحصاد أكثر من محصول خلال موسم واحد، ويذكر الباحث مشروع مصر الحالي لمضاعفة الأراضي المروية الحالية بحلول عام 2035، وهو مشروع طموح قد يستطيع إيصال مصر إلى الاكتفاء الذاتي من القمح في المستقبل القريب.
لكن هذا المشروع لن يستطيع أن يبقي على حالة الاكتفاء الذاتي بعد عام 2040؛ حتى على فرض وجود معدلات نمو سكاني معتدلة؛ ما يعني أن مصر لن تستطيع التخلي عن الاستيراد من الخارج في الغالب؛ فضلًا عن كل تكاليف مضاعفة الأراضي المروية، وصعوبات إيجاد مصادر هذه المياه.
أما على صعيد استبدال المحاصيل التي تستخدم للتصدير بدلًا من القمح؛ فإن زراعة هذه النسبة اليسيرة من الفدادين بالفواكه يغطي ما لا يقل عن 32% من فاتورة القمح السنوية في مصر، وإجمالي ما تصدره مصر من المنتجات الغذائية والزراعية يغطي ما يقارب 70% من هذه الفاتورة.
وفي حال قررت مصر التخلي عن هذه الصادرات فذلك قد يعني أن المساحة التي أفرغت لزراعة القمح لن تكفي للوصول للاكتفاء الذاتي، وعلاوة على ذلك ستفقد مصر جزءًا غير يسير من صادراتها، وقد تضطر للاستدانة أكثر لدفع فاتورة القمح وغيره من المواد الغذائية المستوردة، وهو ما قد يفاقم الأزمة المالية، ويساهم بالوصول بالبلاد إلى نهاية مأساوية؛ لا تستطيع فيها تحمل تكلفة استيراد القمح، ولا تستطيع الاكتفاء بإنتاجها المحلي أيضًا.
وبالإضافة إلى ذلك، ومنذ أن بدأت الحكومة المصرية من الانسحاب من المجال الاقتصادي، فإن الزراعة في مصر محكومة بعوامل الربح والخسارة، ومن الصعب إقناع المستثمرين بالتحول من إنتاج محاصيل أكبر ربحية بكثير، إلى القمح الذي لن يدر ربحًا مقاربًا للحمضيات على سبيل المثال.
في المحصلة يعد توفير قدر أكبر من العدالة في الدخل والثروة، ولو بشكل غير مباشر عن طريق تقديم دعم للأكثر فقرًا، مقابل رفع الضرائب على الفئات الأكثر غنى في مصر، أحد أهم عوامل الأمن الغذائي التي يجري تغييبها في الخطابات الاقتصادية، وإلى أن يجري تحقيق ذلك ستكون الحكومة المصرية مطالبة بالتعاون مع دول عديدة لاستيراد القمح، دون تركيز الاستيراد من بلدان بعينها بنسب كبيرة.